الديكتاتور «أردوغان»

الأربعاء، 19 أبريل 2017 02:06 م
الديكتاتور «أردوغان»
صبرى الديب يكتب

أؤكد أنه لو تبدلت المواقف، وطُرح في مصر ولو جزء من التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي وافق عليه الأتراك منذ أيام، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولهاج الإعلام العالمي ضد مصر والنظام المصري، لأنه أقل ما يقال عنها "أنها ترسخ لديكتاتورية حقيقة" ونظام حكم فردي لا ينازعه في سلطاته حكومة أو برلمان.
 
ولعل الغريب في تلك التعديلات، أنها صدرت عن "رئيس" كثيرا ما تفرغ لمهاجمة مصر والنظام المصري وصفا إياه بـ"الدكتاتوري" في حين أنه منح لنفسه في التعديلات الأخيرة، ما لا يجروء رئيس في العالم على مجرد التلميح به، وليس ترسيخه كأمر واقع في دستور بلاده.
 
فتخيل أن التعديلات الدستورية التركية التي وضعها أردغان أجازت له بدء دورته الرئاسية من تاريخ الموافقة على التعديلات الدستورية، وكأنه تم انتخابه رئيسا للبلاد منذ أيام، وأن كل الفترة التي انقضت من حكمه للبلاد لا تحتسب، في تقليد لم يسبقه إليه رئيس من قبل، ومنحته إلى جانب ذلك الحق في الترشح لدورة رئاسية جديد فور إنهاء الدورة الحالية، تبدأ من عام 2022 وتنتهي في عام 2027.
 
كما أجازت التعديلات الدستورية التركية للرئيس التركي، حكم البلاد منفردا دون أن ينازعه أو يشاركه أحد في سلطاته، حيث ألغت منصب "رئيس الوزراء" ومنحت له الحق في تعين مساعدا أو أكثر، طبقا لهواه، لإدارة شؤون البلاد، أي أنه أصبح الأمر النهاهي والمتحكم في كل أمور البلاد سياسيا اقتصاديا وعسكريا، في ترسيخ صريح لحكم ديكتاتوري، وتنصيب لدكتاتور جديد.
 
كما وضع أردغان في التعديلات الدستورية كلمات "فضفاضة" سيستطيع من خلالها فرض حالة الطوارئ في البلاد لأتفه الأسباب، حيث منح لنفسه الحق في فرض حالة الطوارئ في البلاد في حالات حدوث "انتفاضة" أو"ما يمس أمن الوطن" أي أنه يستطيع حكم البلاد بموجب قانون الطوارئ في أي وقت، لمجرد قيام مظاهرة اعتراضا على أمر سياسي، أو دخول من العمال في إضراب للمطالبة بحقوقهم، واعتبار ذلك انتفاضة أو مساسا بأمن الوطن.
 
في الوقت الذي مكنت فيه التعديلات أردغان من الاحتفاظ بسلطات رئيس "كل المجالس العليا في البلاد" من جيش وشرطة وقضاء وغيرها من المجالس، أي أنه يحق له عزل وتعين أي من قيادات الأجهزة في الدولة دون استشارة أو الرجوع إلى سلطة.
 
ولعل أبرز ما منحته التعديلات من مزايا لـ "أردغان"، أنها منحته "الحق في الانضمام لحزب سياسي" وهو على رأس السلطة، أي أنه بمقدور الرئيس التركي أن يمنح حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي ينتمي إليه، سلطات مطلقة، قد تجعله يسير على ذات نهج "الحزب الوطني" المنحل في مصر، أو حزب "البعث" الذي سقط في العراق، ويصبح لا صوت يعلو فوق صوت الحزب وقياداته، ويحكم البلاد لعقود قادمة.
 
أؤكد أن التعديلات الدستورية الأخيرة قد أبعدت تركيا عن الأمل الذي كثيرا ما سعى إليه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لأنها رسخت وبشكل صريح لصناعة "ديكتاتور" لا أعتقد أنه من الممكن أن يجرأ حاكم على الإقدام على وضعها ضمن دستور بلاده، بعد التغيرات والثورات الرهيبة التي اجتاحت العالم، أي كانت الإنجازات أو القفزات التي حققها لبلاده، وهو ما لا يقبله الاتحاد الأوروبي، أو عاقل في العالم.
 
أؤكد أن تركيا التي صوتت بهامش بسيط بـ "نعم" على التعديلات الدستورية التي جعلت من أردوغان "ديكتاتورا" ستستشعر خطورة ما وافقت عليه خلال فترة قريبة،  ولاسيما وأن الرئيس التركي عزم الأمر بالفعل على الانفراد وحزبه بصناعة القرار في البلاد، واستبعاد كل من ينتمي لفكرة الدينى والسياسي، وهو ما سيولد صراعات قد تفجر اللهب الكامن تحت التراب داخل القوات المسلحة والشرطة والقضاء، وغيرها من القوى التي عصف بها أردغان عقب الانقلاب الذي نجح في إخماده منذ شهور.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق