«أنتيجونا».. وأزمة قطر

السبت، 17 يونيو 2017 11:08 م
«أنتيجونا».. وأزمة قطر
كتب - مجدي أبوزيد

ثمة ما هو إنساني دائما في عالم السياسة وأزماتها. لسبب بسيط هو أن صانعي السياسة- بكل أخطائها تارة وخطاياها تارة أخرى- بشرٌ في نهاية الأمر.

والتاريخ يتحفنا دوما بأعمال أدبية بديعة تلامس هذا الشيء الإنساني في الصراعات البشرية التي نحن بصددها. ففي مسرحية «أنتيجونا» التي أبدعها قبل الميلاد الكاتب المسرحي اليوناني «سوفوكليس».. تدور القصة حول شقيقين هما «إيثيوكليس» و«بولينيس» قضيا في يوم واحد، فأمر الملك «كريون» ملك «ثيبة» بإكرام مواراة جثمان الأول لإخلاصه ووفائه وجوده بنفسه في سبيل الوطن، فيما أمر بعدم دفن الثاني وعدم البكاء عليه وتركه في العراء نهبا لافتراس الطيور الجارحة، لأنه ناصر أعداء الوطن.

وعندما علمت شقيقتهما «أنتيجونا» بنبأ قرار الملك، قررت أن تنحاز لصلة الرحم وتقوم بدفن شقيقها «بولينيس» مهما كلفها مخالفة أمر الملك، الذي سألها: هل تعلمين خطورة ما أقدمتِ عليه؟ فأجابت: وهل أنكر ما آمنت به. فقال: وكيف جرؤتِ على مخالفة أمري؟ فردت: وهل ترى في أمرك ما يرتقي لمرتبة الآلهة لكي انصاع له وأطيعه؟

القصة طويلة، لكننا آثرنا أن نستخلص ما يهمنا في إطار الأزمة الخليجية مع دولة قطر، ذلك أن قرار الدول الثلاث «السعودية والإمارات والبحرين» بعدم المساس بعلاقات الأسر الخليجية بما تملكه من نسب ومصاهرة وزواج بل وقرابة في ظل المقاطعة بين الدول الثلاث وبين دولة قطر، أقول إن هذا القرار استبق باقتدار كارثية تجاهل علاقات صلة الرحم والإطاحة بها من أجل عيون السياسة، حيث كان من الممكن أن تستيقظ في كل واحد منا «انتيجونته» لتهدم المعبد على رؤوس كل من يـُفرط في عدائه السياسي.

فالقانون الذي انتمت إليه «أنتيجونا» بكل كيانها وفطرتها الإنسانية ليس بمقدور أحد أن يعبث به، ولا توجد ديانة سماوية أو حتى أرضية جرؤت على أن تنال من علاقات ذوي الرحم والقـُربى. فالجميع يعلم ما نص عليه القرآن الكريم في الآية الكريمة «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا».. الكلام هنا عن كفر الوالدين بالخالق، ومع ذلك أمر سبحانه وتعالى بمصاحبة الوالدين «الكافرين» بالمعروف، فكيف الأمر بالأوطان المتصارعة وهو شأن لا يساوي جناح بعوضة مقارنة بالشِرك بالله.

لقد فعل حكام الدول الثلاث خيرا عظيما ومعروفا سخيا، ولم تأخذهم العِزة بالإثم، حين انتبهوا للعلاقات الإنسانية المتداخلة والمتشابكة بين أفراد وعائلات وقبائل شعوبهم ومجتمعاتهم، وارتقوا بقيمِها وقيمتها وقدسيتها بعيدا عن مستنقع السياسة، وانتشلوا حتمية الثوابت من أنياب تقلـّبات المتحرك.

فحين كان «ميرابو» خطيب الثورة الفرنسية، يهلل بخـُطبـِه فرحا بنجاح الثورة في القضاء على الإقطاعيين والبرجوازيين وهدم سجن الباستيل الشهير، صرخت فيه امرأةٌ: ابني مفقود يا «ميرابو».. هكذا نرى أن فلذة كبد أُم أعظم من حرية وطن بأكمله.

[email protected]  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق