التنوير والقومية المصرية

الجمعة، 07 أبريل 2017 06:20 م
التنوير والقومية المصرية
إيهاب عمر يكتب

"اعمل بالتنوير منذ فترة طويلة"، هذه العبارة كانت جزء من حديث لأحدي المثقفين منذ فترة، هى لا تمثل فكره الخاص بل فكرة عامة منتشرة بين المثقفين باعتبار التنوير عملاً يمكن ان ينتسب اليه او ينسب الشخص اليه نفسه.
 
وكان يمكن قبل الربيع العربي ان يثير هذا القول عاصفة من الغضب على ضوء ان التنوير رسالة وقيمة يراها المتلقي في المفكر او المبدع، دون ان ينسبها المبدع او المفكر لذاته، ولكن بعد يناير 2011 حينما أصبحت القيم مثل الثورة والانتفاضة مهن يرتزق منها البعض فلا عجب ان نري من يرى نفسه يعمل بالتنوير!
ان الخطاب العام لحاملي شعلة التنوير في زمن الربيع العربي وما بعده لديهم عوار رهيب فيما يتعلق بفكر التنوير، اذ ان التنوير عادة ما كان مشروع إصلاحي للدولة والمجتمع المصري، انطلاقاً من مشاعر وطنية تحترم تاريخ ومقدرات هذا البلد، وخصوصياته الثقافية والقومية.
 
ولكن التنويرين اليوم ليس لديهم خطة عمل حقيقية الا فيما يتعلق بالمكان المقبل لنشر المقال الجديد الذي غالباً ما يكون نفس الديباجة للمقال القديم، وليس لديهم رؤية للتغيير بل التفكيك فحسب، مما يجعله جزء من تيارات فكرية متخبطة عكرت المجال السياسي والفكري في مصر طيلة سنوات الربيع العربي.
 
التنويري إيمانه الأول القومية المصرية، لا ان تدمج بلاده في فكر اممي مثل القومية العربية او الجامعة الإسلامية، وقد كان زعامات التنوير في مصر مثل احمد لطفي السيد وقاسم امين او طه حسين وسلامة موسي وصولا الى بيومي قنديل وفرج فودة من أنصار القومية المصرية، يرون ان تصحيح الخطاب الديني او حتى تصحيح مسار النظام السياسي او الدولة يأتي في سياق القومية المصرية.
 
لم نرى تنويرياً يكتب مصر بالمصطلح المقصود به الإهانة "ماسر"، او يرى بلده "أسوأ بلد في المجرة" كأنه عالم فضاء جاب ارجاء الكون، ويلاحظ ان اغلب رواد التنوير في مصر ينتمون الى اليمين القومي – الليبرالي باستثناء سلامة موسي الذي جنح الى قومية اشتراكية مصرية، بينما اغلب تنويري العصر الراهن ينتقدون فكرة خصوصية المجتمعات ولديهم كراهية لفكرة اليمين القومي او القومية المصرية!
 
والتنويري عادة ما يكون باحثاً وليس مجرد كاتب مقال رأي، حتى يقدم علماً يعتبر تنويراً لمن هو موجود، فالتنوير ليس لقب بل صفة يشعر بها القارئ وينسباها اليك وليس العكس، لقد كان احمد لطفي السيد يكرس حزب الامة من اجل نشر الليبرالية ومبادئ القومية المصرية حتى أطلق عليه أبو الليبرالية المصرية.
 
وطالب بتأسيس الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حالياً) ومجمع اللغة العربية، وقد عمل رئيساً للجامعة المصرية ودار الكتب المصرية ومجمع اللغة العربية وحزب الأمة.
ولك ان تتخيل ان فيلسوف واستاذ الجيل بكل ما يعنيه من علم وتنوير قد تولى منصب وزير الداخلية، ووزارة المعارف، كما تولى منصب وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، وكان عضواً بمجلس الشيوخ، وعقب اقالة الرئيس محمد نجيب، عرض عليه رئيس الوزراء جمال عبد الناصر ان يتولى رئاسة الجمهورية عام 1954، ولكن لطفي السيد نصح عبد الناصر بأنه طالما هو الرجل الأقوى في تنظيم الضباط الاحرار والسلطة فعلا في يده فلا يجب ان يتأخر أكثر من ذلك عن تولى منصب رئيس الجمهورية.
 
اما عميد الادب العربي د.طه حسين ، ورغم ثراء دراسته العلمية ولكن لنا ان نتوقف عند كتاب "في الشعر الجاهلي" الصادر عام 1926، حيث ف خلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين، فأين مدعى التنوير اليوم من هذه القامة؟ وكيف يجرؤ بعضهم بوصف لطفي السيد وطه حسين بالتنوير الزائف!
 
وفى عام 1933 كتب بجريدة كوكب الشرق: "الحضارة المصرية والفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك بل يجب أن تبقى وتقوى والمصري فرعوني قبل أن يكون عربياً، ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلا سيكون معنا ذلك: اهدمي يا مصر أبا الهول والأهرامات وأنسي نفسك وأتبعينا، لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع أن تعطي، مصر لن تتدخل وحدة عربية سواءً كانت في القاهرة أو دمشق أو بغداد"، بينما تنويرين اليوم لديهم حالة من دوار البحر حيال القومية المصرية وينظرون اليها باعتبارها فكراً فاشيا!
 
ويكتب فرج فودة في كتابه "حتى لا يكون كلاماً في الهواء" عام 1992:" إذا كان التاريخ الوسيط يظهر تهافت الوحدة الإسلامية لما اكتنفه من حروب أهلية ودينية منذ عهد الصحابة وفي الأنظمة الإسلامية المعاصرة، فإن التاريخ المعاصر يظهر كذلك تهافت الوحدة العربية".
 
ونقرأ من كتابه "الوفد والمستقبل" الصادر عام 1983:" سبب ترنح الاقتصاد المصري نتيجة الانقلابات الثورية التي دفعت به إلى أقصى اليسار، ثم إلى أقصى اليمين، دون تمهيد أو دراسة متأنية" و "أكثر الدول رأسمالية لا تفعل ما نفعله في مصر " في نقده لمدعى الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية دون فهم حقيقي لها.
 
اما قاسم أمين رائد الحركة النسائية، فأن مشروعه لتحرير المرأة اتى في سياق القومية المصرية ومشروع للنهضة بالمجتمع المصري ككل، وقبل ان ينشر كتاب تحرير المرأة عام 1899 نشر كتاب المصريون عام 1894، ولم يكن مشروعه الخاص بحقوق المرأة الا الملحق النسائي من مشروع عام تنويري قومي ذاع طابع يميني ليبرالي رغم ان والده كان تركياً، الا ان الدماء المصرية للأم كان لها الأثر المباشر في فكر قاسم امين وانتصاره للقومية المصرية.
 
اين مدعى التنوير اليوم من كل هذا ، وهم كائنات منزوعة القومية والانتماء والهوية، ومع ذلك تريد هيكلة وتنظيم كل هذا!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق