تجربة صناديق الاستثمار في مصر (الواقع والمأمول) (2)

السبت، 20 مايو 2017 10:58 م
تجربة صناديق الاستثمار في مصر (الواقع والمأمول) (2)
أحمد عبد الصبور الدلجاوي يكتب:

في إطار سلسلة المقالات التي بدأناها بالمقال السابق، والتي تتعلق بتجربة صناديق الاستثمار في مصر بين الواقع والمأمول، نتابع اليوم حديثنا في هذا الموضوع، ونحاول هذه المرة أن نجيب على عدد من الأسئلة التي كنا قد طرحناها في نهاية مقالنا السابق، وهذه الأسئلة تتعلق بماهية صناديق الاستثمار، من حيث التعريف بها، وبأهدافها، ونشأتها، وتطورها التاريخي.

 

·        المقصود بصندوق الاستثمار:

 

يمكننا تعريف صندوق الاستثمار بأنه عبارة عن مؤسسة للاستثمار الجماعي ذات طبيعة وأغراض خاصة، يقوم بدور الوسيط المالي بين المدخر الفرد ومجالات الاستثمار المختلفة، حيث يتم عن طريقه تجميع مدخرات الأفراد في صندوق تديره شركة ذات خبرة في إدارة وتنظيم محافظ الاستثمار لقاء عمولة معينة، وهو يحقق للمدخر أعلى عائد ممكن بأقل درجة مخاطرة ممكنة، كما أنه يساهم في تمويل مشروعات الاقتصاد الوطني.

ولما كان الاستثمار في بورصة الأوراق المالية يحتاج إلى الوقت، والخبرة، وحجم كبير من المدخرات، وهذه المتطلبات لا تتوافر- في الغالب- عند كثير من المدخرين، فإن هذه الصناديق تتيح لمن لا تتوافر لديه هذه الإمكانيات الفرصة للاستفادة من الاستثمار في الأوراق المالية، وتحقيق المزيد من الأرباح والتكوين الرأسمالي، لذلك فإن المستثمر في صناديق الاستثمار قد يقع في إحدى الفئات التالية:

-         المستثمر الذي ليس لديه الوقت لمتابعة سوق الأوراق المالية، ويبحث عن جهة تنوب عن في إدارة استثماراته.

-         المستثمر الذي ليس لديه الخبرة والمعرفة بأساليب التعامل في سوق الأوراق المالية، وتقييم الفرص الاستثمارية.

-         المدخر الذي لديه مبالغ صغيرة من المال لا تكفي للاستثمار في الأوراق المالية، ويرغب في الاستفادة من مزايا الاستثمار في الأوراق المالية.

-         المستثمر الذي يرغب في تنويع استثماراته، ولكنه لا يستطيع تحقيق ذلك بسبب صغر حجم مدخراته.

·        أهداف صناديق الاستثمار:

يتمثل الهدف العام لصناديق الاستثمار- في أغلب الدول التي تأخذ بها- في تجميع المدخرات من صغار المدخرين، واستثمار هذه المدخرات المجمعة في مجال الأوراق المالية، وبالإضافة إلى هذا الهدف العام لصناديق الاستثمار، فإن هناك أهدافا خاصة لصناديق الاستثمار، وهذه الأهداف الخاصة تتحدد تبعا للظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية السائدة في كل دولة، وفي مصر جاء استحداث صناديق الاستثمار في مصر من خلال القانون رقم  95 لسنة 1992، خلال مناخ إصلاحي شامل للاقتصاد المصري، حيث تحرير السياسة النقدية والائتمانية التي كان تحرير أسعار الفائدة المصرفية إحدى سماتها الرئيسية، وتطبيق برنامج زمني لخصخصة شركات القطاع العام وطرح وحداته للبيع، وتوسيع قاعدة الملكية من خلال طرح جزء من أسهم الشركات والبنوك للجمهور، كما جاء استحداث هذه الصناديق كبديل عملي آمن وفاعل لشركات توظيف الأموال وما ترتب عليها من ضياع أموال المدخرين بسبب غياب التنظيم القانوني لهذه الشركات وافتقارها للأسس الفنية في مجال استثمار وإدارة المدخرات، ومن هنا بدت الحاجة إلى استحداث أوعية ادخارية ذات تنظيم قانوني محكم تعمل على توطين المدخرات المصرية وتمنع تسربها إلى الاستثمار في الخارج، ويضاف إلى ذلك رغبة المشرع المصري في امتصاص فائض السيولة من المجتمع للحد من التضخم، ومن خلال تحقيق كل هذه الأهداف يمكن تحقيق الهدف الأساسي والأهم وهو تنشيط سوق الأوراق المالية المصرية، حيث تعتبر سوق الأوراق المالية بمثابة البوابة الرئيسية التي يمكن لأي دولة أن تصل من خلالها إلى ركاب
الدول المتقدمة.

 

·        نشأة صناديق الاستثمار وتطورها التاريخي:

 

حسب ما تراه الغالبية العظمى من الكتاب، فإن بريطانيا هي المعبر الرئيسي لظهور صناديق الاستثمار، حيث يرجع الفضل إلى الاسكتلنديين في ابتكار الصناديق المغلقة أو شركات الاستثمار ذات رأس المال الثابت في عام 1870، فإنجلترا هي أقدم دولة عرفت الإدارة الجماعية للمدخرات، وقد اعتمدت في هذا المجال على نظام الترست Trust، ويعني هذا النظام التزام شخص معين يسمى Trustee بتلقي بعض الأموال من الغير بغرض إدارتها لحسابهم، ويسمي هؤلاء بالمنتفعين Cestuique trust، ثم انتقلت صناديق الاستثمار إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأخذت سبيلها إلى التجديد والتطوير، حيث قام الأمريكيون بابتكار شكل جديد لصناديق الاستثمار وهو الهيكل المفتوح لرأس المال، والذي يعتمد على إصدار أسهم جديدة بطريقة متواصلة، وإعادة شراء الأسهم القديمة دون المرور ببورصة الأوراق المالية، مما يعد بداية حقيقية لصناديق الاستثمار بمفهومها الحالي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت صناديق الاستثمار الانتشار على المستوى الدولي، حيث سارعت دول كثيرة بإدخال صناديق الاستثمار في أنظمتها التشريعية لما لها من أثر واضح في تمويل الاقتصاديات الوطنية من خلال ربط المدخرات بمجالات الاستثمار المختلفة.

أما الدول اللاتينية فلم تقبل بسهولة فلسفة الترست trust المفتوح القائمة في الدول الأنجلوسكسونية والتي كانت دخيلة على مفهوم الملكية في دول القانون المدني مثل فرنسا، حيث إن فكرة الترستات المفتوحة تعتمد على حرية دخول وخروج الشركاء من الترست وبالتالي تعرض رأس مال الترست المفتوح للزيادة عند دخول شريك جديد، والنقصان عند خروج شريك قديم، وعلى الرغم من ظهور ترستات الاستثمار في بريطانيا في أواسط القرن التاسع عشر وفي أمريكا في أوائل القرن العشرين، إلا أنها لم تظهر في فرنسا إلا في أواسط القرن العشرين،  ومع ذلك- وخلال عقود مضت- فقد تطورت صناديق الاستثمار في فرنسا بشكل ملحوظ، وأصبحت فرنسا في الوقت الحالي تتبوأ مكانة متقدمة على مستوى العالم في مجال صناديق الاستثمار، سواء من حيث عدد الصناديق العاملة، أو رؤوس أموالها، او حجم الأرباح التي تحققها.

         وقد استفادت دول العالم الثالث من تجارب الدول المتقدمة في مجال صناديق الاستثمار، إذ اتجهت بعض الدول مثل الهند وتايلاند وماليزيا والفلبين وهونج كونج والبرازيل والأرجنتين وغيرها من دول النمور الأسيوية واللاتينية إلى تطوير أسواق الأوراق المالية بها عن طريق إنشاء صناديق الاستثمار مما أدى إلى تنشيط أسواق المال في هذه الدول.

أما فيما يتعلق بالدول العربية، فإنه وعلى الرغم من ذلك التاريخ الطويل لصناديق الاستثمار والمكاسب الهائلة التي جنتها الدول المتقدمة من ورائها، إلا أن ميلاد أول صندوق استثمار عربي قد تأخر كثيرا، حيث ظلت المنطقة العربية خالية تماما من مؤسسات الاستثمار الجماعي إلى أن أخذت المملكة العربية السعودية بزمام المبادرة وأنشأت أول صندوق استثمار في المنطقة العربية في عام 1979 والذي قام بإنشائه البنك الأهلي التجاري السعودي، وسمي بصندوق الدولار قصير الأجل، وفي عام 1985 أنشأ البنك المذكور صندوقا آخر للودائع والسندات الدولية، وفي عام 1986 أنشئت أربعة صناديق أخرى تنوعت بين المرابحة في الأسهم الدولية والودائع البنكية والسندات، وفي السنوات التالية دخلت بنوك سعودية أخرى هذا المجال، وعلى المستوى التنظيمي والإشرافي على نشاط صناديق الاستثمار في المملكة العربية السعودية صدرت قواعد تنظيم عمل صناديق الاستثمار السعودية بعد تاريخ تأسيس أول صندوق بنحو 14 عاما أي في بداية عام 1993.

         وأما باقي الدول العربية فقد تم خوض التجربة نفسها بنسب متفاوتة من الإقبال والنجاح، واتسمت معظم التجارب بإنشاء صناديق الاستثمار قبل صدور التشريعات المنظمة لها، وجاءت الكويت في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية في خوض تجربة الصناديق الاستثمارية، حيث بدأت تجربتها في عام 1985، ثم تبعتها بعض الدول العربية بعد نحو عقد من الزمن مثل البحرين وسلطنة عمان عام 1994، ثم المغرب في عام 1995، ثم لبنان في عام 1996، ثم الأردن في عام 1997، ثم ما لبثت أن انتشرت صناديق الاستثمار في كل الدول العربية تقريبا.

       أما في مصر فلم يكن لصناديق الاستثمار - حتى تاريخ صدور قانون سوق رأس المال رقم95 لسنة 1992 - وجود على خريطة الاستثمار أو الأوعية الادخارية في مصر، سواء من الناحية التشريعية أو من الناحية الفعلية، وحتى تاريخ 1 سبتمبر 1994، وهو تاريخ بدء نشاط أول صندوق استثمار في مصر (صندوق البنك الأهلي المصري الأول ذو العائد التراكمي)، لم يكن لصناديق الاستثمار أي تواجد فعلى في سوق الأوراق المالية في مصر، فعلى الرغم من أن مصر شهدت أقدم سوق للأوراق المالية في المنطقة العربية، بل وفي الشرق الأوسط أجمع، وذلك بقيام بورصة الإسكندرية عام 1883 ثم تلتها بورصة القاهرة عام 1909، إلا أن دخول صناديق الاستثمار إلى سوق الأوراق المالية المصرية قد تأخر كثيرا، ومنذ حصول صندوق استثمار البنك الأهلي المصري الأول على ترخيص الهيئة العامة لسوق المال في 26 أبريل 1994 صدرت التراخيص لصناديق الاستثمار تباعا.

ونظرا لتعدد الأهداف الاستثمارية للمدخرين فقد تعددت أنواع صناديق الاستثمار لتلبية الرغبات المتعددة لهؤلاء المدخرين، ويوجد أكثر من تقسيم لصناديق الاستثمار، وذلك تبعا لعدد من المعايير التي اتبعت عند تحديد أنواع هذه الصناديق وهذه المعايير، كما أن هناك مجموعة من الأخطاء الشائعة التي غالبا مع يقع فيها المستثمرون الذين يستثمرون أموالهم في صناديق الاستثمار، يضاف إلى ذلك أن هناك مجموعة من العوامل التي تحكم اختيار صندوق الاستثمار المناسب، والتي يجب على كل مدخر أن يلتزم بها عندما يقرر استثمار مدخراته في صندوق استثمار معين، وسوف نرجئ تفصيل كل هذه المسائل إلى المقال القادم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق