أكل الغلابة يا بلد

الأربعاء، 03 مايو 2017 04:03 م
أكل الغلابة يا بلد
صبرى الديب يكتب

لا أعتقد أن هناك دولة محترمة في العالم من الممكن أن يمر فيها ما يحدث من فوضى الطعام في مصر دون وجود «تشريع» يردع كل من تسول له نفسه العبث بصحة المواطنين.
 
فقد أصدرت نقابة الأطباء البيطريين منذ أيام تقريرا تحت عنوان «ثروتنا الحيوانية» يحوى معلومات لا يمكن وصفها سوى بـ «جريمة» تستوجب إعدام المئات من معدومي الضمير، الذين لا هم لهم سوى جمع الثروات والتكويش على حساب صحة الشعب المسكين، حتى وإن كانت النتيجة هي إصابة الآلاف بالأمراض الخطيرة التي لا شفاء منها سوى بالموت.
 
 فقد رصد التقرير، الذي تم إرساله إلى العديد من الجهات في مصر من بينها رئاسة الجهورية، ومجلس الوزراء، ومجلس النواب، استخدام لحوم الكلاب والحمير والفئران في صناعة اللحوم المصنعة التي تباع للمواطنين بأسعار رخيصة وزهيدة بعيدًا عن أي إشراف بيطري، فضلًا عن أن استخدام جلد الحمير في صناعة الحواوشي، واحتواء اللانشون المصنع في كبرى المصانع على لحوم الفئران، التي تدخل إليه عن طريق أجولة فول الصويا دون أدنى رقابة. 
 
وقال التقرير صراحة، إن أغلب المطاعم والفنادق والأندية في مصر لا تخضع لرقابة الطب البيطري، ما أفسح الطريق لانتشار العديد من الأمراض إلى المصريين، وأن كبرى المطاعم في مصر تستخدم لحوم غير صالحة للاستخدام، وتحتوى على أوبئة ومذبوحة خارج السلخانات، نتيجة لاستمرار العمل بقانون صدر عام 1966 أقر عقوبة الذبح خارج السلخانة بغرامة 10 جنيهات، وما زال معمولا به حتى اليوم.
 
ورصد التقرير، تقديم مطاعم كبرى «وجبات دواجن ميتة» للمواطنين، إلى جانب حفظ اللحوم في براميل مخصصة لحفظ المواد الكيماوية، تتفاعل مع الدهون وتؤدى إلى تكون مواد مسببة للسرطان.
 
الغريب أن الحديث عن كوارث الغذاء في مصر، أصبح شبه متواصل ولا ينتهي، في غيبة الرقابة والقوانين الرادعة، التي من الممكن تطبيقها في مثل هذه الحالات، حيث ما زالت أجهزة الضبط  ـ الغائبةـ تعمل دون سلطات، وما زالت القوانين التي تم تشريعها منذ الستينات من القرن الماضي تفرض غرامات هزيلة على جرائم تستحق الإعدام.
 
فمنذ أيام، تم ضبط مطعم شهير بمنطقة حدائق الأهرام يقدم لزبائنه «لحم حمير»، وقبلها تم ضبط نصف طن كامل من اللحوم الفاسدة في مخازن سلسلة من أشهر المطاعم في مصر، وقبلها بأيام تم ضبط طن وربع من اللحوم الفاسدة في مسمط شهير بالقاهرة، إلى جانب عشرات مصانع اللانشون والبسطرمة والسجق والشاورمة والجبن، التي تعمل تحت «بير السلم»، وتخرج يوميا آلاف الأطنان من الأغذية غير الصالحة للاستخدام الآدمي، وتتسبب في كوارث صحية للمواطنين، وما زالت تعمل دون ضابط أو رابط.
 
ولعل المذهل في الأمر، أن كل المطاعم والمصانع التي ارتكبت كل هذه المخالفات البشعة جميعها ما زالت تعمل، ولم يتم إغلاق أي منها، وهو ما يطرح المئات من الأسئلة حول فوضى الغذاء في مصر التي أدت إلى كوارث صحية، وتنذر بكوارث أكثر فداحة في حالة استمرارها.
 
الغريب أن هذا يحدث في مصر، في الوقت الذي استطاعت فيه كل الدول المحيطة فرض سياسات صارمة على الغذاء بداخلها، لدرجة أنه أصبح من المستحيل أن تجد بالأسواق سلعة محلية أو مستوردة تقل مواصفاتها عما حددته الدولة ولو بنسبة قليلة.
 
أتمنى ألا يمر تقرير نقابة الأطباء البيطريين، مرور الكرام، وأن ينتبه مجلس النواب إلى تعديل التشريعات التي تفرض عقوبات تافهة تمكن معدومي الضمير من التلاعب بصحة المواطنين، على أن يكون من بينها «الغلق النهائي» للمنشآت المخالفة، مع الحبس والغرامة، ومنح المفتشين المعنيين سلطات تمكنهم من اتخاذ قرارات فورية للحد من تلك الكوارث.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق