برمودا الشرق الأوسط: سانحيّة الفرصة!

الأربعاء، 05 أبريل 2017 08:59 م
برمودا الشرق الأوسط: سانحيّة الفرصة!
حاتم العبد يكتب

- 1 
احتلّت أسطورة مثلث برمودا زمنًا طويلًا، واستغرقت بحثًا عميقًا لفهمها ودرْسها وتفسيرها، وأيّا ما كانت طبيعة تلك الظاهرة وحقيقتها، سواء أكانت ترتكز على حقائق علمية وتستند على مسوّغات منطقية، أم أنها لا تعدو أن تكون ظاهرة وهمية، خالية الوفاض من الحقائق، مُفتقرة إلى المنطق، فان النتيجة في الحالتين واحدة، بمعنى واهميّة الظاهرة أو صحة واقعيتها يستويان في هذا الطرح. ذلك أن منطقة مثلث برمودا أضحت بمنأى عن الاقتراب ومن باب أولى محاولة الاختراق لعقود من الزمن، ناهيك عن حجم الخوف والرعب منها. 
 
يحضُرني وبقوة نموذجيّة الظاهرة، ويسكن اهتمامي نقلها لعالم السياسة، ذلك العالم الذي يتفرّد بخاصّة مفردات ويستأثر باستثنائيّة ترجمة لها، ذلك أن مبدأيّة الثبوت فيه تعني التغيّر والتغيّر يعني الثبوت. 
 
استئناسًا بتلك الظاهرة، أرى مجالًا لتطبيقها بل وألمح لزوميّة ذلك، لحالّة الحاجة ولاكتمال شروط تطبيقها ولطارئيّة ظروف المنطقة. 

- 2 
«يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» استئناسًا بالآية الكريمة، وبمناسبة انعقاد القمة العربية السابعة والعشرون على ضفاف البحر الميت بالأردن الشقيق، يوم الأربعاء الموافق 29 مارس الماضي، لعلّ مردود وتبعات البحر الميت تُخرج تحالفًا حيًّا متمثلًا في فاعل دولي محوري جديد، يفرض كلمته، يزود عن الأرض أن تُستباح، وعن العرض أن يُنتهك، وبعد الانفراجة بين الشقيقتين مصر والسعودية، وجب استثمار تلك الأجواء وتطويعها والبناء عليها لعودة العلاقات لسابق صفوها، والأخوة لسابق طبيعتها.
 
كان قد سبق ذلك بأيام استئناف شركة أرامكو السعودية توريدها للمواد البترولية لمصر بعد توقّف لمدة ستة أشهر، قيل إنه لأسباب اقتصادية وتجارية خاصة بالشركة!
 
يعقب ذلك زيارة الرئيس السيسي للسعودية هذا الشهر، وهذا خير كثير وفرصة سانحة وجب اغتنامها على الفور ومن قبل الشقيقتين.

- 3
كان لجفاء العلاقات المصرية السعودية مردوده على البلدين الشقيقين، وللأسف كان المردود جدّ سلبي، خاصة على المستوى الدولي، وما أحدثته هذا الجفاء من تهتّك في جدار الأخوة، والنيل من رموز البلدين الشقيقين، لكن نحمد الله أن الأمور بدأت تعود لطبيعتها ودفئها. 
 
على الشقيقتين مصر والسعودية، أن ينحيا منحى الأخوّة والدم الواحد ووحدة المصير، عليهم أن يقرؤوا جيدًا المشهد الدولي الجديد وأن يجيدا قواعد اللعبة الدولية الجديدة، وأن يتحالفوا مع الشقيقة الإمارات العربية المتحدة، من أجل تكوين جبهة قوية قادرة على حماية الأمن القومي العربي.

- 4
برمودا الشرق الأوسط، هو مثلث حفظ التوازن ورمانة الميزان في المنطقة، رؤوسه الثلاثة هي مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، ذلك أن الثلاث قوى يشتركن في وحدة الهدف والمصالح وأيضًا المخاطر، ناهيك عن مقومات الوحدة، من لغة ودين ومذهب وتاريخ وجغرافيا...
 
يأمل البعض ويراهن ولربما يعمل على الإطاحة بالنظام التركي الحالي، ولكن وبعد فشل المحاولة الانقلابية، رسخت أقدام النظام التركي وثبتت دعائمه وبات من الفطنة السياسية والحنكة الدولية، أن نتعامل معه، نخطب ودّه، بل ونتحالف معه، ذلك أن تركيا دولة إقليمية سنيّة قوية، يهددها ما يهددنا وهو المدّ الشيعي في المقام الأول. 
 
التحالف مع تركيا لا يخلو من فوائد تضاف إلى ما سبق، فبعدما أفرزتها المستجدات الدولية كلاعب دولي محوري، وجب الاستفادة منه، ذلك أنه بِنَا أو بغيرنا، سينفّذ أجندته، ولعل مدّ يد العون له، يحجّم من تطلعاته ويحدّ من توجهاته المقلقة نحو الوطن العربي. 

- 5 
مبنى العلاقات الدولية وأساسها يكْمن في قاعدة الصوالح الوطنية، أي أن على الدولة أو التحالف أو الاتحاد أن يعمل ساهرًا على مصلحة بلده، أو أعضائه، وهذا يحتّم ضرورة فصل السياسي عن باقي المجالات سيّما الاقتصادية منها، ولنا في الشقيقة الإمارات العربية المتحدة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، القدوة والمثل، إذ برغم خلافاتها مع إيران، إذ تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع إيران، أليس أجدى نفعًا، وكرمًا أن نطبق ذلك مع أشقائنا.
 
اتساقًا واتفاقًا مع تلك التغيرات الجذرية، فلابد وأن يكون هدف الأهداف للدول الثلاث هو حجز مكان لهم في قطار المستقبل، بالتطلع إليه، والانتماء له، وإعمال مقتضياته، والتسلّح بلغته ومفاهيمه، هذا يفرض عليهم طيّ صفحة الماضي الأليم والحاضر المُزعج، وعدم الالتفات إليه، إلّا بقدر وحساب، ولدواعي الضرورة، فلا وقت نملكه لإضاعته.

- 6 
على الجميع إن أرادوا ان يحجزوا لأنفسهم مكانًا على المسرح الدولي الجديد، كلاعبين أساسيين وليسوا كمتابعين، كصانعي قرار وليسوا كمنفذين له، وإذا ما أرادوا أن يلتحقوا بقطار التقدم لشعوبهم، أن يتخلّوا عن شخصنة الأمور وفرديّة القرارات، وأحاديّة التوجّه أو شذوذه، ذلك أن برمودا الشرق الأوسط في حده الأدنى يضمن لتلك الشعوب بث الخوف والزعر في من تسوّل له نفسه من الاقتراب، ولربما كان الاقتراب بل الاختراق ممكنا، لكن على الأقل أن يشِيع في ذهن الجميع، أن ثمة تحالف إقليمي سني، يضمن حماية الشعوب وعدم تغيير الجغرافيا السكانية، بتفحّل الامبراطورية الإيرانية الشيعية، أما الحد الأقصى لمزايا هذا المثلث، فلا أبالغ إن قلت أنه بلا سقف. 
 
فارقيّة اللحظة وقدريّة المرحلة تفرض على القوى الثلاث وتلزمهم بالتكاتف والاتحاد وتنحية ما قد يشوب صفو علاقاتهم جانبًا، ذلك أن التحديات جسام، ولا موضع قدم لمن يغرد منفردًا خارج السرب، كما أن الالتحاف بالعباءة الروسية أو الأمريكية لا يناسب طقسنا الشرقي العربي الإسلامي، ناهيك عن ارتفاع ثمنها وكُلفة خيارها، فلا مناص إذن من العباءة العربية الإسلامية السنية، والركون لدفئها، ذلك أن مكونات نسيجها منتجات محلية عربية إسلامية. 
 
ليكن برمودا الشرق الأوسط في حده الأدنى المتواضع تعاون اقتصادي، ثقافي، وفي حده الأقصى سياسي عسكري. مع توافر المقومات واجتماع الشروط وحالّة الظروف، سنحت الفرصة فهل من مغتنم؟!
 
يُتبع...
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة