سلفيّو مصر والسياسة (٢)

الجمعة، 14 أبريل 2017 12:26 م
سلفيّو مصر والسياسة (٢)
حاتم العبد يكتب

استكمالًا لسلسلة المقالات المُخصّصة لظاهرة الحراك السياسي السلفي في مصر، والذي بدأناه في مقال قبل عدة أشهر، أوضحنا فيه ثوابت - أو هكذا صوّروا لنا الأمر - التيار السلفي قبل ثورة يناير المجيدة، من عصمة الحاكم وتقديسه، وحرمة الخروج عليه، والانزواء جانبًا، والتقوقع حول الفكر البالي والذي عفا عنه الزمن، ومعاداة الفقه وأهله على قالة أنه بدعة، وننوه القارئ الكريم، أنه لا مجال لربط تلك السلسلة بتوقيت العمليات الإرهابية، عمليات الخسة والغدر والحقارة، إذ إني قد بدأت بالفعل تلك السلسة كما ألمحت سابقًا، وما توقفي عن تكملتها إِلَّا لانشغالي بكتابي الجديد وحوادث أخرى فاجأت الجميع وألزمتني الكتابة عنها. 

منبع التنويه أنّ القرّاء الكرام والذين سبقوا وأن كفروني عقب مقال ˮالمسيح والمولد النبويˮ، قد إن لم يكن سوف، يسوقهم تفكيرهم بأنّ ثمة تزامنيّة بين ما يحدث من إرهاب وما يسطره قلمي بغيّة إلصاق الاٍرهاب بتيار معين، ولهم أقول، لقد عاهدت الله ألّا يسطر قلمي إِلَّا عن قناعة، ولا يعبر إلّا عن فكر، وأن يظل حر، طليق، إِلَّا من مبادئ ارتضيتها منهاجًا لحياتي وارتضيت أن ألقى بها وجه كريم. 

مرحلة ثورة يناير وما بعدها: لهثيّة سياسيةوتأنيس الحاكم متبوعتان بتكالبيّة إعلامية

تبتدأ تلك المرحلة بالتحديد يوم ١١ فبراير ٢٠١١ يوم تنحي الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم، إذ انسلخ السلفيين من جسد تقديس الحاكم، وخرجوا على ثوابتهم، وبان لهم، كما بان للجميع أنه لا قدسيّة لأحد، حتى الحاكم، وابتدأ أقطاب التيار السلفي في غزو الفضائيات، زاعمين أنهم من مكونات الثورة المجيدة، بل بلغ الشطط بأحد أقطابهم بأن قال وبأن زعم أن السلفيين هم من دعوا إلى ٢٥ يناير!

تزامَن ذلك مع استنشاق رياح الحرية، بيّد أن الرئة السلفية والتي درجتّ على هواء الحاكم العكر، وألفتّ مشتقات زفيره، لم تأنس ولم ترحب بالهواء الحر الطليق، ولا بنسائم الحرية، ولا بعليليّة نسيم الديمقراطية ولا برحيق الإنسانية. 

مع سقوط نظام مبارك، قفز التيار السلفي، كغيره من الانتهازيين، على كتف الثورة وشبابها، محاولين إيهام الجميع بارتدائهم ثوب التضحية، وبادعائهم فضل السبق، وبالتحافهم بعباءة حقوق الانسان، وبزعمهم المصلحة العامة. 

وما أن غرّد طائر الحرية في سماء مصر، بأن سُمح بتكوين الأحزاب السياسية، حتى سال لعاب التيار السلفي على الكعكة، وخلع عباءة التحريم، تحريم السياسة وأهلها، أي الأحزاب، وارتدى عباءة ليس فقط الجواز، بل الوجوب، وانتقل التيار السلفي من كافر بالديمقراطية وأهلها ووسائلها وأهدافها، إلى مؤمنٍ بل وداعٍ لها، مُحلًا وسائلها، مُرغّبًا وحاثًا على نبل أهدافها، إن هي إِلَّا أيام حتى أسس التيار السلفي حزبًا سياسيًّا، وخاض أول انتخابات حرة ونزيهة منذ انقلاب ١٩٥٢، وياللعجب، يحصد حزب النور المركز الثاني، وأضحى أعضاء حزب النور ضيوفًا مقيمين على كافة البرامج الحوارية، والفضائيات بل والأرضيات أيضًا. 

أصدقك القول أيها القارئ الكريم، أني لم أكن متفائلًا بهذا الصعود البارق للنجم السلفي في سماء الحياة السياسية في مصر، ومردّ قلقي وقتئذ لم يكن ضد المبدأ، بل على العكس من ذلك تمامًا، أنا من المؤمنين بضرورة دمج الجميع في بيئة سياسية صحية، لا مكان فيها إلّا للمصلحة العامة فحسب، ومراعاة نظْم علاقة الدين بالدولة، ولكن كمُن قلقي في قناعتي بأنّ السياسة علم عظيم، وتراكم خبرات، وجولات ميدانية، وتنسيق تنظيمي، ووحدة هدف، وغياب المُقدسات سيّما المتعلقة بالحاكم، وكل من ذلك لم يكن للتيار السلفي منه لا ناقة ولا جمل. 

بيد أنّ ما لفت نظري، وقُلت لنفسي لعلّ وعسى يصيبهم منه نصيب إن لم يكن أنصبة، هو اختيار اسم الحزب، النور، وعلَّق الكثيرين على النور السلفي، آمال وأماني كثيرة. 

أسرف الكثير في التفاؤل، بيد أنّ النور السلفي، تشرنج داخل ماضٍ سحيق يكاد لا يُر من بُعد المسافة، ومن احتجاب المعالم، واختلاف البيئات، وتغير الظروف، وتقوقع داخل أفكار بالية، وفاض علينا من كرم انغلاقه، وعبثيّة لا أقول رؤيته السياسية، بل الرؤية السياسية، وأغدق علينا بجمود فكر منقطع النظير.. 

لعلّ الواقعة الأكثر ظلامًا وسوادًا في حياة النور السلفي، هي واقعة وفاة الأنبا شنوده الثالث، في مارس ٢٠١٢، وهنا رفضت الكتلة النورية - الظلامية - الوقوف دقيقة حداد على روح الفقيد، وأحدثوا خللًا وابتدعوا ضلالًا، وحمّلوا الدين ما لا طاقة له به، بل وأدخلوا عليه غرائب المعتقدات وشاذّها، على قالة أن المسيحي كافر، وبأن رمزهم هو رمز للكفر! ولعلّي أحيل القارئ الكريم لمقاليالسابق ˮالمسيح والمولد النبويˮ، والذي كفرني بعض السلفيين عقب كتابته، وطلبوا مني الاستتابة وبأن أعود إلى الله وبأن أتبرأ مما أعتقد! 

تناسى النور السلفي أنّ الأنبا شنوده الثالث هو رأس الكنيسة الأرثوذكسية والأب الروحي للأخوة الأقباط، أي لشريحة عريضة من المصريين، وتناسوا أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف بعبور جنازة يهودي، والجميع يعلم ما فعله اليهود بالمسلمين الأوائل. فما بالنا بمن هم أقرب إلينا وأكثرهم مودة ورحمة ولا يستكبرون؟ 

كل إناء ينضّح بما فيه، لم نر من النور السلفي سوى شذوذ فكري، ورغبات جنسية، وعجب العُجاب بأنها لم تكن مكبوتة يومًا، إذ المعروف والمشهود عنهم بأنّ الأصل هو تعدد الزوجات، ولعلّي أذكر ما قاله لي قبل سنوات أحد المنتمين للإخوان المسلمين، من ردة فعل زوجته حينما علمت أنه يصلي الفجر مع جاره السلفي، إذ طلبت منه وعلى الفور أن يغيّر المسجد وألّا يصاحب السلفي، خشيّة أن يطاله تفكيرهم وتصبح الزوجة الأولى! بل استطال الأمر ليشمل انحرافات أيضًا، ولعلّنا نذكر في هذا الصدد ما تم اكتشافه من انحرافات أخلاقية، فالنائب النوري، بالمنوفية وقد تم ضبطه في سيارة على قارعة الطريق المُظلم وهو يضئ الطريق لسيدة من عمر أولاده، ويدعوها إلى طريق الاستقامة والعفة والطهارة، إلى نائب نوري آخر، وبعد أن أضحى بين عشيّة وضحاها أحد نجوم الميديا، لكن طول أنفه كان يضايقه، وعلى ما يبدو أنه حال بينه وبين شِفاه الحرية، وأنف الاستقامة، ووجْنات العفّة، فذهب إلى مستشفى تجميل، للاعتراض على خِلقة الخالق، وتبديل صِنعة الله، ثم ادعى كذبًا وزورًا أنّ قطّاع طرق خرجوا عليه وسرقوا منه مبلغ مالي كبير وكسروا أنفه، والتي حالت بينه وبين المعجبات، الأمر الذي اضطره إلى اجراء عملية جراحية عاجلة، ليفاجئنا الطبيب المحترم الذي أجرى عملية التجميل لدنجوان النور السلفي، بالحقيقة وعلى الهواء مباشرة، وما خفي كان أعظم!

يُتبع...

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق