فى حب الحرافيش

الأحد، 11 يونيو 2017 06:56 م
فى حب الحرافيش
الحرافيش
كتبت داليا عيسى

«فى ظلمة الفجر العاشقة، فى الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد الغامضة، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا».
 
هكذا بدأ نجيب محفوظ روايته «الحرافيش». 
 
لقد خلف لنا محفوظ شخصيات خالدة تكاد تشاهدها وتلمسها فى الحياة، وقد تكون مررت بإحداها فى فترة من الفترات، تدور القصة حول الإنسان ظاهريا وتخفى فى داخلها الحكمة والرمز والخرافة. 
 
لا تكفى السطور القليلة القادمة لمناقشة أو تحليل تلك الرواية العظيمة بالطبع، فهى تحتاج إلى مثل عدد صفحاتها وأكثر كى تقف على كل شخصية لتفهم تكوينها وانفعالاتها بماضيها وحاضرها حتى تصل إلى المنتج النهائى الذى على أساسه قد تحب هذه الشخصية وتتعاطف معها، أو تكرهها أو ربما لا تعلم إن كانت تستحق نهايتها أم تستحق الرثاء لما آلت إليه أقدارها.
 
جل ما يهمنى الآن رؤية محفوظ لحرافيشه، فالحرافيش عنده ليسوا تلك الطبقة المتدنية من الناس التى عاشت فى القاهرة فى العصر المملوكى، بل هم أولئك الفقراء المستضعفون الذين لا حول ولا قوة لهم ليرمز بهم إلى المغلوبين على أمرهم رغم كثرتهم وقوتهم المدفونة تحت الخوف والذل وانتظار الفتوة المخلص الذى لا يأتى إلا فيما ندر.
 
حين ننظر إلى الرواية نجدها تبدأ بعاشور الناجى الجد وتنتهى بعاشور الناجى الحفيد، فى رحلة من الأجيال المتعاقبة دُهس فيها هؤلاء الحرافيش دون مقاومة تُذكر اللهم إلا فى نهاية الرواية حين دافعوا عن فتح الباب اللص الشريف الذى كان يوزع من مخازن أخيه الفتوة على الجوعى، أو حين التفوا حول عاشور الحفيد للتخلص من الفتوة وعصابته.
 
طوال تلك الفترة غير المعلومة الزمن استكان الحرافيش تماما لبطش هؤلاء الفتوات الذين كانوا فى البدء حرافيش ثم انقلبوا أسيادا احتقروا الحرافيش وعاملوهم كالرعاع، أثقلوا كاهلهم بالإتاوات، وتحالفوا مع الأثرياء فقبلوا منهم العطايا والهدايا نظير حمايتهم من الفقراء وفتوات الحارات الأخرى، وتحولت سيرة عاشور الناجى الجد القاهر لأعيان الحارة الرحيم بحرافيشها وابنه شمس الدين إلى أسطورة يتذكرها بأسى وحنين المقهورون ويتمنى زوالها ونسيانها عصابات نهب أقوات المغلوبين على أمرهم، وتنتهى الرواية بقيادة عاشور الحفيد للحرافيش لاكتشاف قوتهم الضاربة التى لا تحتاج فتوة يدافع عنهم مع ترانيم من داخل التكية على أمل أن ينفتح الباب ذات يوم، تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق