عن تلك الوردة اليابسة بين الصفحات

الأحد، 21 مايو 2017 03:09 م
عن تلك الوردة اليابسة بين الصفحات
القراءة
كتبت داليا عيسى

«الكتاب هو الذى إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، وفهم ألفاظك، وعمر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطيعك فى الليل طاعته بالنهار، وفى السفر طاعته فى الحضر، وهو العلم الذى إن افتقرت إليه لم يحقرك، وان قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك» أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، هل مات الجاحظ تحت أطنان من الكتب والأسفار سقطت عليه وأردته قتيلا كما يقولون؟ هل مات الجاحظ حقا شهيد القراءة؟ كان الجاحظ يكترى حوانيت الوراقين ويقضى الليل واصلا به النهار فى القراءة حتى ذبلت عيناه، هل كان يعلم أن قضاءه سوف يكون على يدى صديقه المخلص؟ ماذا لو بعث الجاحظ مرة أخرى وعرف حال صديقه وهو فى طريقة إلى الاندثار تحت وطأة القراءة خلف الشاشات الإلكترونية وعبر محركات البحث السريعة؟ أعلم أن التكنولوجيا مصير محتوم لست ضدها، بل إننى من مستخدميها بطبيعة الحال. ولكن كيف أخفى حنينى إلى رائحة الورق وملمسه الناعم، الوردة اليابسة الموضوعة بين الصفحات، الملاحظات والتعليقات على هوامش الصفحة، تدفق الذكريات والأحلام كلما فتحت هذا الكتاب أو ذاك.كيف كنا نتبادل الكتب، من من جيلى لم يشتر كتابا مستعملا أو استعار كتابا من مكتبة؟ من منا ليس له كتاب على الأقل لم يستعده من صديق أبدا؟ أعتقد أن جيل الثمانينيات هو آخر جيل ارتبط بالقراءة الورقية.القراءة الإلكترونية أمر غير مغر بالنسبة لى ولجيلى الذى تعود على مصادقة الكتاب، والواقع أن القراءة عامة تراجعت تراجعا مرعبا فى العالم العربى، حيث وصل معدل القراءة سواء إلكترونية أو ورقية إلى ربع صفحة للفرد سنويا، ورغم انتشار الأدباء والشعراء أو من يطلقون ذلك على أنفسهم فقد يكون ما وصلت إليه القراءة فى عصرنا الحالى بسبب انتشار الأمية حتى بين المتعلمين والتردى الاقتصادى يعززه ضياع الحلم وغياب المشروع ودخول المنطقة كلها فى ثقب أسود من الديكتاتورية والتطرف، أيا كانت الأسباب ففى الحقيقة أنه على مدى رحلة الكلمة منذ اكتشاف الأبجدية، مرورا بالنقش على الحجر والكتابة على الجلود والورق وصولا للكتابة الإلكترونية، على مدى هذه الرحلة الطويلة كانت هناك فترات من التردى والانحدار الثقافى أعتقد أننا فى إحداها، والتى أتمنى أن تزول سريعا وتعود القراءة للأجيال القادمة مثل الماء والهواء كما رآها طه حسين، ومثلما عشقها الجاحظ ومات شهيدها إن صحت الرواية، وأن تظل للقراءة الورقية مكانتها إلى جوار الإلكترونية حتى يظل لتلك الوردة اليابسة مكانا تسكن فيه.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق