انفراد.. تحقيق استقصائى عن عواصم الإرهاب فى الدلتا

الثلاثاء، 18 أبريل 2017 04:17 م
انفراد.. تحقيق استقصائى عن عواصم الإرهاب فى الدلتا
حادث انفجار كنيسة مار جرجس بطنطا
هناء قنديل تحقق وتصور

3 بروفات قبل تفجير كنيسة طنطا.. و«المناولة» كلمة السر.. وشركة الأمن الخاصة متهمة بالتراخى.. والشقق المفروشة دون رقابة والفنادق بلا تراخيص.. و«سيجر» و«منيا القمح» أخطر معاقل الدواعش
 
أسرار لم تنشر من قبل.. لماذا ضرب الإرهاب طنطا والإسكندرية؟
 
صدقت «صوت الأمة»، عندما أكدت، فى عدد سابق، وجود عناصر تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابى فى الدلتا، وكشفت خبايا المعسكرات التى تأويهم، والأنشطة الخطيرة التى يمارسونها.
 
ولم تمض سوى أيام قليلة، حتى أقدمت عناصر التنظيم المجرم، على ارتكاب جريمة بشعة، مستهدفين الكنيسة الأكبر فى محافظة الغربية، وهى كنيسة مارجرجس، بطنطا؛ ليسقط على إثر هجمتهم عشرات القتلى والمصابين.
 
«صوت الأمة» حاضرة فى قلب الحدث، تحقق الوقائع، وتجيب عن الأسئلة المهمة.

لماذا طنطا؟
بنظرة بسيطة على ما سبق أن نشرته «صوت الأمة»، فى الأعداد السابقة عن وجود عناصر تابعة لـ«داعش» أو تعتنق أفكاره الظلامية التكفيرية؛ سنجد أنفسنا أمام إجابة واضحة على السؤال المهم، وهو لماذا اختار الإرهاب أن يضرب هذه المرة فى طنطا؟!
 
يعد الموقع الجغرافى لمدينة طنطا، السبب الأول فى استهدافها، إذ أن عدم قدرة هذه العناصر، وعدم امتلاكها الإمكانات التى تسمح لها بإجراء عملية، ذات صدى مسموع، فى العاصمة القاهرة؛ جعلهم يتجهون لأول مدينة يمكن أن تسبب الدرجة ذاتها من الشو الإعلامى، والاهتمام المحلى والدولى، وكذلك التى تضم عددا هائلا من المسيحيين، لاحتوائها على أكبر كنيسة فى الدلتا، بالإضافة إلى ما تتسم به المدينة ذاتها من كثافة الزائرين، سواء للتجارة، أو حتى لزيارة مسجد السيد البدوى، مما يعنى أن صدى هذه الجريمة البشعة لن يترك منزلا فى مصر دون أن يدخله فعليا، عبر شاهد عيان، وليس عن طريق التغطية الإعلامية فقط، وبالفعل على هذا الجانب تحقق لمخططى هذه الجريمة ما أرادوا. 
 
وتتميز طنطا، بالسمة التى تتميز بها الإسكندرية أيضا، المدينة الثانية التى استهدفها الإرهاب فى اليوم ذاته، هى أنها مترامية الأطراف، وتضم العديد من الفنادق، ثلاثة فقط منها مرخصة والباقى غير مرخص، فضلا عن الشقق المفروشة، وعددها فوق العد والحصر، ويجرى تأجيرها دون أدنى إجراء للتحقق من هوية الوافدين؛ مما يسهل معه الاختباء داخلها. 
 
كما أنها ليست من المدن ذات المداخل الضيقة، والمحدودة التى يسهل السيطرة عليها، كما أنها تضم عددا كبيرا من القرى، وتضم مناطق عشوائية، تعد مرتعا للبلطجية والخارجين على القانون، كما توجد منطقة عشوائية تسمى «سيجر»، تعد معقلا للإخوان المطلوبين أمنيا. 
 
وباختصار فإن مدينة طنطا تعد ملتقى طرق القادمين من الإسكندرية، وكفرالشيخ، إلى القاهرة، والعكس، لذا فهى مكان مثالى للاختباء، والتنقل بين المحافظات بسهولة، ويسر.
 
وفى محيط لا يزيد على كيلومترين، يوجد مسجدان يعدان معقلا للسلفيين، وأصحاب الأفكار المتشددة، وهما مسجد السلام، ومسجد البخارى.
 
ويعد شارع على مبارك، المتفرع من شارع النحاس؛ والذى يضم الكنيسة، أحد الشوارع الرئيسية والحيوية فى طنطا، ويوجد به عدد من المنشآت المهمة، مثل: فرع الرقابة الإدارية، والأمن الوطنى، ومصلحة الجوازات، ومديرية الأمن، وعدد من المدارس.
 
ويقيم فى الشارع ذاته عدد كبير من الطلاب، الذين يستأجرون الشقق المفروشة، الموجودة بكثرة فى العمارات الجديدة المبنية بهذا الشارع، مما يمكن المقيم فى أى من هذه الشقق، أن يطل مباشرة على الكنيسة، ويراقبها، ويهدد سلامتها.
 
ويجرى كل ذلك دون إجراءات أمنية، ولو بسيطة، رغم قرب هذه المنطقة بأكملها، من جامعة طنطا الموجودة فى الجهة المقابلة بشارع البحر، واقتراب كل ذلك من مسجد السيد البدوى، مقصد الآلاف من البشر يوميا، ومن مختلف مناطق الجمهورية.

مفاجأة فى مسرح الحدث 
عندما وصلنا إلى شارع على مبارك الذى يضم الكنيسة، لاحظنا أن معظم سكانه من المسيحيين، وأنهم جميعا لديهم علاقات قرابة بالضحايا، الذى سقطوا فى هذه الجريمة الخسيسة.
 
ويفجر «مينا شنودة»، شقيق أحد ضحايا الحادث، مفاجأة مدوية بتأكيده على أن التفجير الأخير، الذى أسقط العشرات، سبقه بروفة ثلاثية، خلال أسبوع واحد فقط.
 
وأضاف لـ«صوت الأمة»: «فى المرة الأولى، وجد الأهالى قنبلة، قرب الكنيسة، وفككها خبراء المفرقعات، وبعدها بيومين فقط تقدم الأهالى ببلاغ جديد، إلا أن الأجهزة الأمنية أكدت سلبيته، فى المرة الثالثة قبل الحادث بيومين فقط، كان البلاغ الثالث، الذى أكد الأمن سلبيته أيضا».
 
وتابع: «المنطقة المحيطة بالحادث سداح مداح؛ بسبب عدم الرقابة على العمارات الجديدة، التى تضم شققا مفروشة، يتم تسكين الغرباء بها، على أنهم طلاب الجامعة، التى تبعد أمتارا عن المكان، دون التحقق من هوياتهم، فضلا عن الفنادق غير المرخصة، التى لا تلتزم بأى تعليمات أمنية، حتى تستفيد من زوار السيد البدوى القريب أيضا من المنطقة»، مشيرا إلى أنه قبل وقوع الحادث بأيام قليلة، بلغت مسامعه أنباء عن وجود عناصر لداعش فى طنطا، إلا أنه اعتبر الأمر مجرد شائعة.
 
وعند التطرق إلى واقعة استشهاد شقيقه، ويدعى «بيشوى»، 26 سنة، لمعت الدموع فى عينى مينا، وقال بصوت خنقه البكاء: «كان بيشوى شقيقى الوحيد، وكان يعمل كيميائيا، ومرمما أثريا، ويقيم فى القاهرة، وعاد قبل الحادث بساعات؛ لحضور العيد معنا، والصلاة فى الكنيسة الكبيرة».
 
وأضاف: «فى صباح يوم الحادث استيقظ مبكرا، وأجرى اتصالات هاتفية بأصدقائه، يطلب منهم مقابلته فى الكنيسة، للسلام عليهم جميعا، وقال لى إنه سيسبقنى إلى هناك على أن ألحق به سريعا». وتابع باكيا: «وأثناء استعدادى للذهاب، وقع الانفجار، الذى بلغ صوته آذان جميع أهالى طنطا تقريبا، وعلمت فورا أن الانفجار وقع بالقرب من الكنيسة، فذهبت إلى هناك؛ لأجد نفسى أمام فاجعة، فالانفجار وقع داخل الكنيسة، وحصد الكثير من الضحايا».
 
واستطرد: «بحثت عن شقيقى لعله يكون قد صادف ما منعه من الذهاب، أو أخره قليلا، إلا أن الواقع لم يكن كذلك، حيث وجدته بين أشلائه، داخل الكنيسة، ينزف، وقد فاضت روحه إلى السماء».
 
تركنا مينا شنودة، منهارا فى البكاء، يطالب بحق شقيقه، وحقوق الشهداء الذى أسقطتهم الأيدى الآثمة.

تراخى أمن الشركات 
وحمّل «أبو رامى»، مالك معرض سيارات ملاصق للكنيسة، وأحد الناجين من التفجير، الأمن الخاص، الذى توفره شركات الحراسة للكنيسة، جانبا من مسئولية الحادث؛ فى ظل حالة التراخى التى بدوا عليها داخل المكان، والتى لم تكن متوافقة مع التشديدات الجارية من قبل الشرطة فى الخارج.
 
ابورامى copy
 
وقال لـ«صوت الأمة»: «لا أستبعد أن تكون حالة التراخى التى كان عليها عناصر الأمن الخاص، الذين تستعين بهم الكنيسة؛ للتأمين من الداخل فى المناسبات الكبرى، سببا فى تسلل الجانى، من السور الخلفى للكنيسة، لزرع قنبلة فى الصفوف الأولى».
 
وأضاف: «وقع الانفجار بينما كنت على بعد أمتار من الكنيسة، أستعد للدخول، فى تمام التاسعة صباحا، لتصم أذنى صرخات الرعب، التى دوت فى مكان؛ فدخلت لأعرف ما جرى، وأطمئن على أقاربى، وأصدقائى، وجيرانى، خاصة أننى على علم بأن أهل الشارع الذى أقطن فيه بأكمله كانوا موجودين بالداخل، ففوجئت بوفاة معظمهم، وإصابة الباقين بإصابات بالغة.

المناولة كلمة السر
وكشف «أبو رامى» عن تفاصيل مثيرة تخص توقيت الحادث، موضحا أن وقوع هذه الجريمة فى تمام التاسعة صباحا، ليس صدفة، وإنما هو موعد بداية الطقوس، والذى يكون فيها أكبر عدد ممكن من المصلين، موجودا داخل الكنيسة؛ لحضور طقس «المناولة»، الذى يتبارك فيه المصلون بتناول أجزاء من القربان، والنبيذ المخلوط بالماء، من يد الراهب.
 
كما أن اختيار الصفوف الأولى - بحسب أبو رامى - لا يهدف إلى الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا فقط، وإنما لاغتيال نوعية معينة أيضا، هم كبار الزوار، والشمامسة، وهم مرتلو الإنجيل، والرهبان أيضا. 
 
وتقول ماري يونان: «فوجئنا فى بداية اليوم، بأحد الرهبان يعلن أن الأطفال سيشاركون فى كنيسة أخرى؛ وأبديت تعجبى من هذا الموقف، لكن بعد وقوع الانفجار، ونجاتى من الحادث، ومشاهدتى لحجم الضحايا، والدمار الذى أصاب الصفوف الأولى علمت أن العناية الإلهية تدخلت لإنقاذ مئات الأطفال  من مجزرة مروعة، لم نكن لنستطيع أن نحيا بعد وقوعها».
 
محررة صوت الامة امام السيد البدوى copy
واستطردت: «لولا أننى تركت مكانى فى المقدمة، لأكون بجوار ابنتى التى حضرت بعدى، ولم تتمكن من الاقتراب للمناولة؛ لكنت بين الضحايا، لكن ما أصابنى كان بعض الشظايا التى مزقت ملابسى، بينما أصاب المنظر الرهيب ابنتى، بحالة انهيار عصبى حادة».

قصة الانتحارى المزيف 
على هامش هذه الأحداث الساخنة، انتشر مقطع فيديو لأحد الأشخاص؛ اعتقد البعض أنه الانتحارى الذى ارتكب الواقعة، وأن الكاميرات صورته قبل دخوله الكنيسة بلحظات.
 
مدخل طنطا copy
 
وكشف أبانوب جرجس، أحد شهود العيان، وزوج ابنة هذا الانتحارى المزيف، عن أن الأجهزة الأمنية تتبعت الفيديو، وأجرت تحرياتها فور تداوله؛ لتتأكد من أن صاحب هذه الفيديو، هو حماه، مدحت تادرس، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، وكان فى الكنيسة للصلاة، ولا علاقة له بالواقعة. 
 
المشتبه بضلوعه فى هجوم المرقسية داعشى عائد من سوريا
قبيل مغادرة طنطا، إلى القاهرة، نمت إلى فريق «صوت الأمة»، معلومة، من أحد المصادر تكشف هوية الانتحارى المشتبه فى ارتكابه تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وأنه من أبناء مدينة منيا القمح، التى تقع داخل نطاق محافظة الشرقية.
 
وصلنا إلى هناك، للبحث عن تفاصيل جديدة حول هذه المعلومة المثيرة.

منيا القمح معقل الإخوان
منذ تولى مصطفى مشهور، منصب مرشد الإخوان، منتصف القرن الماضى، وتم تجنيد المئات من أبناء هذه المدينة ضمن الجماعة، حتى أصبحت منيا القمح معقلا للإخوان لا يتوقف نشاطهم بها حتى الآن.
 
محررة صوت الامة امام الكنيسة copy

داعشى عائد من سوريا 
أولى المعلومات التى وصلنا إليها من الحديث مع الأهالى فى المنطقة المحيطة بسكن أسرة الشاب محمد عبدالله غنيم، هو أنه انضم للتنظيم الإرهابى فى سوريا، منذ عام 2014، قبل أن يعود إلى مصر منذ شهور قليلة. 
 
ويبلغ هذا الشاب المشهور بـ«أبوالبراء المصرى»، من العمر 27 سنة، ويقول عنه الأهالى إن والديه يعملان كمعلمين، وأنه كان حاصلا على بكالوريوس تجارة، وكان منطويا، ولا يحب الحديث مع أحد.
 
ابوالبراء (1) copy
 
وأوضحوا، رافضين ذكر أسمائهم؛ حرصا على علاقتهم بذوى الشاب، أنه اختفى منذ فض اعتصام رابعة العدوية، وعلمنا أنه سافر إلى سوريا، وعندما علمت أسرته بانتشار هذه المعلومات، أشاعوا وفاته هناك، ولم يظهر منذ ذلك الحين، وحتى ارتكابه للجريمة. 
 
ابوالبراء (2) copy
 
هذا ما قاله الأهالى، علما بأن الداخلية قد أعلنت أن منفذ الهجوم الإرهابى هو محمود حسن مبارك مواليد قنا، وكان يقيم فى السويس.

خبير أمنى: العائدون من داعش قنابل موقوتة
حملنا هذه المعلومات إلى الخبير الأمنى العميد خالد عكاشة، الذى أوضح أن مسألة العائدين من داعش، تمثل مشكلة كبرى وقنابل موقوتة؛ تستوجب الاهتمام بها والعمل بشكل مشترك لمواجهتها.
 
وأوضح عكاشة لـ«صوت الأمة»، أن هذه المسألة كانت من بين أهم القضايا التى ناقشها مجلس وزراء الداخلية العرب، الذى انقعد الأسبوع الماضى، بالعاصمة التونسية، مشيرا إلى أن الوزراء اتفقوا على المزيد من البحث لهذه المسألة الدقيقة، وفق ما أكدت المصادر المقربة من الاجتماع.
 
مينا اخو الشهيد copy

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق