حكاية كل يوم

الأحد، 28 مايو 2017 10:50 ص
حكاية كل يوم
عجلاتى
كتبت نجوي رسمي

كان الشارع الذى أسكنه أشبه بحارات السينما المصرية القديمة، الذى ما أن يهل منظره على الشاشة حتى تشعر بالدفء والحميمية.
 
على ناصية الشارع، يقع محل عم سعد العجلاتى، والذى كان يميزنا فى المعاملة ويكرمنا فى وقت تأجير الدراجات، وإلى جواره محل عم أنور المكوجى، هذا الرجل العجيب، الذى كان قادرا على كى أصعب أنواع الأقمشة لتخرج من تحت يده ملساء، كنت أذهب إليه فى الصباح الباكر لأسلمه ملابسنا التى لا تزال تحمل ندى الصباح، أجده جالسا فى هدوء يحتسى قهوته على مهل، ويبتسم وصوت الشيخ محمد رفعت يصدح من مذياع، تم ضبطه على إذاعة القرآن الكريم.
 
طوال عشرين عاما لم يتخل الرجل عن عاداته الصباحية، وكأنها قانون قد وطن نفسه على احترامه، لم يكن له صديقا فى الشارع غير الأسطى سعد العجلاتى، ربما كان هذا لتجاور المحلان أو لصداقة لا يعلم سكان الشارع أين بدأت وكيف؟
 
كان سكن عم سعد العجلاتى هو ذات المحل، فلم نعرف له أسرة أو أهل وعندما شببنا عن الطوق أخذنا نتساءل، كيف يعيش الرجل؟ ولم نجد جوابا أبدا. إلى أن جاء يوم استيقظ الشارع على صوت عربة إسعاف تحمل جثمان عم سعد بعد أن أصابته أزمة قلبية شديدة لم يستطع أثناءها أن ينادى على أحد فمات، وهو يجاهد لفتح باب دكانه.
 
لم يكتشف الوفاة غير الأسطى أنور، الذى جاء كعادته ليلقى تحية الصباح على صديق العمر، فلم يرد فاكتشف الواقعة، وفتح باب الدكان ليجد صديقه ممددا على الأرض، وصوت الشيخ محمد رفعت يأتى من خلفه وكأنه ينعيه.
 
لم أر الأسطى أنور طيلة حياتى حزينا كما رأيته يوم وفاة عم سعد، وذهبنا جميعا خلف نعش الرجل الذى عاش بيننا عمرا بالأمانة والصدق، وهناك حيث المقر الأبدى لجثمانه اكتشفنا ما كان خافيا علينا طوال حياته، عم سعد كان مسيحيا. 
 
تذكرت تلك الحكاية حينما ضجت وسائل التواصل الاجتماعى بتصريحات الشيخ سالم عبد الجليل بتكفير المسيحيين!
 
وابتسم بمرارة، وكما قال المتنبى: وكم بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء.
 
إخصائية كمبيوتر

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق