زمن فتحية نكروما.. سيدة غانا الأولى

السبت، 03 يونيو 2017 01:16 م
زمن فتحية نكروما.. سيدة غانا الأولى
عادل السنهوري يكتب:

فى الأسبوع الماضى استضافت القاهرة الاحتفال الكبير ليوم أفريقيا بمناسبة مرور 54 عامًا على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية فى 25 مايو 1963 فى أديس أبابا فى أثيوبيا بحضور قادة زعماء ورؤساء 30 دولة أفريقية كانت قد حصلت على استقلالها من الاستعمار الغربى بكافة أشكاله وأنواعه.

 

الاحتفال بيوم أفريقيا فى القاهرة كان استحضارًا لزمن الكبار، ومن زعماء القارة الأفريقية أمثال ناصر ونكروما وسيكتورى وكينياتا، الذين كافحوا وناضلوا من أجل استقلال وتحرر القارة الافريقية وبشكل خاص مصر التى خاضت معارك دبلوماسية كبرى حتى تتحرر القارة السمراء وتملك قرارها السياسى وسيادتها على أراضيها واستغلال مواردها الطبيعية. وقادت مصر عبد الناصر معركة التحرر ورفعت لواء زعامة افريقيا فى وجه الاستعمار وأصبحت القاهرة شعلة النضال لحركات التحرر فى دول القارة.
 
زمن الكبار كان حاضرا فى أجواء الاحتفال بيوم أفريقيا.. وصور ناصر ونكروما وسيكتورى وكينياتا وغيرهم كانت تمر كشريط سينمائى فى ذاكرة وعقل الحضور.. والتى كانت من بينهم السيدة سامية نكروما ابنة الزعيم الراحل جوامى نكروما مؤسس غانا الحديثة وكان أول رئيس لغانا المستقلة ورئيس الوزراء الأول، وأبرز دعاة الوحدة الأفريقية وواحدًا من مؤسسى منظمة الوحدة الأفريقية وربطته بالزعيم جمال عبدالناصر علاقة صداقة قوية أسفرت عن زواج الزعيم الغانى من فتاة مصرية جميلة هى السيدة فتحية رزق فى عام 1957 وأنجبت له سامية نكروما وجمال نكروما ونبيل نكروما. 
 
والسيدة سامية التى زارت مصر مؤخرا لحضور الاحتفال بـ«يوم أفريقيا» هى الابنة الكبرى التى أصبحت أول امرأة تترأس حزبًا سياسيًا كبيرًا فى غانا هو حزب الشعب ولدت فى 23 يونيو عام 1960، وحيث حصلت على درجة بكالوريوس فى الدراسات العربية فى عام 1991، كما أنهت درجة الماجستير فى عام 1993 فى لندن.
 
أما جمال نكروما فقد ولد فى أكرا سنة 1959 هو صحفى غانى يعمل بجريدة الأهرام ويكلى المصرية الناطقة بالإنجليزية، وهو أكبر أبناء كوامى نكروما يحمل جمال درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، 
 
نعود إلى السيدة فتحية رزق الفتاة القبطية الجميلة التى تغيرت أقدارها تمامًا عندما أعجب بها الرئيس والمناضل الغانى ذو البشرة السمراء نكروما، ورغم معارضة أهلها اصرت على الزواج من فتى أحلامها الذى تحررت غانا على يديه من الاستعمار البريطانى، فكان لها بمثابة الفارس الذى خطفها على حصانه الأبيض الى أدغال غانا.
 
ولدت فتحية فى حى الزيتون بالقاهرة فى 22 فبراير عام 1932 فى بيت مصرى لأسرة مسيحية منفتحة، أبوها موظف فى الخدمة المدنية فى حى الزيتون فى القاهرة، وكان ترتيبها الثالث بين إخوتها، وبعد وفاة الأب تفرغت الأم لتربية أبنائها.
 
تلقت تعليمها فى مدرسة نوتردام دى زابوتر ثم عملت بأحد البنوك المصرية، ويحكى ابنها جمال عن قصة زواج أمه المصرية من والده الغانى المناضل، حيث جاء التعارف بين والدته ونكروما غريبًا، فى عام 1958 قام كوامى نكروما، رئيس وزراء غانا فى ذلك الوقت، بزيارة مصر، وشاهد فتحية التى كانت تعمل فى أحد المصارف ورغب فى الزواج بها، إلا أن الأم رفضت لعدم رغبتها فى أن تعيش ابنتها بعيدًا عنها.
 
وإزاء ذلك اضطر نكروما أن يوسط صديقه جمال عبد الناصر، الذى قال للأم: لماذا ترفضين يا سيدتى؟ أنا سوف أفتح سفارة لمصر هناك، وخط طيران مباشر بيننا وبين غانا، وسوف تتمكنين من زيارتها فى أى وقت تشائين.
 
وافقت الفتاة التى كانت رمزاً للمرأة القوية الشجاعة إذ قررت الزواج من قائد أسود أفريقى وتحدت بذلك الجميع، بينما رفضت أمها الزواج خشية مغادرتها للبلاد مع نكروما أسوة بشقيقها الذى تزوج من إنجليزية وغادر مصر، وقالت لها: «هياكلوكي هناك فى أفريقيا»، إلا أنها لم تنصت لكلام أمها فقد كان سر إعجابها بنكروما أنه أول زعيم أفريقى يحصل على استقلال بلاده من بريطانيا، وقرأت كثيراً وقتها عن كفاحه ضد الاستعمار فكان لها البطل الذى تبحث عنه.
 
وبالفعل تم الزواج فى ليلة رأس السنة (1957-1958) وانتقلت للحياة فى غانا، حيث لاقت ترحيبًا من المجتمع هناك واشتهرت فيما بينهم بعروس النيل، وكانت تحظى بشعبية كبيرة بين أبناء الشعب الغانى لما كانت تقوم به من أعمال خيرية لدرجة أنهم أطلقوا على ملابسهم اسم فتحية إذ كانت تقوم بشراء الملابس والهدايا للفقراء.
 
عاشت حياة سعيدة وسط زوجها وأبنائها الثلاثة جمال، سامية وسيكو الشهير بنبيل، تخللها بالطبع العديد من الصعاب نظراً لانشغال زوجها المستمر بالسياسة والحكم فكانت لأولادها بمثابة الأم والأب، حتى حدث الانقلاب على زوجها فى 24 فبراير عام 1966 بقيادة الجنرال جوزيف أنكرا، وكان نكروما فى فيتنام، اتصلت فتحية بالرئيس عبدالناصر تستنجد به، فأرسل لها طائرة واستضافها فى قصر الطاهرة لمدة ثلاثة أشهر حتى استقرت فى بيتها بالمعادى، فى حين لجأ نكروما إلى غينيا المجاورة. وحين وقعت نكسة 67 تبرعت بكل ذهبها للمجهود الحربى.
 
توفيت فتحية فى 31 مايو عام 2007 فى مستشفى البدراوى فى القاهرة نتيجة نزيف حاد أصابها بعد فترة من المرض، وترأس القداس الذى أقيم على روحها البابا شنودة الثالث، ودفنت فى غانا إلى جوار زوجها بعد إصرار الرئيس الغانى وقتها على ذلك، وكتب على قبرها «الزوجة الحبيبة للرجل العظيم، التى واجهت الأزمات بشجاعة»، وكان نكروما توفى عام 1972 فى رومانيا بعد صراع طويل مع مرض السرطان.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق