تأجيل العمل بالضريبة على أرباح البورصة.. ليته كان إلغاءً

الأربعاء، 07 يونيو 2017 12:51 ص
تأجيل العمل بالضريبة على أرباح البورصة.. ليته كان إلغاءً
د. أحمد عبد الصبور الدلجاوى

وافق مجلس النواب يوم الإثنين الموافق 29 مايو 2017م على تعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005م، وقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980م، وقد نص التعديل في مادته الأولى على أنه "يستمر وقف العمل بالأحكام المنصوص عليها في القانون رقم 53 لسنة 2014م بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 فيما يتعلق بالضريبة على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في الأوراق المالية المقيدة بالبورصة لمدة ثلاثة أعوام ويتجاوز عن تحصيل الضريبة المشار إليها في الفقرة السابقة اعتبارا من 17 مايو 2017م وحتى تاريخ العمل بهذا القانون".

والحقيقة أن موضوع فرض ضريبة على أرباح البورصة يعود إلى عام 1992م، عندما فُرضت هذه الضريبة بنص المادة (14) من القانون رقم 95 لسنة 1992م بشأن سوق المال، وبنسبة 2% يتم خصمها من المنبع، وقد استمر العمل بهذه المادة لمدة أربع سنوات قبل أن تُلغى بسبب الضغوط التي مارستها بعض القوى المتعاملة في البورصة ذات الثقل السياسي خلال تلك الفترة، وفي عام 2013م صدر القانون رقم 9 لسنة 2013م بشأن تعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980م المعدل بالقرار بقانون رقم 104 لسنة 2012م، والذي نص في المادة (4) من على أن "تضاف إلى قانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980 المشار إليه تحت عنوان الفصل الثامن عشر ( الأوراق المالية و تداولها ) مادة جديدة برقم (83)، و نصها كالتالي: مادة (83): تفرض ضريبة دمغة نسبية مقدارها واحد في الألف يتحملها المشتري و واحد في الألف يتحملها البالغ و ذلك على جميع عمليات شراء أو بيع الأوراق المالية مصرية كانت أو أجنبية، و تلتزم الجهة المسئولة عن تسوية هذه العمليات بتحصيل هذه الضريبة و توريدها لمصلحة الضرائب خلال خمسة عشر يوماً من بداية الشهر التالي للعملية، و تحدد اللائحة التنفيذية قواعد تحصيل و توريد هذه الضريبة".

ثم ما لبثت هذه الضريبة أن ألغيت في عام 2014م عندما صدر القانون رقم 52 لسنة 2014م الذي فرضت المادة (2) منه ضريبة بنسبة 10% على توزيعات الأرباح للأسهم والحصص، وكذلك الأرباح الرأسمالية المحققة من التصرف في الأوراق المالية المقيدة في بورصة الأوراق المالية المصرية، وكذلك الأرباح الرأسمالية المحققة من التصرف في الأوراق المالية للشركات المصرية المقيمة غير المقيدة في بورصة الأوراق المالية المصرية، سواء كانت مقيدة أو غير مقيدة في الخارج، وفي كل الحالات يتم خصم هذه الضريبة من المنبع.

وبسبب الظروف السائدة خلال الفترة التي صدر فيها القانون رقم 53 لسنة 2014م، والضغوط الكبيرة والكثيرة التي تعرضت لها الحكومة، والتي وصلت إلى رفع دعاوى قضائية ضدها، تم تأجيل العمل بهذه الضريبة لمدة عامين انتهت في مايو 2017م، وهو ذات الشهر الذي صدر فيه التعديل الجديد من مجلس النواب، والذي مد تأجيل العمل بالضريبة على توزيعات الأرباح والأرباح الرأسمالية بالبورصة لمدة ثلاثة أعوام أخرى تنتهي في مايو 2020م.

وقد تباينت الآراء حول مد تأجيل العمل بالضريبة على أرباح البورصة، بين مؤيد لهذا التأجيل، وهو المعارض لتطبيق الضريبة من الأساس، وبين معارض لهذا التأجيل، وهو المؤيد لتطبيق الضريبة منذ صدور القانون رقم 53 لسنة 2014م، وقد انبرى كل فريق من الفريقين لسرد الحجج والبراهين التي تؤيد موقفه.

فالمؤيدون لمد التأجيل- المعارضون لتطبيق الضريبة من الأساس- يرون أن هذا التأجيل يعد أمرا ضروريا نتيجة للظروف التي مرت بها مصر خلال السنوات القليلة الماضية حتى تنشط البورصة وتستعيد عافيتها، وتعوض الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتالي فلا يمكن تحميل تعاملات البورصة بأية أعباء مالية إضافية في وقت تحتاج فيه إلى مزيد من الدعم والمحفزات، كما أن تطبيق الضريبة على أرباح البورصة سيؤدي إلى هروب المستثمرين الأجانب من البورصة المصرية، الامر الذي سيؤثر على حجم الاستثمارات في مصر، وعلى حجم تدفقات النقد الأجنبي، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تدعيم وزيادة احتياطي الدولة من النقد الأجنبي، كما يرى هؤلاء المعارضون لتطبيق الضريبة على أرباح البورصة، أن تطبيق هذه الضريبة سيؤثر على موازنة الدولة بالسلب- وليس كما يدعي المؤيدون لهذه الضريبة- لأن الكثير من المؤسسات المتعاملة في البورصة هي مؤسسات تابعة للدولة مثل هيئات القطاع العام، والشركات القابضة، والبنوك العامة،، وهيئة البريد، وصناديق التأمينات الاجتماعية، كما يتوقعون أن يكون لتطبيق هذه الضريبة سيء الأثر على أي طروحات لشركات حكومية تتم في المستقبل.

أما المعارضون لمد التأجيل- المؤيدون لفرض الضريبة على أرباح البورصة- فيرون أن هذا التأجيل يعد انحيازا للأغنياء، الذين يحققون أرباحاً بالمليارات من خلال تعاملاتهم في البورصة لا يدفعون عنها أي ضرائب، على حساب الفقراء، الذين يتحملون العبء الأكبر من الضرائب، كما أنهم يتهمون الحكومة بأنها لا تستطيع فرض الضريبة على الأغنياء وأهمهم مستثمري البورصة، كما يبرر هؤلاء المعارضون لقرار مد التأجيل وجهة نظرهم بالعجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، كما يؤكد هؤلاء على أن الضريبة المفروضة على توزيعات الأرباح والأرباح الرأسمالية عن تعاملات الأوراق المالية هي الأقل سعرا مقارنة بمعظم الدول التي تطبق هذا النوع من الضرائب، يضاف إلى كل ما سبق، أن قرار تأجيل الضريبة على أرباح البورصة قد تعرض لانتقاد بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت مصر مؤخرا لبحث مسألة الاقتراض من الصندوق، لأن التأجيل- من وجهة نظر خبراء صندوق النقد الدولي- يتعارض مع العدالة الضريبية، كما أنه سيحرم موازنة الدولة من مزيد من الإيرادات التي هي في أشد الحاجة إليها.

وعلى الرغم من وجاهة رأي ومبررات كل من المؤيدين والمعارضين، فالمؤيد لتأجيل تطبيق الضريبة المعارض لتطبيقها يغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، حتى وإن برر موقفه بأمور تخص الصالح العام، والمعارض لقرار التأجيل المؤيد لتطبيق الضريبة يغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وإن غاب عنه بعض الأمور التي تتعلق بالبورصة والدور المهم الذي تلعبه في المجتمعات الحديثة، فإن تقديري الشخصي لهذه المسألة يتلخص في ضرورة إلغاء الضريبة على توزيعات الأرباح والأرباح الرأسمالية المتحققة في البورصة وليس تأجيلها، والاكتفاء- على الأقل- خلال هذه المرحلة بضريبة الدمغة المقررة بالقانون رقم 111 لسنة 1980م وتعديلاته المختلفة، وهذا الموقف ليس انحيازا للأغنياء أو أباطرة البورصة، كما أنه ليس جهلا بالعجز المزمن الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، وإنما إيمانا بأهمية البورصة، وأهمية الدور الذي تؤديه أو من الممكن أن تؤديه في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في مصر خلال السنوات القادمة، وهو ما طمحت إليه مصر من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ولم تحقق فيه تقدما ملحوظا حتى وقتنا الحاضر.

فالبورصة من أهم فروع سوق المال، بل من أهم المؤسسات المؤثرة في اقتصاديات الدول، وبقدر ما توصف هذه السوق بالثبات والقوة والاستقرار والنشاط يوصف اقتصاد تلك الدولة، فهي المرآة التي ينعكس عليها الاقتصاد القومي، حيث تلعب دورا بالغ الأهمية على مستوى الناتج الإجمالي فيه عن طريق تجميع المدخرات وتوجيهها إلى الأنشطة الاستثمارية بأعلى عائد ممكن، كما أنها تنتج مصادر ميسرة للتمويل على أساس المشاركة، وفوق ذلك فهي تساعد الأفراد- سواء العاديون أو المحترفون- على إيجاد أسلوب منظم لتوظيف أموالهم ومدخراتهم، بما يحقق لهم عائدا يفوق في المتوسط ما قد يحصلون عليه من صور الاستثمار الأخرى كالودائع البنكية والعقارات.

وبالنسبة للبورصة المصرية، فإن فرض ضريبة على التعاملات التي تتم فيها- وبصفة خاصة في الوقت الراهن- سيؤدي إلى المزيد من الخسائر وعدم الاستقرار، وهروب المستثمرين الأجانب إلى بورصات في دول أخرى لا تفرض ضرائب على الأرباح المتحققة فيها، كما أن هذه الضريبة سوف تؤدي إلى عزوف صغار المدخرين عن الاستثمار في البورصة وتفضيل البنوك كوعاء ادخاري، فتتكدس الودائع في البنوك في وقت تكون فيه المشروعات في أشد الحاجة إلى التمويل، كما أن مقارنة البورصة المصرية بما هو مطبق في بعض البورصات العالمية هي مقارنة غير عادلة، لأن البورصات في الدول المتقدمة بورصات ذات كفاءة عالية، وتتميز بالاتساع، كما أن التجارب السابقة أثبتت أن ليس كل ما يوصى به خبراء صندوق النقد الدولي يكون صحيحا وملائما لظروف بعض الدول.

إن تنشيط البورصة ومنحها المزيد من الدعم والحوافز أهم حاليا من فرض ضريبة على تعاملاتها، فضلا عن أن الإيراد المتحقق من ضريبة الدمغة المطبقة فعلا ليس بالقليل، إن البورصة المصرية تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكي تتخطى العقبات التي تعترض طريقها، كما أنها تحتاج إلى تفعيل الأطر القانونية التي تحكمها وتحكم التعاملات التي تتم من خلالها، والتي تضمن أن التعامل فيها يتم على أوراق مالية سليمة، وأنه غير مشوب بالغش، أو النصب، أو الاحتيال، أو الاستغلال، أو المضاربات الوهمية ، كما تحتاج البورصة إلى محو الأمية الاستثمارية لدى شريحة كبيرة من المصريين فيما يتعلق بالاستثمار فيها، ومحو الصورة المنفرة التي أرستها ورسختها السينما المصرية منذ عشرات السنين في أذهان المصريين، والتي صورت الاستثمار بالبورصة بانه مقامرة ومغامرة تنتهي في الغالب بموت المستثمر بالسكتة القلبية فور تلقيه نبأ خسارة كل أمواله في البورصة، وهو الامر الذي يكذبه الواقع بعد أن اجتهد المشرع المصري في صياغة الأطر القانونية المحكمة التي تضمن نزاهة وجدوى هذا الوعاء الادخاري الاستثماري، كما أجاز تأسيس العديد من الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية لضمان جدية التعامل وتقليل نسب الخسارة لأدنى مستوى ممكن.

كما تحتاج البورصة المصرية إلى تفعيل دور صناديق الاستثمار وزيادة اقبال شركات المساهمة على تأسيس العديد من صناديق الاستثمار التي تقوم بدور الوسيط المالي بين المستثمر الفرد- وبصفة خاصة صغار المدخرين- وبين مجالات الاستثمار المختلفة.

فإذا تحقق كل ذلك، ستكون هناك تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية، وستصبح البورصة المصرية بورصة قوية، وذات كفاءة عالية، لأنها تخدم اقتصاد قوي، ووقتها نستطيع أن نفرض على تعاملات البورصة ضريبة ليس بسعر 10% بل بأسعار أعلى من ذلك بكثير، لكل ذلك أقول ليت التأجيل كان إلغاءً.

أ.د/ أحمد عبدالصبور الدلجاوي

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق