فارس الديمقراطية.. الرئيس الشاب ومتلازمة النجاح

الإثنين، 01 مايو 2017 06:26 م
 فارس الديمقراطية.. الرئيس الشاب ومتلازمة النجاح

يبدو واضحًا أن الشعب الفرنسي مُصِّر على إتحافنا بالمزيد والمزيد من الدروس والتجارب الحياتية، وفنون الديمقراطية، كان فوز المارد المتمرد إيمانويل ماكرون  في الجولة الأولى متوقعًا بنسبة كبيرة، وأضحى من اليقين وبات من المسلمات تربعه على العرش النابليوني وسكنه قصر الإيليزيه. 
 
لم أعد مكترسثا بالنسبة التي سيفوز بها ماكرون، إذ إن رهاني الأول والأخير على الشعب الفرنسي وكمال وعيه ونضج ديمقراطيته، لكن دعونا نحلل الأسباب التي أوصلت ماكرون كأصغر رئيس لفرنسا في العصر الحديث. إنها وبكل بساطة تمسكه بمتلازمة النجاح!
 
متلازمة النجاح: هدف وعمل وإرادة، فليعلم الإنسان أنّه لا شيء مستحيل، غاية ما في الأمر أنّ الانسان يلزمه تحديد هدف لا يحيد عنه، يؤمن به، ويؤمن بنفسه وقدراته، هدف عصيّ على أن يُغيّر أو يتغيّر، راسخ رسوخ الجبال في الأرض، مُترسّخ في الوجدان، مُندمج في الفكر، مُتَتَوأمّ مع الروح.
 
يستكمل مثلث النجاح أضلاعه بالعمل، فالهدف بلا عمل كحبر على ورق، لا بد من تجسيد الهدف بالعمل، عمل دؤوب مُتقن، لا يعرف ليل أو نهار، والعمل بلا هدف كالأعمى يتحسس خطاه في حجرة كاحلة السواد في ليلة ظلماء، ثم يُختتم مثلث النجاح بضلع الإرادة، إرادة لا تلين، إرادة لها من الصخور صلابتها، إرادة تتسيّد النفس، وتتسنم الفكر، تتملك الوجدان، لا ينال منها وهن ولا تحطمها عتيّة الصخور.
 
فالنجاح كائن حيّ، يحيا على هدفه، يُطعم عملًا، ويَكتسي إرادة.
 
منطق التحليل يقودنا إلى أن الرئيس الشاب سيُحدث طفرة نوعية في الحياة الديمقراطية في فرنسا، ولعلّي أزعم بأنه سوف يؤسس للجمهورية السادسة، وسيكون فوز ماكرون برئاسة فرنسا دافعًا لانخراط الشباب في الحياة السياسية بصورة أكثر فاعلية. وبما أن طموحه غير مسقوف، ويعي تمامًا مفردات متلازمة النجاح، ويملك أدواتها، فإنه وبلا أدنى شك سيكون رئيس فرنسا لدورتين متتالتين، أي أنه سيمكث ساكنًا قاطنًا قصر الإيليزيه لمدة عشرة أعوام تنتهي في العام ٢٠٢٧، خلال تلك الفترة سيكون من حظّ الفرنسيين أنّ لهم رئيس شاب، أخلص إلى الديمقراطية وانتمى لها، كما أخلص من قبل لفرنسيّته ولأوربيّته. 
 
متلازمة النجاح تلك، مكّنت ماكرون من السباحة ضد التيار، ومن ليس فقط قلب قواعد اللعبة وطيّ الصفحة، ولكن إلى تغيير قواعد اللعبة وتغيير الكتاب، فلأول مرة في التاريخ الحديث، يحدث ألّا يصعد أكبر حزبان فرنسيان (اليمين واليسار) أو أحدهما للدور النهائي، ولعلّ سوء إدارة الحزبين، والتشبّث بالمصلحة الشخصية على حساب مصلحة الحزب، كان لهما عظيم الأثر في خروجهما ليس فقط من الدور الأول للانتخابات الرئاسية، ولكن ولا أكون مبالغًا إذا ما قلت بل خروجهم من الحياة السياسية إلى سنوات وسنوات، اللَّهُمَّ إِلَّا إذا وعوا الدرس جيدًا!
 
كان من الممكن أن يتحد اليسار ويتفق على مرشح واحد تكون له حظوظ وافرة وهو ميلنشون، أو الدفع بشخصية كاريزمية مثل رئيس الوزراء الحالي كازنيڤ، ودعمه والاصطفاف خلفه، وكان لليمين أن يصعد لو انسحب فيّون عقب فضائحه المالية واستبداله بشخصية لها قبول وكاريزما وليكن جوپيه، لكنه الدرس الذي سيقفون عنده بالتمعّن والتحليل سنوات وسنوات!
 
النتيجة الحالّة والمؤكدة أنّ فحول وشيوخ اللعبة السياسية الفرنسية قد تواروا وإلى الأبد، ولن يقبع على قمة برج إيفل ولن يمتطي الجواد النابليوني بعد اليوم سوى شاب ثلاثيني أو أربعيني على أقل تقدير. ليس هذا فحسب، بل إن رياح التغيير الماكرونية سوف تهب على كافة المستويات والأقاليم والمدن، وسيعتلي الشباب في كل ذلك القائمة، وسوف يحتلُّوا الصدارة، سيّما وأن الانتخابات التشريعية بعيد الرئاسية. 
 
سوف نجد مزيدًا من الشباب في البرلمان، عمداء مدن، رؤساء أقاليم، وزراء، ولما لا، فإذا كان رب البيت ثلاثيني، فأعمار أهل البيت عشرينيات! 

ماكرون: هدف وعمل وإرادة. 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة