السيناريو الإسرائيلى فى أزمة العائلة القطرية

الإثنين، 12 يونيو 2017 01:54 م
السيناريو الإسرائيلى فى أزمة العائلة القطرية
تميم
شريف على

 80% من إيرادات الدولة تذهب للأمير والعائلة.. والباقى للموازنة العامة للدولة
 

إلا أن سيناريو رابعًا هناك ما زال يلوح فى الأفق، وإن كانت آثاره أشد خطورة، على الوضع الخليجى والعربى، وهو أن يستمر تميم حاكمًا، ويقود بنفسه الانقلاب السادس، لكن هذه المرة خارج حدود أرضه، ويعيد توجيه دفة سياسته نحو العداء المستعر مع جيرانه العرب لصالح الأمريكان، على الطريقة الإسرائيلية، فتصبح قطر جزيرة فى محيط من الأعداء، أو على طريقة أكراد سوريا، المتوقع أن يعيشوا فى منطقة يحيط بها الأعداء شمالا تركيا وجنوبا النظام السورى، وغربا العراق.
 
لكن بعيدا عن التوقعات، فإن الانقلاب هو دائمًا الكلمة الفصل، والحل السحرى للحياة السياسية القطرية المتأزمة.
 
فمن سخرية القدر أن تصف قناة الجزيرة القطرية الذراع الإعلامية لقطر الثورة الشعبية التى اندلعت فى 30 يونيو ضد حكم الإخوان الإرهابيين فى مصر، بأنها انقلاب عسكرى، رغم أن تلك الدويلة الصغيرة التى تسعى لدور يفوق حجمها ومكانتها متوهمة أن المال وحده يكفى لذلك، لم تعرف طوال تاريخها سوى الانقلابات.
 
لم يكن انقلاب الشيخ تميم، الناعم، على والده الشيخ حمد جديدًا على قطر، تلك الدولة الصغيرة التى عرفت على مدار تاريخها انقلابات الأبناء على الأباء، وكأنه عرف متوارث لدى أسرتها الحاكمة. 
 
وتبدو قصة تلك الانقلابات متشابكة الخيوط، وإن كانت أصابع الاتهام تشير فى آخر انقلابين منها إلى الشيخة موزة بنت ناصر المسند، والتى حرضت زوجها حمد على الانقلاب على أبيه ثم رتبت لانقلاب ابنها تميم على والده لأسباب ودوافع انتقامية محضة، وبمباركة أمريكية وإسرائيلية.
 
فى عملية الانقلاب الناعم الأخيرة التى تولى تميم بموجبها الحكم بدلاً من والده، قالت صحيفة الديلى تلجراف البريطانية إنها تمت بعد إطلاع الولايات المتحدة وقال أحد المصادر : «إن الخطة تتمثل فى إدارة عملية معدَة لتسليم السلطة تتيح صعود ولى العهد. 
 
وبالمؤكد، أن الشيخة موزة تمكنت من الحصول على المباركة الأمريكية لهذا الانقلاب الناعم بمساعدة صديقتها الحميمة الوزيرة الإسرائيلية تسيبى ليفنى، التى تعود علاقتها بها لسنوات طوال، فخطوة كتلك لم تكن تتم دون موافقة الولايات المتحدة التى تمتلك أكبر قاعدة أمريكية ومركز قيادة وسيطرة فى المنطقة على أراضى قطر.
 
وهناك الكثير من المؤشرات على أن موزة بنت ناصر المسند، هى من تحكم قطر حاليًا، فعندما تولى الأمير تميم بن حمد الحكم- خلفًا لوالده- توقع المحللون أن تشهد سياسات قطر الخارجية تحولاً يبتعد عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، لكن ساءت الأمور إلى أن وصلت إلى حد تدهور العلاقات مع مصر والسعودية والبحرين والإمارات.
 
وكما ساعدت موزة ابنها تميم على تولى السلطة بدلاً من أبيه حمد، خططت فى السابق لإطاحة الشيخ حمد نفسه بوالده الشيخ خليفة. 
 
كان حمد أكبر أبناء الشيخ خليفة، وكما تشير كثير من المصادر المقربة من الأسرة الحاكمة فى قطر، كان فاشلاً فى دراسته حتى أن والده أخرجه من المدرسة وأرسله لبريطانيا كى يلتحق بكلية ساند هيرست العسكرية، التى لم يكمل حمد الدراسة فيها، وتم فصله بعد وجوده فيها بتسعة أشهر.
 
وكانت النتيجة أنه عاد لبلاده كقائد للجيش يحمل رتبة الجنرال وبمنصب ولى العهد. 
 
أما قصة حمد مع موزة، فهى قصة غريبة بعض الشىء، فموزة هى الزوجة الرابعة لحمد بعد زواجه من ثلاث من بنات أعمامه. وكان الزواج بترتيب من الشيخ خليفة كى يضمن ولاء والد موزة الشيخ ناصر المسند، الإخوانى، والذى عارض الأمير والد حمد، وبالتالى تخلى الشيخ ناصر عن معارضته للشيخ خليفة. 
 
ولكن الواقع أنه لم تمر فترة على وجود موزة داخل قصرالأسرة الحاكمة حتى سيطرت على مقاليد الأمور، وخططت للإطاحة بحماها الشيخ خليفة وتولى زوجها حكم قطر. 
 
وبعدها أطاحت بزوجات حمد الأخريات، وأولادهن منه، وحدث ذلك بسبب طبيعة حمد- غير المتعلم- وطمعه فى حكم البلاد بدلاً من أبيه. 
 
فى تاريخ 27 يونيو 1995، غادر الشيخ خليفة قطر إلى أوروبا لقضاء فصول الصيف هناك، وأجرِى للشيخ وداع كبير لم يكن خليفة يدرى أنه الوداع الأخير له، حيث قطع التلفزيون القطرى إرساله بعدها ليعلن البيان رقم 1 من الجنرال الذى لم يحصل على شهادة الثانوية العامة، وبث التليفزيون القطرى صورا لمشايخ قطر وهم يقدمون البيعة للشيخ حمد خلفا لأبيه. 
 
وتردد فى وقت لاحق أن الصور كانت قديمة حيث دعا حمد كبار رجال قطر وقام التليفزيون بتصويرهم وهم يسلمون عليه دون أن يعلموا بالغرض من وراء ذلك. 
 
فى واقع الأمر كشف انقلاب حمد على والده الأمير خليفة، عن فضائح عديدة بينت أن أفراد تلك الأسرة كانوا يتعاملون مع قطر وثرواتها كملك خالص لهم، حيث تبين أن عائدات البترول والتى قدرت حينها بحوالى 10 مليارات دولار (الآن 100 مليار) كانت تذهب بالكامل الى حساب شخصى باسم الامير خليفة، ولم يكن يصرف على الشعب منها سوى 20% من تلك العائدات كما تبين أن للأمير حصة محددة فى جميع الشركات والمؤسسات العاملة فى قطر وان جميع عمولات صفقات العلاج والسلاح وخلافهو تذهب إلى الامير وأولاده، وهى سياسة لا يزال أمير قطر الحالى يتبعها.
 
نتيجة تصاعد نفوذ الشيخة موزة حاول نجل حمد الأكبر الشيخ فهد الانقلاب ضد والده عام 1996 انتقاما من زوجة أبيه، ولكنه فشل مع ابن عم الشيخ حمد، ما دعا حمد لطرده من سلاح الدروع القطرى واتهامه بالإسلامى المتطرف.
 
تم وضع الابن الثانى الشيخ مشعل بن حمد قيد الإقامة الجبرية، وكان عزلهما بضغط من موزة حتى يخلو لولديها تميم وجاسم الجو. 
 
وفى أكتوبر 1996 تم تعيين تميم بن حمد وليا للعهد وهو الابن البكر للشيخة  موزة و قد تخرج من كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية دون أن يكمل تعليمه الثانوى وهو بالمناسبة ليس الابن الوحيد لموزة حيث أنجبت جاسم وجوعان.
 
كان المتهم الرئيسى فى محاولة الانقلاب عام 1996 هو الشيخ حمد بن جاسم بن حمد آل ثان وكان حينها متهماً بتزعم مخطط لإعادة والد أمير قطر إلى منصبه. 
الأغرب هو إصدار حكم بالإعدام على عضو العائلة الحاكمة وهو وزير الاقتصاد السابق وقائد الشرطة السابق والذى ادعت الحكومة القطرية أنه حصل على 100 مليون دولار أمريكى لإعادة الأمير السابق إلى عرشه. 
 
وقد ظلت حكومة قطر تتبع الأمير حمد المتهم بالتخطيط للانقلاب لمدة ثلاث سنوات بعد الانقلاب حتى تمكنت من إلقاء القبض عليه. 
 
ولم تتم محاكمة ابن عم أمير قطر وحده بل كان معه أيضًا عشرات آخرين تمت محاكمتهم أمام محكمة صورية مكونة من 3 قضاه أدانت حمد بن جاسم بن حمد آل ثان ومن معه بتدبير انقلاب للإطاحة بابن عمه الشيخ حمد بن خليفه آل ثان. 
 
لم يصل الشيخ خليفة بن حمد إلى الحكم هو الآخر بطريقة عادية بل بانقلاب ففى أواخر فبراير 1972، أذاع راديو قطر خبر الإطاحة بحاكم قطر أثناء رحلة صيد كان يقوم بها فى إيران. 
 
وأتى الشيخ أحمد بن على آل ثانى الذى انقلب عليه الشيخ خليفة أمير قطر  إلى الحكم بانقلاب على والده على بن عبد الله آل ثانى عام 1960 بعد 12 عاما قضاها الشيخ على فى الحكم، ثم جاء الشيخ حمد بانقلاب على والده وبنفس السيناريو حين كان والده خارج البلاد.

قاعدة العديد.. عندما يكون الاحتلال مدفوع الأجر
 
تعد قطر قاعدة العديد التى تحتضن القوات الأمريكية على أرضها إحدى نقاط قوتها، فالقاعدة لا تحتضن مجرد «عقل» العمليات الجوية الأمريكية فى الشرق الأوسط فحسب، ومنها مركز العمليات الجوية، بل أيضا تحتضن مجموعة من منشآت الدعم وبعض الأصول الاستراتيجية والتكتيكية للقوات الأمريكية فى المنطقة، علاوة على الآلاف من القوات الأمريكية، وتشمل الأصول الجوية التى تنشرها القوات الأمريكية فى المنطقة العديد من الطائرات، منها طائرات الأواكس والقاذفات التكتيكية من طراز B-52 التى تعرف باسم طائرات الشبح، علاوة على طائرات RC-135، وهى طائرات لجمع المعلومات المخابراتية، بالإضافة إلى وجود مئات الدبابات وطائرات النقل.
 
تتضح الصورة من خلال بعض الأرقام التى تتعلق بالقاعدة، حيث تحتضن آلاف الجنود الأمريكيين موزعين بين قاعدة العديد الجوية ومعسكر السيلية تستضيفهم قطر «مجانا»، منهم 10 آلاف جندى فى قاعدة العديد، بينما لا يتجاوز عدد العسكريين القطريين فى القاعدة مائة شخص لكون القاعدة لاتزال مملوكة، ولو بالاسم، للقوات الجوية القطرية. 
 
اعتمدت قطر على قاعدة «ابنى القاعدة ثم سيأتى الأمريكان» وهو ما حدث بالفعل، حيث بنت قطر أكبر القواعد الجوية فى منطقة الخليج بتكلفة زادت على مليار دولار وبمهبط طائرات بلغ طوله 15 كيلومترا، وهو الأطول من نوعه فى الخليج، وتستوعب القاعدة حوالى 100 طائرة حربية مختلفة، وهو ما يزيد على ما تحتاجه القوات الجوية القطرية التى لا تمتلك سوى بضع عشرات من الطائرات الحربية، ومعنى أن الجيش القطرى هو من يمتلك ويدير القاعدة أن تكاليف التشغيل تتحملها قطر.
 
فى أوائل عام 2002 بدأت القوات الأمريكية فى نقل الكثير من القوات والطائرات للقاعدة، وشمل ذلك عشرات من طائرات F-16 وطائرات JSTARS للاستطلاع، وطائرات تزويد الوقود بالجو من طرازات KC-10 وKC-130 وKC-135. وفى أواخر مارس 2002، قررت القوات الأمريكية نقل أجهزة الكمبيوتر والاتصالات من قاعدة الأمير سلطان الجوية فى السعودية إلى قاعدة العديد فى قطر، بهدف توفير مرونة طويلة الأمد لقادة الحروب فى المنطقة، وفى سبتمبر من نفس العام تم نقل ألفى جندى أمريكى للقاعدة وكان العدد يمثل نصف عدد القوات الأمريكية فى القاعدة عام 2001، ولكن احتفظت القوات الأمريكية بعشرات الطائرات وتم توسيع القاعدة كى يمكنها استيعاب 10 آلاف جندى أمريكى و120 طائرة مقاتلة.
 
أما قاعدة السيلية القريبة من قاعدة العديد فتعد نقطة لوجيستية رئيسية للقوات الأمريكية، وتحوى معدات عسكرية أمريكية تتضمن كميات هائلة من المركبات والذخائر المخزنة كاحتياطى للقوات الأمريكية، وبشكل عام تعد القاعدة هى قلب عمليات القيادة المركزية الأمريكية فى المنطقة.
 
والمؤكد أن الولايات المتحدة لن تقوم ببساطة بحزم أمتعتها وإخلاء القاعدة العسكرية بين عشية وضحاها ونقل عملياتها إلى منطقة أخرى، فخطوة كتلك تعد مخاطرة وقد تستغرق عدة أشهر وربما بضعة أعوام، وبالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من القواعد الجوية فى المنطقة التى يمكنها دعم العديد من المهام، ولكن لا يوجد من بينها أى قاعدة عسكرية تتمتع بالتجهيز والتطور الذى تتمتع به قاعدة العديد.
 
بعد التطورات الأخيرة تواجه الولايات المتحدة معضلة كبيرة، فمن غير الواضح كيف سيعمل التحالف الذى تتزعمه الولايات المتحدة ضد الإرهاب دون القدرة على أن تستضيف القاعدة عسكريين من السعودية والإمارات والبحرين فى القاعدة ضمن التحالف، ودون أن تستعين القوات الأمريكية قى القاعدة على الخدمات التى تقدمها الدول الثلاث. لا يعد الوضع الحالى مجرد مشكلة دبلوماسية للولايات المتحدة، بل بمثابة «كابوس لوجيستى»، حيث تعتمد الولايات المتحدة على مقاولين من تلك الدول فى الكثير من مهام الدعم التى تساعد على تشغيل القاعدة مترامية الأطراف على أساس يومى، كما أن مغادرة ممثلى جيوش وحكومات السعودية والإمارات والبحرين للقاعدة الأمريكية فى قطر سيجعل التنسيق الخاص بالعمليات البرية وتقاسم المعلومات أمرا أصعب بكثير مما هو عليه الآن.
 
أضف إلى ذلك المعضلة التى تواجه إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى كيفية الموازنة بين خطه المتشدد ضد التطرف وحث حلفائه العرب على مكافحة الإرهاب واستعداد هؤلاء الحلفاء للعمل مع الولايات المتحدة فى هذا المجال، فى الوقت الذى تعمل فيه القوات الأمريكية انطلاقا من دولة متهمة من هؤلاء الحلفاء بدعمها للإرهاب.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق