موسم اصطياد تميم

السبت، 03 يونيو 2017 12:49 ص
موسم اصطياد تميم
إيهاب عمر

 
لم يحظى الهلع الاخواني من دونالد ترامب بالتقييم الكافي في المحافل البحثية بالدول العربية، رغم اشتراك ابواق إعلامية رسمية تابعة لقطر وتركيا في التخوف من الرجل، قبل ان يسارع المحور القطري التركي بأعلامه في الحفاظ على ماء الوجه بالتماهي مع القول الجاهل بأن السياسة الامريكية واحدة بينما الرئيس مجرد منفذ، ما جعل القلة العاقلة تتساءل وإذا كان ترامب هو كلنتون فلما الفزعة الاخوانية من ترامب؟ 
 
ومع أداء ترامب اليمين الرئاسي في يناير 2017 كانت لعبة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق قد انتهت، داعش العراقية انتهي الغرض منها بعودة الاحتلال الأمريكي وحلفائه من جهة، وأصبح الوجود السياسي والعسكري الإيراني امر واقع، الى جانب شيطنة الثورة السنية حيال النفوذ الفارسي.
 
اما داعش السورية فقد انتهي الغرض منها ، وتسلم الكرد وحلفائهم بعضاً من ارضى داعش وتسلم الاحتلال الأمريكي وحلفائه شرق سوريا وشمالها، وبالتالي لم يعد هنالك داعش لوجود تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وهكذا اختفى التنظيم في بضعة ساعات بعد ان كانت اخباره اليومية تملأ الفضاء الإعلامي، وان كان متوقعاً ان يقوم فلول داعش بعمليات إرهابية في سوريا والعراق قد تستمر لفترة، ولكن زمن السيطرة على مساحات جغرافية شاسعة من كلا البلدين قد ولي، وأصبحت اليوم المواجهة على الأرض مباشرة بين من لعب في كلا الدولتين طيلة الربيع العربي بشكل غير مباشر.
 
كانت رؤية ترامب واضحة، ان اللعبة الإسلامية قد انتهت، وبالتالي على وكلائها الاقليمين مثل تركيا وقطر التخلي عن حلفائهم والتماهي مع الرؤى الامريكية الجديدة، ولكن الوكلاء ظنوا انهم أصبحوا من سادة العالم، خصوصاً انهم وجدوا بعضاً من التشجيع من قبل لندن وبرلين، فالغرب ليس فريقاً واحداً، ومن الهراء الظن ان بريطانيا وألمانيا وباقى دول الاتحاد الأوروبي راضية عن أمريكا ترامب.
 
كانت الضربة الاولي لتركيا، حينما حاول اردوجان ارسال الجيش التركي الى شرق سوريا، الا ان ترامب أرسل الجيش الأمريكي برياً وعلناً الى شرق سوريا، وقطع الطريق امام الاتراك، وكانت الرسالة واضحة لانقرة ان الحلم العثماني في ولاية سورية كبري قد انتهي، وان النفوذ التركي لن يتخطى حلب الوسطي والغربية وادلب فحسب، وحتى محافظة ادلب التي تعج بالاسلاميين الموالين لقطر وتركيا فأن دورها قادم في التطهير.
 
حاول اردوجان التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الا انه فوجئ بالقيصر راضياً عما جري، ولا عجب في ذلك فأن موسكو حينما تدخلت عسكرياً في سوريا كان النظام السوري لا يملك الا 10 % من مساحة سوريا، دمشق وطريق سريع الى محافظات الساحل السوري حيث معقل الطوائف العلوية، وكان البديل الذي يلوح في الأفق ان تتحول سوريا بالكامل الى جمهورية إسلامية اخوانية داعشية وهابية.
 
ولكن بوتين استطاع قلب الطاولة على الجميع، ضمن للنظام السوري البقاء على مائدة مفاوضات الحل النهائي السوري، وحتى لو تم التقسيم فأن مناطق النظام السوري أصبحت بالامر الواقع مناطق نفوذ روسية، لا يمكن لقطر ان تمد أنبوب الغاز الذي كانت تسعي عبره ان تضرب مخططات روسيا لغزو أوروبا بالغاز الطبيعي، ولا يمكن لأمريكا عبر عملائها ان يطالبوا بتفكيك القواعد الروسية في محافظات الساحل السوري، ولا يمكن ان تحدث اى تسوية في سوريا اليوم الا بالتوافق مع روسيا.
 
لم يكن كل هذا متاحاً حينما كان الأسد يقاتل فى دمشق بينما الدواعش يطرقون أبواب العاصمة.
 
ولكن ما أشعل غضب المحور التركي القطري لم يكن الرفض الأمريكي للحل الإسلامي سواء في نسخه الداعشية او الاخوانية او الجيوش التركية فحسب، ولكن ان ترامب يضع المحور التركي القطري في المرتبة الثانية امام علاقته القوية مع مصر والامارات، وهى العلاقات التي نسجت عام 2016 قبل توليه الرئاسة وكان للامارات دور رئيسى في نسجها على ضوء ان اكبر تجمع للاستثمارات ترامب كورب في الشرق الأوسط يقع في الامارات.
 
ان الصعود والحلم التركي في السيطرة على الشرق الأوسط يعني دائما ان تكون مصر ضعيفة والقوى الدولية منقلبة عليها، هذا هو الدرس العثماني الذى يعرفه اردوجان، فهرول الرجل الى واشنطن قبل القمة العربية الإسلامية الامريكية، و تباحث مع ترامب بورق مكشوف، ان تركيا مستعدة لملء الدور المصري ، بدون تحفظات، مقابل عدم دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى قمة الرياض، او ان يسجل حضوراً باهتاً روتينياً مقابل تقدم تركيا لصفوف القمة، ولكن ترامب رفض العرض التركي، ما جعل اردوجان لا يحضر قمة الرياض، في اول توتر في العلاقات بين الامريكان و اسلاميو تركيا منذ وصولهم للحكم عام 2002.
 
اما قطر فأن تميم وابوه حمد ظنوا ان الجمود السياسي في السعودية والكويت سوف يفسح المجال لتصبح قطر هي دوحة السياسة الخليجية، ولكن الصعود الاماراتي المتزن طيلة سنوات الربيع العربي وصولاً الى العلاقات الوثيقة اليوم بين الإدارة الامريكية من جهة ودبي وأبو ظبي من جهة اخري اشعلت نيران الحقد، بالإضافة الى تفضيل ترامب لمصر عن تركيا وقطر في اكثر من ملف كان إشارة سلبية لتميم، و مع ذلك كان الأمير الشاب بحكم السن ذو نفس أطول من اردوجان وقرر السفر الى الرياض ومعاينة المشهد السياسي الجديد من الواقع.
 
يمكن القول ان الجميع ذهب الى مهرجان الرياض الإسلامي لغرض بعيد كل البعد عن الهدف المعلن من المؤتمر، فالرئيس الأمريكي ترامب دشن أولى جولاته الخارجية للترميم خطابه السياسي والرد على المعارضة القوية من شبكات المصالح الغربية، بالانفتاح على العالم الإسلامي ثم زيارة تاريخية للحائط الغربي في فلسطين المحتلة (إسرائيل) ثم زيارة الفاتيكان ، وفى الرحلات الثلاث لم يكن ترامب يسوق نفسه و يرد على منتقديه فحسب، بل كان يسوق لابنته ايفانكا ترامب ايضاً، والتي يرى ترامب انها اكفأ فرد في اسرته للترشح للمنصب الرئاسي خلفه مباشرة.
 
اما الدول الخليجية فذهبت على امل ان يكمل ترامب مهمة بوش الابن في التصدي للمحور الفارسي عموماً وإيران خصوصاً، بينما كانت الحقيقة الوحيدة في مؤتمر الرياض هي الكلمة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسي والتي كانت اعلان صريح بعودة دور ومكانة مصر الإقليمية.
 
المشهد كان كافياً لتنفجر أعصاب تميم، مصر تعود للصدارة باعتراف امريكي، والحليف السعودي على ضوء الاعتراف الأمريكي القى بالخلافات المصرية السعودية خلف ظهره وأعاد بن سلمان النفط السعودي الى القاهرة بمكالمة هاتفية من قلب البيت الأبيض حينما قابل ترامب، والحليف التركي غاضب وغائب، اما الحليف الإيراني فأن المؤتمر نصبه العدو الأول للمنطقة علناً.
 
في هذه المرحلة جرت ثلاثة احداث، التاريخ وحده سوف يثبت مدي اتصالهم ببعضهم البعض، الحادث الأول تفجير مانشستر البريطاني، بكل ما فيه من رسالة واضحة صريحة ان الحليف الإسلامي للغرب قد خرج عن السيطرة، وان تقليم اظافر الحليف الإسلامي أصبحت واجبة، وان قطر وتركيا يجب ان يخضعا للرؤية الامريكية الجديدة بالكف عن رعاية الإرهاب.
 
الحادث الثاني كان الاعتداء الإرهابي على القافلة المسيحية في المنيا المصرية، والمفارقة لم تكن الاعتداء، ولكن الصمت الأمريكي الذي يحمل موافقة ضمنية من ترامب حيال التدخل العسكري المصري المطول في ليبيا، والذى وان حمل صبغة القصاص في ساعاته الأولى، الا انه تحول الى عملية عسكرية مبهرة مشطت شرق ووسط وجنوب ليبيا من معسكرات إرهابية وميلشيات كانت تقف عقبة امام الجيش الليبي الشرعي التابع لبرلمان ليبي منتخب ديموقراطياً.
 
وغيرت العملية العسكرية المصرية الخارطة السياسية في ليبيا وضربت النفوذ التركي – القطري في العمق الليبي حيث خسرت انقرة والدوحة مليارات الدولارات جراء تصفية معدات عسكرية ومعسكرات حربية وعناصر إرهابية مدربة، وفتحت الباب امام حلول سياسية جديدة بين الفرقاء الليبيين شريطة ان يحسن برلمان شرق ليبيا وجيشه استغلال العملية العسكرية المصرية المبهرة التي تدل على تفوق معلوماتي مصري مصدره الأول جهاز المخابرات العامة وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.
 
الحادث الثالث "غلطة الشاطر" التي كانت دول الخليج تنتظرها، صب تميم غضبه على الجميع في حوار صحفي، ليخرج عن الأعراف الخليجية السياسية، وبالتالي يخسر مظلة التوازنات الخليجية، فمن جهة الامارات تفهم انها اللحظة المناسبة لحسم صراع الزعامة الخليجية مع قطر، وانه بعد سنوات من العمل يجب ان تترجم الامارات هذا الصعود بإزاحة قطر، وفى نفس الوقت ترى السعودية انها اللحظة المناسبة لحسم صراع الزعامة الإسلامية والوهابية مع قطر.
شنت الصحافة والاعلام الخليجي حملة مهنية عرت قطر امام الرأي العربي وسط ذهول آل ثاني الذين امتلكوا ناصية الاعلام العربي طيلة عقدين من الزمن، وتم تصفية حسابات ربع قرن في بضعة أيام.
 
المظلة الامريكية على النظام القطري في زمن أوباما قد تلاشت في زمن ترامب، لذا يسارع دول المنطقة الى اللعب بهذا الكارت الجديد كلاً وفقاً لمصالحه الوطنية، فالقاهرة تتخلص من الاذرع القطرية – التركية في ليبيا، والامارات تتخلص من المنافس الخليجي، والسعودية تتخلص من المنافس الإسلامي الوهابي، وحالياً تدور مباحثات خلف الستار في اكثر من عاصمة عربية ودولية حول كيفية تقليم اظافر النظام القطري، اما أمريكا فأن كل ما يجرى يتوافق مع اجندة ترامب حول ضرورة التخلص من رعاة إرهاب الربيع العربي سواء بالخلع المباشر او تقليم الاظافر، كما ان عملية فصل قطر عن ايران مهمة في اطار سعي ترامب لضرب النفوذ الإيراني خصوصاً بعد المكاسب التي حققتها أمريكا في هذا المضمار بالملعب السوري، بينما بوتين في موسكو يتنفس الصعداء امام لعبة فرق تسد الجارية.
 
فالحديث يدور حول عدداً من التوصيات يقوم بها تميم مع البقاء في منصبه، بينما يرى فريق آخر انه يمكن سحب الشرعية من تميم وابيه بالعودة الى تفاصيل انقلاب الجد على الشيخ احمد بن على آل ثاني الحاكم السادس لقطر وصانع الاستقلال القطري عن بريطانيا، حيث يمكن ان يتم تنصيب اميراً لقطر من هذا الجناح او عبر إضفاء هذا الجناح شرعية على حاكم جديد.
 
أيا كان الأمر وأيا كانت النتيجة، فأن التفاصيل التي جرت تؤكد ان الخليج تفهم ان التلاعب مع مصر على نمط الربيع العربي سوف يجلب لهم الغضب الأمريكي طالما ترامب في سدة الحكم، وان التحالف مع قطر ضد مصر او غيرها سوق يجلب لهم الغضب الأمريكي طالما ترامب في سدة الحكم، ما ينبئ بتخلص مصر مؤقتاً من محاولات التأثير الخارجي على الحقل السياسي، ويؤهل القاهرة لخوض انتخابات رئاسية هادئة في صيف 2018.
 
اما ترامب، فقد غادر مهرجان الرياض الإسلامي الى أوروبا، وفي قمة السبع الكبار وضع اجندته امام أوروبا، لذا خرجت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عقب القمة تعلن صراحة انه على أوروبا ان تعتمد على نفسها بدلا ً من أمريكا من الان فصاعداً، وكان لافتا الاستطراد في القول بأن أوروبا سوف تظل على علاقة حسنة مع أمريكا وبريطانيا، في إشارة واضحة الى اننا امام حرب باردة بين اطراف الكتلة الغربية، الاتحاد الأوروبي بقيادة المانية – فرنسية ، و بريطانيا ما بعد الانفصال الأوروبي، و أمريكا ترامب، ليدخل العالم فصل جديد من اللعبة السياسة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق