مفاجأة.. الحكومات تكذب وتشتري معلوماتنا بأدق التفاصيل.. دبلوماسي بريطاني يكشف خطة «الثورة بلا قيادات» في 4 خطوات ويزعم: امنح الناس المسئولية تجدهم ميالين لاستخدامها بقدر أكبر من الحكمة والهدوء

الجمعة، 07 أبريل 2017 12:51 م
مفاجأة.. الحكومات تكذب وتشتري معلوماتنا بأدق التفاصيل.. دبلوماسي بريطاني يكشف خطة «الثورة بلا قيادات» في 4 خطوات ويزعم: امنح الناس المسئولية تجدهم ميالين لاستخدامها بقدر أكبر من الحكمة والهدوء
الثورة
كتب بلال رمضان

يقدم الكاتب الدبلوماسي البريطاني كارن روس، في كتابه «الثورة بلا قيادات»، والصادر عن سلسلة عالم المعرفة، التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في دولة الكويت، مقترحًا يرى أنه على المواطنين الأفراد أن يبادروا إلى اجتراح التغيير بأنفسهم، عبر أفعالهم هم، وبالتعاون مع آخرين، بدلاً من التعويل على أنظمة سياسية واقتصادية خائبة، هذا التحرك يشمل الجميع، في كل الأمكنة؛ تحركًا لكل من يشعر بأنه مهمل من قبل حكومة خاصة لهيمنة مصالح الشركات، ولنظام اقتصادي منحاز إلى صف الربح والجشع.

ويرى كارن روس أنه آن أوان اعتماد صيغة جديدة للسياسة، فالصيغ القديمة أخفقت إخفاقًا شنيعًا، في الغرب، الديمقراطية في أزمة، في الصين وروسيا يترسخ نوع من الحكم الاستبدادي المرتبط بهيمنة الشركات وأصحاب المصالح. وفي الشرق الأوسط تسود ألوان من الفوضى والعنف والقمع. في سوريا، تحول الأمر إلى حرب شاملة، الانقسامات في المجتمعات، بين الأديان والمعتقدات، كما بين النخب والشعب، لم يسبق لها أن كانت أعمق مما هي اليوم. إنه زمن قدرٍ هائل من اللااستقرار وانعدام اليقين، إنه زمن قدر هائل من المعاناة، وليس ثمة رؤية واعدة لمستقبل أفضل.

ويقول «روس»: تزعم الحكومات بأنها توفر الاستقرار، ولكن ذلك إن هو إلا عرض زائف، لأن القمع لا يتمخض إلا عن المعارضة، هو استقرار مقابل ثمن راعب من الأرواح والمعاناة الإنسانية، وفي الوقت نفسه، يزعم المتطرفون الدينيون أن طريقهم هم هو الطريق القويم لإدارة المجتمع والعالم. وهذه الشمولية – تفوق وسيادة نظرة واحدة في المجتمع والعالم- مناقضة للديمقراطية ومنافية للتسامح مع الاختلاف، وهي مرفوضة فعلاً من جانب الأكثرية الساحقة في العالم العربي وخارجه. ومع ذلك فإننا جميعًا نعيش في مجتمعات متباينة دينيًا واجتماعيًا، فالمجتمع لا يستطيع أن يؤدي وظيفته وينعم بالاستقرار إلا إذا كان النظام السياسي حاضنًا لمثل هذا الاختلاف، بل مرحبًا به، لا قامعًا له.

ويشير كارن روس: في أثناء «الربيع العربي» التقيت محتجًا شابًا من مصر. في الغرب، كثيرًا ما صُورت احتجاجات ميدان التحرير التماسًا لـ«الديمقراطية» سألته عن سبب احتجاجه وعما يريده، فأجاب، بالطبع، إنه أراد وضع حد للحكم القائم، غير أنه لم يكن يريد ديمقراطية شبيهة بتلك الموجودة في الغرب. أفادني بأن تلك ليست ديمقراطية حقيقية، فقد سبق له أن رأى كيف جرى مسخ الديمقراطية المزعومة في الغرب إلى أداة مصالح فئوية وجماعات ضغط معينة، ثم ما لبثت أن باتت مهددة بخطر الوقوع في أيدي دجالي اليمين. كان الشاب راغبًا في ديمقراطية حقيقية، في حكم للشعب من أجل الشعب وفي خدمته، واليوم، وأنا عاكف على الكتابة، يقبع هو في السجن، بعيدًا عن زوجته وأولاده، بيد أن رؤيته وجرأته مازالتا يلهمانني.

ويقول كارن روس عن كتابه «الثورة بلا قيادات» أنه حول نمط جديد من السياسة، خرج من رحم خيبتي المطلقة مع الحكم الديمقراطي المزعوم الذي سبق لي أن عملت في خدمته ديبلوماسيًا بريطانيًا.

أيقنت أن الحكم قادر على الكذب في أخطر مسئولياته، في الحرب تعاملت مع العراق وأسلحة الدمار الشامل فيه قبل الغزو الأمريكي البريطاني عام 2003، ما أثار رعبي هو أنني كنت شاهدًا على إقدام حكومتي وزملائي على ممارسة الكذب بشأن التهديد المزعوم الصادر عن العراق، تعرض إيماني العميق بصدق حكومتي واستقامتها للنسف، ولعل الأسوأ هو ما عايشته عبر سنوات عديدة بوصفي ديبلوماسيًا: أعني افتقار الحكم إلى الكفاءة، فبوصفي كاتب خطب لاثنين من وزراء الخارجية البريطانية وديبلوماسيًا على الجهات الأمامية لاشتباك بريطانيا مع بقية العالم، تسنى لي أن أشارك مباشرة بما أدركت أنه لم يكن إلا تظاهرًا أو إدعاءً بأن الحكومة القادرة على فهم العالم شديد التعقيد، والاضطلاع بدور الحكم في التعامل معه، كنا نصطنع ذلك وندعيه.

في صلب العلاقة بين أي كتلة سكانية وحكوماتها ثمة نوع من الصفقة. في صف المحكومين، يتنازل الناس عن حرياتهم ويخضعون لحكم الإدارة وضبطها في المقابل، تتولى الإدارة مهمة توفير الأمن وتسيير شئون المجتمع بقدر معقول من العدل. من الواضح أن الحكم في طول العالم وعرضه يخفق كثيرًا في الوفاء بالتزامه بموجب هذه الصفقة، ولعل أحد الأسباب هو أن حكم الأقلية محكوم بأن يؤول إلى خدمة مصالح الأقوى ممن تمكنوا من الإمساك بزمام السلطة والتحكم بها عند الضرورة. بيد أن آمرًا نادرًا ما يذكر.

إن عالم القرن الواحد والعشرين شديد التعقيد واللبس، مليارات الأفراد في تفاعل مطرد بعضهم مع بعض، حيث الكل يستجيب لأفعال الآخرين في سياق عملية ديناميكية دائمة متواصلة التغير والتبدل. ولم تفض الارتباطات المتزايدة عمقًا للحركة والتواصل التي تميز العولمة إلا إلى زيادة تسارع هذه العملية. إنه نظام سائب، سيال، ليس مضبوطًا، ولكنه ليس في فوضى كاملة، على رغم مظاهر هذه الفوضى: النظام موجود في حالة هي بين الانضباط والفوضى. إنه مثال على التعقيد واللبس، العالم نظام معقد. لسنا أمام رقعة شطرنج يستطيع القادة والحكومات فيها تحريك البيادق ونقلها وصولاً إلى نتائج قابلة للتوقع، وإن كانت معقدة، نحن بصدد أمر مختلف.

في الأنظمة المعقدة، من شأن أفعال فرد واحد أن تحدث تغييرًا للنظام كله، فحين أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في إحدى البلدات التونسية الصغيرة، تمخض فعله عن إحداث زلزال سياسي خض العالم العربي: «الربيع العربي». من جراء عقود من سوء الحكم والفساد، كانت الدول في طول العالم وعرضه مسكونة بآيات عدم الاستقرار. كانت ناضجة للتغيير. وفي مثل تلك الحالة، تقدر أي قشة مهما صغرت على قصم ظهر البعير، يتعذر التنبؤ بما من شأنه أن يطلق عملية التغيير، أو بموعد حدوثها، من المستحيل معرفة حالة النظام في أي وقت، إنها دائمة التغير.

حالات الاضطراب المتصاعدة التي نشهدها في العالم تؤدي بدورها إلى حفز الحكومات على التشدد في إحكام القبضة بغية الحفاظ على وهم التحكم، وكما هو واضح، فإن الحكومات، فهواتفنا الخلوية تسجل حركاتنا، ولقاءاتنا، واتصالاتنا، جميع المعلومات التي تتقاسمها الشركات التكنولوجية المذعنة للحكومات. وعلى الشبكة العنكبوتية، تقدم الشركات على تجميع المعلومات ذات العلاقة باهتماماتنا وتفضيلاتنا وصولاً إلى رسم صورة شخصية صارخة الدقة تبادر بعد ذلك إلى بيعها إلى أطراف أخرى على نطاق واسع بما فيها السلطات، ولكن من دون إعلامنا. في الشوارع، في الهواء الطلق، ثمة الآلاف من كاميرات المراقبة التي تتابع حركاتنا المادية، بوسع هذه الأجهزة الآن أن تتعرف على الأفراد عبر صور طيارة لوجوه ملتقطة في أي حشد. فما نتردد عليه من أماكن، ومن نلتقي بهم من أشخاص، وما نتفوه به من كلام، وما نشتريه من سلع، وأكثر معلوماتنا حميمية، جميعًا بلا استثناء باتت موجودة لدى الحكومات.

ويقدم كارن روس، في كتابه أربع أفكار تشكل نواة فلسفة الثورة بلا قيادات، يطالب القراء بالعمل على تبنيها وتطبيقها لتبدأ الأمور في التغيير، وتتمثل هذه الأفكار في الآتي:

الفكرة الأولى: تتمثل في أن من شأن تحرك فرد واحد أو جماعة صغيرة، في نظام متزايد الترابط، مثل العالم المنبثق في القرن الواحد الوعشرين، أن يؤثر في مجمل النظام بسرعة فائقة. تصوروا العالم استادًا «ملعبًا» رياضيًا، حيث يمكن لشخص واحد أن يطلق «موجة» لا تلبث أن تجر خلفها الحشد كله. أولئك الأقوى هم بجانبنا، ونحن بدورنا في أفضل وضع يمكننا من التأثير فيهم. مفجر انتحاري يقدم على الفعل، يهاجم عدوه، ويستنفر آخرين، ذلك كله في تحرك مرعب واحد: تقنية بالغة التأثير سرعان ما انتشرت من سريلانكا إلى لبنان، إلى العراق وأفغانستان، إلى بالي ولندن ونيويورك في غضون بضع سنوات قليلة. بيد أن العبرة ذاتها تستخلص بقوة عظيمة، من أفعال سلمية، حقيقة كشفها المهاتما غاندي، ونظرية الشبكة الحديثة تبين مدى قدرة تحرك واحد على إطلاق حركة تغييرية شاملة للمنظومة كلها. يغدو الشخص الواحد فريقًا، ثم لا يلبث أن يتحول إلى حركة؛ فتحرك واحد صادر عن إيمان ومكرر من قبل آخرين يصبح تغييرًا ماديًا دراميًا مثيرًا.

أما الفكرة الثانية، فتقول إن الأفعال لا الأقوال، هي المقنعة، فالدراسات الحديثة تسلط الضوء الآن على ما نجح المخرجون المسرحيون الناجحون في إبرازه دائمًا. اعرض لا ترو أفعال، فمن شأن وسائل التواصل الاجتماعي أن تنظم وثقف جماعات أكبر بطرق غير مسبوقة، غير أن هذا التنظيم يبقى عديم القيمة ما لم يوظف لخدمة هدف محدد، لممارسة فعل معين.

أما الفكرة الثالثة، فتتعلق بالترابط والنقاش من جديد، هي فكرة بسيطة، فصنع القرار يكون أفضل حينما يشمل الناس الأكثر تأثرًا، ففي الأنموذج الغربي للديمقراطية التمثيلية، بتنا مدمنين على فكرة أن سياسيين، منتخبين من قبلنا، يجب أن يتولوا التفاوض بين جملة من المصالح المتنافسة وصولاً إلى عقد المساومات الضرورية لإنتاج الإجماع والخطة، ولكن ما إن يقدم حشد كبير من الناس على اتخاذ القرارات بأنفسهم حتى تكون النتائج لافتة ومثيرة: وجهات نظر الجميع مسموعة، السياسات تأخذ جميع المصالح في الحسبان، فتغدو أكثر إنصافًا، صنع القرار يصبح أكثر شفافية، وأقل فسادًا، فالناس المشاركون في اتخاذ القرارات يميلون إلى التماسك، فلا يتحقق المزيد من المسئولية والثقة في المجتمع إلا عبر تحميل الناس المسئولية الفعلية لصنع القرار، فإذا لم تحمل الناس المسئولية، فإنهم يتصرفون بلا مسئولية، بل على نحو عنيف أحيانًا. ومما يبعث على السرور أن العكس صحيح: امنح الناس السلطة وحملهم المسئولية، تجدهم ميالين إلى استخدام تلك السلطة بقدر أكبر من الحكمة، بل ومن الهدوء.

وهذا ما يصل بنا إلى الفكرة الرابعة، التي تخضب الخطاب من ألف كتاب الثورة بلا قيادات إلى يائه: الوكالة، سلطة حسم الأمور بأنفسنا. لقد فقدنا الوكالة. وعلينا أن نستعيدها. أصبحنا شديدي الانفصال عن القرارات الأكثر أهمية بالنسبة إلينا، إذا استرجعنا الوكالة، واقتربنا أكثر من إدارة شئوننا بأنفسنا، فإن شيئًا آخر قد يحصل أيضًا: قد نحصل على نوع من الإنجاز والإشباع، بل ربما حتى على نوع من المعنى، الذي كثيرًا ما يبدو مراوغًا في الظرف المعاصر.

كارن رون، دبلوماسي روسي مشغول بالعديد من أعقد المشكلات في العالم بما فيها أفغانستان، والإرهاب، والتغيير المناخي، وبعد أن عمل في مجال أسلحة الدمار الشامل العراقية والعقوبات، كان أحد الدبلوماسيين البريطانيين الوحيدين الذين استقالا بسبب حرب عام 2003 في العراق، وما لبثت التجارب أن أجبرته على التصدي لمشكلات أعمق يعانيها عالم هش، سريع العطب، بات مكوكبًا، وكارن روس، صاحب التعليقات المتكررة حول الشئون الراهنة عبر قنوات الـ«سي إن إن» والـ«بي بي سي»، وأحد المساهمين في «الغارديان».

غلاف كتاب الثورة بلا قيادات
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة