المصالح المصرية في الانتخابات الفرنسية

الأحد، 23 أبريل 2017 11:55 ص
المصالح المصرية في الانتخابات الفرنسية

عواصم العالم تتابع بشغف تفاصيل العملية الانتخابية، إلا أن القاهرة أقلهم شغفا، ليس من باب الترفع، أو الاستكبار، بل من باب الطمأنينة التى نتجت عن سياسة خارجية متوازنة بشكل عام، وإدارة جيدة لملف العلاقات المصرية الفرنسية طيلة السنوات الثلاث الماضية على وجه الخصوص.
 
المسافة الواحدة، التى وضعت بين المرشحين الثلاثة، تجعل المراقبين يرفعون القبعة، تقديرا للاحترافية التى أديرت بها هذا الملف، سواء من على كورنيش ماسبيرو، حيث مقر الخارجية، أو من 56 طريق «إين»، حيث مقر السفارة المصرية فى باريس.. ومن دون شك، لعبت البعثة الفرنسية فى القاهرة دورا فى عرض المواقف المصرية فى كل ما يخص المصالح الفرنسية فى المنطقة، حتى تلك المواقف التى تبدو متباينة، تم حصرها فى إطار سياسة الخلاف الذى لا يفسد المصالح.
 
تمثل مارين لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية «اليمين المتطرف»، رعبا حقيقيا لأوروبا، فى حين أن موقفها من مصر، واضح ومعلن، ويمثل لنا استمرارية للمصالح المشتركة، ولعل الزيارة التى قامت بها للقاهرة العام قبل الماضى ولقاءاتها بالرموز السياسية والدينية، والذكاء فى استقبالها وترتيبات الزيارة جعل الانطباع الأول يدوم.
 
وعلى عكس مصر، كان موقفها من أغلب الدول العربية خاصة السعودية وقطر سلبيا ويحمل سمات عدم الارتياح، ولا ترى فى الدول النفطية ميزة، بل أسوء من ذلك، فهى تعتقد أن ارتماء ساركوزى فى أحضان الدوحة والرياض، قتل سمعته ومستقبله، فى حين أن اقتراب أولاند من القاهرة، عزز موقفه المغاير للاعتقاد الأوروبى والغربى، واتضح فى النهاية أنه كان محقا.
 
لكن تظل لوبان عدوا فى نظر الأغلبية الكاسحة من المسلمين، ولن ينسى لها مسلمو فرنسا عندما شبهتهم عندما كانوا يصلون فى شوارع فرنسا بالاحتلال الألمانى للبلاد فى الأربعينيات، رغم مرور سبعة أعوام على الواقعة.
 
ذكاء لوبان جعلها تتجاوز العقبات التى كانت تعترض طريق والدها مؤسس الجبهة، وحصلت على المركز الثالث فى الانتخابات الفرنسية الأخيرة، وقادت حزبها إلى المركز الأول فى الانتخابات المحلية التى أجريت فى أواخر عام 5102.
السيدة البالغة من العمر 48 عاما والمطلقة مرتين، والأم لثلاثة أطفال، تطالب بالخروج من اتفاقية شنجن «التأشيرة الأوروبية الموحدة»، وتصر على تغيير صيغة الاتحاد الأوروبى بما يسمح لفرنسا باستقلالية أكبر، وتنوى إذا فازت طرد اللاجئين وإغلاق مساجد المتطرفين.
 
ورغم أن إيمانويل ماكرون مرشح حركة «أن مارش»، يمثل تيار الوسط، ويختلف جذريا مع لوبان فى قضايا عديدة، فإنه يتفق معها على أمرين، الأول رأيه فى النظام المصرى كرأس حربة فى مكافحة الإرهاب، والثانى فى أن الرياض والدوحة، سببان مباشران فى تغلغل الإرهاب فى العالم، وأن إجبار العاصمتين على تغيير سياستهما والمشاركة فى تجفيف منابع تمويل التطرف، سيجعل الحياة على كوكب الأرض أكثر أمانا.
 
المفاجأة، أن ماكرون لم يترشح فى أى انتخابات سابقة، سواء رئاسية أو برلمانية أو حتى محلية، لكنه تمكن من أن يكون فى طليعة استطلاعات الرأى، واستطاع أن يقنع جمهورا عريضا من الفرنسيين بأنه مرشح جدير بثقتهم.
 
الشاب صغير العمر مقارنة بالمرشحين الـ 11، يبدو أنه سيكون أقرب الثلاثة للإقامة فى قصر الإليزيه، بفعل إصلاحاته وقت أن كان وزيرا للاقتصاد عام 4102، وجعل جماعات الأعمال الفرنسية تشعر بأنه الأفضل لمصالحهم، هذا فضلا عن قطاعات واسعة من الشباب الذين يرون فيه نموذجا منفتحا على أفكارهم.
 
الغريب أن ماكرون صغير السن، متزوج من سيدة تكبره بعشرين عاما، وسبق لها الزواج والإنجاب، فلديها 7 أبناء من زيجات سابقة، لكنه لم يخجل من ذلك، وهو أمر جعل فئة كبار السن، وهم شريحة كبيرة فى المجتمع الفرنسى، يرونه جديرا بأصواتهم.
 
فرنسوا فيون، مرشح الجمهوريين «اليمين»، يتفق مع ماكرون ولوبان فى موقفهما من مصر، لكنه يزيد عنهما فىما يتعلق بالإخوان المسلمين.
 
فيون البالغ من العمر 62 عاما، يرى أن الإخوان جماعة محظورة فى البلد الذى أنشئت به، فكيف لباريس أن تحتضنهم وهم إرهابيون، مصنفون، وتمنحهم حق اللجوء، والأمان للتخطيط لعمليات إرهابية تقتل الأبرياء، وتنشر التطرف، وتساعد على كراهية الفرنسيين، وتهدد المصالح الفرنسية فى الشرق الأوسط.
 
فيون المتزوج من بريطانية ولهما 5 أبناء، انهالت عليه الفضائح من كل اتجاه، لدرجة دفعت البعض للتعاطف معه، وهو يقول «أنا لست المرشح الوحيد فى هذه الانتخابات، حتى يحدث كل هذا الهجوم واصطياد الأخطاء وتضخيم السلبيات بمثل هذه الصورة».. تمكن فيون من إزاحة رجل قطر الأخطر والأهم فى فرنسا، والذى وضع باريس على طبق من فضة على مائدة أمير الدوحة، نيكولا ساركوزى، واستطاع أيضا الإطاحة بالرجل القوى، الذى كانت تعقد عليه الآمال ليكون الرئيس المقبل آلان جوبيه، لكنه ما أن تغلب على الأقوياء، حتى تغلبت عليه نقاط ضعفه، فتراجع بخطوات بسيطة خلف مارين لوبان، وإيمانويل ماكرون.
 
وأغلب الظن أن الجولة الثانية ستجرى بين لوبان وماكرون، وسيكتسح ماكرون، بنسبة كبيرة، ما لم تتدخل الأصابع التى جعلت من ترامب رئيسا، لأقوى دولة فى العالم، وتصبح لوبان رئيسا لأقوى دولة فى أوروبا.
 
نقلا عن النسخة الورقية 22 أبريل 2017

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق