سيدة فرنسا الأولى ونموذجيّة التجربة

الإثنين، 08 مايو 2017 05:11 م
سيدة فرنسا الأولى ونموذجيّة التجربة
حاتم العبد يكتب:

تأبى قواعد الإنصاف وأحكام الموضوعية ومقتضيات التجرّد وأمانة العرض وصدق التحليل إِلَّا أن نعطي كل ذي حقٍ حقه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. أمس وتمام الثامنة مساءًا سوف توّجت زوجة إيمانويل ماكرون، السيدة بريچيت ماكرون، رسميًّا كسيدة فرنسا الأولى، إلى هذا الحد، لا توجد ثمّة غرابة، فهي زوجة الرئيس الفرنسي، أمّا أن نعلم أن تلك السيدة تبلغ من العمر ٦٤ عامًا، أي أنها تكبر زوجها ب ٢٥ عامًا، وأنّ أحد أبنائها يكْبر ماكرون بعامين، هنا وجب التوقف، والتأمّل، ورفع القبعة ليس فحسب للرئيس ماكرون ولكن من قبله لزوجته سيدة فرنسا الأولى.
 
يُعزى فوز ماكرون برئاسة فرنسا، ومن قبل ذلك سطوع نجمه، ولمعان اسمه، ونجاحه السياسي، إلى تمسكه بمتلازمة النجاح، وخصائص شخصيّته وإيمانه بنفسه وبقدراته، لكن ذلك لم يكن كافيًا ليرتقي ماكرون ويتقلّد أسمى وأرفع المناصب في فرنسا، إنما يُعزى الفضل بالإضافة إلى ما سبق إلى زوجته السيدة بريچيت ماكرون، تلك السيدة التي وقفت خلف زوجها، مؤازرة له، مؤمنة به وبقدراته، بل وساهرة على تنمية تلك القدرات وثقلها، فكان النجاح حليفهما.
 
نجاح ماكرون ليس نجاحًا له فحسب، بل نجاحًا وبنفس القدر لزوجته، ولتفاهمهما، لم يقف فارق السن حائلًا أمام علاقة إنسانية راقية تُوجتّ بالنجاح، لم تأبه زوجته بما قد يقال عنها من زواجها برجل يصْغر أكبر أبنائها، وهو كذلك، لم يُقم وزنًا لما قد يقال عنه من زواجه بامرأة في سن والدته، ولكن إيمان كل منهما بالآخر، حدا بهما صوب النجاح، وأوصلهما إلى ما هما فيه الآن!
 
أمّا في مجتمعاتنا الشرقية، فإذا ما فكّر رجل بالارتباط بامرأة تكبره بعام، لسُلّت عليه السيوف، ولأضحى في مرمى الجنون، والشطط، ولأصبح يعاير بفعلته تلك، فما بالنا لو كانت تكبره بأعوام، وما بالنا إذا ما كبرته ب ٢٥ عامًا!
 
كذلك الحال فيما يتعلق بالزواج من المطلّقة والأرملة، تقوم الدنيا ولا تقعد إذا ما فكّر شاب في ذلك، أما إذا كان الشاب هو المطلّق أو الأرملّ، لسعى جاهدًا هو وأهله للزواج من شابة لم يسبق لها الزواج! عجيب هو أمرنا نحن المصريين، نعيش حياة مزدوجة المعايير، الشيء ونقيضه، نرى رجلًا يتزوج من شابة في دور ابنته ولربما في دور أحفاده، وننكر على المرأة أن تتزوج ممن يصغرها بسنوات ولربما بشهور!
 
كنت محظوظًا بأن أكون متواجدًا بفرنسا الثلاثة استحقاقات الرئاسية الأخيرة، وكانت الأولى عام ٢٠٠٧ بين ساركوزي وسيجولن رويال، والتي غاب عنها دعم شريك الحياة في الطرفين، والثانية عام ٢٠١٢ بين ساركوزي وهولاند، والتي غاب عنها الدفء الأُسَري، والأخيرة ٢٠١٧ والتي أظهرت للعيان معنى وقوف الزوجة إلى جوار زوجها، وكيف تؤمن به وتدفعه للأمام دومًا، وجسّدت انعكاسًا حقيقيًا لمعنى التوافق الكيميائي بين الزوج وزوجته. 
 
أُقيمت مساء الأربعاء الماضي آخر مناظرة بين المتنافسين على قصر الإليزيه، ماكرون ولوپن، بالإضافة إلى ما أظهره ماكرون من حضور طاغٍ، وجواب متزن، وخصائص لا تخطئها عين متابع، كان هناك من وجهة نظري المتواضعة، من هو أهم من ذلك، كانت هناك زوجته، وكعادتها فهي كظله، أينما حلّ وحيثما رحل، كوني وصَفت حضورها بأنه أهم من خصائص ماكرون، مبررّ وله ما يسوّغه، كونها صانعة لتلك الصفات، والصناعة هنا لا تعني الإنشاء من العدم، لكون الخصائص موجودة بالفعل، لكنها تنمية المهارات، وتجويد الخصال، واحتضان الموهبة، وَمِمَّا لا شكّ فيه، أن ماكرون هو الآخر قد أعطى زوجته ما عجز عنه أزواجها السابقين، هو الآخر بانٍ وصانع للبيئة المُهيّئة لصناعة رجل سياسي من الطراز الأول، 
هنيئًا للزوجين ماكرون ثمرة إيمانهما ببعضهما البعض، وثمرة تعبهما وإرادتهما. 
 
ليست دعوة مني لأن يتزوّج الشباب ممن يكبروهم بسنوات، وليست دعوة لأن تتزوج السيدات ممن يصغرهن بسنوات، لكنّ دعوتي تكمن في البحث عن شريك الحياة الحقيقي، وترتكز على التجرد من ثمّة عوامل واهية من فارق سن ومال وحسب ونسب، والتخلص من قيود عفا عنها الزمن، أسرت مجتمعنا في سجن المتناقضات، وأودعته مُعتقل الرجعيات، ونصّبت من نفسها وصيّا عليه.
 
دعوتي في أن يُؤْمِن كل رجل بشريكة حياته، وأن تؤمن كل امرأة بشريك حياتها، بأنّ يتحديا العالم كله، بأنّ يعبرا معًا بحر الشكليات، وبأنّ يتجنبا رياح الرجعيّة، وبأنّ يسموا بأنفسهما على القيل والقال، وبألّا يلتفتا للوراء قط. 
 
سلامًا على كل امرأة آمنت بزوجها، ودفعته للأمام؛
سلامًا على كل رجل تحدّى رجعيّة مجتمع وتحجّر فكر، إِيمَانًا منه بزوجته؛
سلامًا على مجتمعٍ واعٍ متحضر يحترم خيارات أفراده؛
سلامًا على ديمقراطية حقيقية أمتعتنا أيّما مُتعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق