أزمة الأمة المعاصرة «1-2»

الثلاثاء، 13 يونيو 2017 12:00 م
أزمة الأمة المعاصرة «1-2»
كمال الهلباوي يكتب:

ستغرق الأمة فى تعريف الأزمة وتعريف القضية، وبعضنا يخلط بين الاثنين خلطاً شديداً وهذا متوقع. هناك قضايا قديمة منها فلسطين، وهناك قضايا جديدة منها سوريا والعراق وليبيا

 

هناك نتائج ظاهرة للعيان ونتائج غير ظاهرة، وما يعنينا هنا النتائج التى لا تظهر فور الاجتماعات ويعرفها الجميع أو تلك التى تتابعها وتتابع نتائجها حتى القلة من الأمة. من النتائج الظاهرة التى أعلنت هى: 

 

اتصل بى بعض القراء يسألوننى عن محاصرة دولة قطر من قبل الأشقاء، وهل هى فى خطر بذلك؟ قلت؛ الموضوع يحتاج إلى مقدمة ومزيد من التفصيل. كتبت سابقا عن أزمة الأمة المعاصرة وأسترجع هنا بعض ما قلت من قبل «لا شك أن الأمة بشقيها العربى والإسلامى فى أزمة بل أزمات، وكل من بلاد الأمة على حدة فى أزمة خاصة به. أرى أن هناك فرقا أو فروقات بين الأزمة وبين القضايا، فالأزمات أخطر، وينتج عنها قضايا يظنها البعض أزمات وهى نتيجة، ولذلك قد يأتى العلاج ناقصاً.
 
يتعرض العالم خصوصا الإسلامى، وعلى الأخص العالم العربى اليوم كله، لأزمات كبيرة فى مجالات عديدة، ويمر بمرحلة صراع طاحن يتميز بالاستمرارية، والمطاطية، وروح التدمير، باستخدام نتائج البحث العلمى المدمرة. ولكن لا يخفى على عاقل اليوم، ما تتعرض له أمة العرب وأمة الإسلام من أزمات وأخطار، أشدها يتمثل فى سوء قراءة تلك الأزمات، وضعف الاستنتاج والتخطيط، المبنيين على ذلك إن حدثا أصلاً. 
 
ولعل أهم خطوات الخروج من الأزمة- أى أزمة- يتمثل فى حسن قراءتها والنظر إليها من مختلف جوانبها، لفهمها على الوجه الصحيح، ثم بناء الحل المناسب أو العلاج الصحيح، فى ضوء هذا الفهم، وفى ضوء النظر الصحيح إلى هذه الأزمة أو تلك، محليا وإقليميا وعالميا.
 
قد يقول قائل وهو يقرأ هذا العنوان: كنت أتوقع أن يقول الكاتب، إن أبرز جوانب الأزمة فى الأمة هى قضية فلسطين أو كشمير لأنها قضايا مزمنة، أو أفغانستان التى لم تهدأ منذ ما يقرب من أربعين عاماً، ما قبل طالبان وما بعدها، أو قضية البوسنة والهرسك ما قبل اتفاقية دايتون- أوهايو وما بعدها، أو الشيشان، أو يقول اليوم إن أزمات الأمة هى سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وأزمة الخليج بعد زيارة ترامب وقطع الاتصالات مع قطر من جانب الأشقاء، وغيرها من القضايا والأزمات.
 
أقول إن كل هذه قضايا شائكة، وهى فى مجموعها تمثل إشكاليات وتحديات، قد تظل أو يظل بعضها دون حل عادل أو مناسب لمدة طويلة، كما تشكل فى مجموعها، جانباً آخر من أهم جوانب الأزمة المعاصرة فى الأمة، إذ أن الأمة لم تعد قادرة على حملها، حيث أن إضافة أحمال أخرى على العاجز ضرب من الجنون والحمق، ولكن كل واحدة من هذه القضايا على حدة، لا تمثل الأزمة كاملة، وإن اختلفت درجات تعقيد تلك القضايا فى إطار الأزمات. 
 
وفى ظنى أن كل من يظن أنه يستطيع أن يرفع علم الجهاد بمعنى القتال، فى قضية جديدة والأمة على هذه الحال، أو من يتجه إلى العنف والتشدد والتطرف والتكفير، سيكون مخطئاً وأحياناً مجرماً، مهما كان إخلاصه وصفاء نيته.
 
قضايا الأمة القديمة والجديدة قضايا معقدة، وتنتظر الحل الخارجى وفى مقدمته الأمريكى للأسف الشديد، ومن منا ينتظر حلاً من أمريكا أو غيرها من القوى، فإنه على الأقل لن يجد فى المستقبل ما كان يحلم به. 
 
أقول إن الوقت المخصص للتفكير فى حياة الأفراد أو الأمة، هو الأقل فى حياتنا لأسباب أبرزها نقص أدوات ومؤسسات التفكير سواء الخاصة أو العامة مثل معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز التخطيط الاستراتيجى. وهى المعاهد والمراكز التى تحسن قراءة الواقع وتقترح أحسن الحلول، بدلا من العقلية الفردية أو الديكتاتورية. العقلية التى قال عنها القرآن على لسان فرعون « مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى». أو (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِى).
 
ويظل الفهم وحسن التقدير للموقف من أهم الوسائل والأدوات المطلوبة فى ذلك، خذ على سبيل المثال، الوقت المخصص للتفكير فى حياة الأفراد أو الأمة، فستجد بكل تأكيد مرة أخرى، أنه الوقت الأقل فى حياتنا لأسباب عديدة، ليس هذا مجال تعدادها، ولكن أبرزها هو أصلاً نقص أدوات ومؤسسات التفكير سواء الخاصة أو العامة مثل معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز التخطيط الاستراتيجى كما أكدنا ذلك مرارا. عجباً لهذه الأمة فى ابتعادها عن أداء فريضة التفكير، وعن اتخاذ ما يلزم ذلك من وسائل وأدوات مناسبة للقرن الحادى والعشرين الذى نقترب به يوماً بعد يوم من يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون. يقول الله تبارك وتعالى «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِى الألْبَابِ ‏الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ‏مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
 
نواصل فى هذا المقال مناقشة أهم جوانب أزمة الأمة العربية والإسلامية. إن العالم المتقدم تقنياً، يتجنب تلك الأزمة اليوم أى أنه (يفكر)، وهو ليس بمسلم، ونحن للأسف الشديد لا نفعله، لا نعرف كيف نفكر وإن فعلناه كان اسماً وشكلاً، أو أن من يعمل فى هذا المجال ليس أهلاً له، وطبعاً لا يكون أهلاً للتفكر فى خلق السماوات والأرض، مهما حمل من شهادات أو كان على بطاقته من ألقاب أو علّق على صدره من نياشين وأوسمة، أو حصد من جوائز الدولة، وقس على ذلك كثيراً من أوجه العلاج التى تتخذ للخروج من المأزق الذى يشعر به الحاكم والمحكوم فى الأمة، إذ أن الصراع الصريح والمستتر بينهما، يصرف كل الجهد أو معظمه للحفاظ على المواقع دون تغيير، حتى يأتى ملك الموت.
 
”كان تفكير كثير من المجاهدين والمحسنين فى أفغانستان أن الدبابة قبل المدرسة، وأن المدفع قبل المستشفى، وأن الصاروخ قبل مركز الأبحاث والدراسات، فأحسنوا القتل والتضحية، وتخلفوا فى جنى الثمار، حتى سبقهم إليها غيرهم من أهل الرصد والفهم”. وهناك من لا يزال يفكر بالمنطق نفسه نحو قضايا الأمة والأزمات الحالية التى تعيشها الأمة، إذ يفسر الحرب القائمة ضد ما يسمى بالإرهاب، بالحرب ضد الإسلام والمسلمين، وكأنى بأولئك النفر يستعجلون بتلك النظرة حرباً لا ضرورة لها بين الإسلام والغرب ولا موقع لها من ذلك، وقد يطلق عليها حرب المصلحة والسيادة الأمريكية، رغم أنها ضد بلاد المسلمين.
 
إن بناء المستقبل ليس حكراً على أحد، والفهم أهم وسائل ذلك والعمل يتممه، وسبحان الله القائل «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». وهذا هو الفرق بين الحضارتين الإسلامية وغير الإسلامية، والعمل بوسائله بين المنهجين الإسلامى وغير الإسلامى..
 
ستغرق الأمة فى تعريف الأزمة وتعريف القضية، وبعضنا يخلط بين الاثنين خلطاً شديداً وهذا متوقع. هناك قضايا قديمة منها، فلسطين، وهناك قضايا جديدة منها سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال، ومن قبلها قضية أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان، أضف إلى ذلك اليوم حصار قطر من الأشقاء حتى تنسى فلسطين والإسلاميين والمقاومة وبعض الثوابت الأخرى.
 
أرى أن الأزمات أكبر من القضايا ولها شق مادى ولها شق قيمى أو أخلاقى أو معنوى، وتحتاج إلى علاج فى ضوء أولويات واضحة. ومن الأزمات- على سبيل المثال لا الحصر- نقص التفكير الصحيح، ونقص مؤسساته، وتحميل الأمة أكثر مما تطيق فتعجز أو تبدو عاجزة أمام تلك القضايا المطلوب لها حلول ناجحة. ومن الأزمات اليوم، الإرهاب فى الأمة خصوصا وكيفية علاجه للقضاء عليه أو محاصرته بدلا من أن يحاصرنا، ومن الأزمات التخلف، ونقص الفاعلية فى المجتمع ومن الأزمات التعصب المذهبى أو الطائفى، ومن الأزمات كثرة الاستيراد والاعتماد على الغرب، حتى استوردنا الديمقراطية واعتمدناها فى حياتنا، بدلا من الشورى. ومن الأزمات، السلوك الذى لا يتفق مع الإسلام وقيم الإسلام ولا الأسوة الحسنة التى تتمثل فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. 
 
ومن الأزمات إهمال الحوار ووسائله الصحيحة إذ ستفاجئنا القرارات الصادمة فجراً مثل حصار قطر مؤخرا، ومن الأزمات القبول بالقواعد الأمريكية فى بلادنا ناهيك عن الاستعانة بهم ضد بعضنا البعض وقبول الهيمنة (وهى التى يسميها مالك بن نبى رحمه الله تعالى بالقابلية للاستعمار).  ومن الأزمات السعى من جانب بعضنا للتغيير ولو إلى الأسوأ، ومن الأزمات إهدار ثروات الأمة، وضعف الاستفادة منها فى التقدم. وليس آخرها المليارات التى حصل عليها ترامب من السعودية (460 مليار دولار). ومن الأزمات تولى بعض الجهلة القيادة فى الأمة، وقس على ذلك. ومع كل هذا علينا السعى للخروج من كل تلك الأزمات، وأن نعالج تلك القضايا، فهذا قدرنا. والله المستعان وللحديث صلة. وبالله التوفيق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق