«عدد خاص» من صوت الأمة الورقى بمناسبة عيد الفطر المبارك

عطر النبى فى مصر.. «السيدة زينب» «أم العواجز.. رئيسة الديوان».. ابنة الإمام على وشقيقة الإمامين

الأحد، 25 يونيو 2017 01:00 م
عطر النبى فى مصر.. «السيدة زينب» «أم العواجز.. رئيسة الديوان».. ابنة الإمام على وشقيقة الإمامين
عطر النبى فى مصر
عنتر عبد اللطيف

السيدة الطاهرة زينب، هى ابنة فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحبيبة قلبه وفؤاده، ووالدها الإمام على بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، وجدتها السيدة خديجة بنت خويلد، سيدة نساء العالمين، وأخواها الشقيقان، الإمام أبومحمد الحسن، والإمام أبوعبدالله الحسين، رضى الله تعالى عنهما. ولدت بعد مولد شقيقها الإمام الحسين بسنتين، فى شهر شعبان من السنة الخامسة لهجرة المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، درجت فى بيت النبوة وتنعمت فيه بعطف جدها العظيم، صلى الله عليه وآله وسلم، ورعاية أبويها الكريمين، وسماها جدها باسم خالتها، السيدة زينب الكبرى، رضى الله تعالى عنها.
 
اشتهرت السيدة زينب بجمال الخلقة والخلق، كما اشتهرت بالإقدام والشجاعة، وبالكرم وحسن المشورة، والعلاقة الطيبة القوية بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها فى الرأى، ويأخذون بمشورتها لبُعد نظرها وقوة إدراكها.
 
تزوجت من ابن عمها، سيدنا عبدالله بن جعفر الطيار، رضى الله تعالى عنه، وكان يشتهر بالكرم وحب المساكين، ولقد كانت السيدة الطاهرة قوّامة صوّامة قانتة لله نائبة إليه، تقضى أكثر لياليها متعبدة متهجدة تالية للقرآن الكريم، لم تترك ذلك حتى فى أشد الليالى كربًا، وهى ليالى كربلاء.
 
عاصرت السيدة زينب حوادث كبيرة عصفت بالخلافة الراشدة بمقتل أبيها، كرّم الله وجهه عام 40 هجرية، بطعنة عبدالرحمن بن ملجم من الخوارج.
 
و بعد وفاة الحسن بن على، وإصرار يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الحسين، خرج الحسين وأهله، ومنهم أخته زينب، من المدينة سرًا متجهين إلى الكوفة بعد أن وصلتهم رسائل أهل الكوفة تدعوهم إلى القدوم، وتتعهد بنصرتهم ضد الأمويين.
 
شهدت زينب كربلاء عام 61 هجرية، وشهدت استشهاد أخيها الإمام الحسين، وابنها عون فى المعركة، وثلاثة وسبعين من عترة آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة، وسيقت زينب ومعها سكينة وفاطمة، ابنتا الإمام الحسين، وبقية نساء آل البيت، إلى حاكم الكوفة الأموى عبيد الله بن زياد، وقد وضعوا رأس الإمام الحسين فى مقدمة الركب.
 
دخلت السيدة زينب الكوفة فى ركب السبايا والأسيرات، وقد وقفت الجموع محتشدة تشهد هذا الركب الرهيب، فنظرت إليهم السيدة زينب وألقت عليم قولًا ثقيلا: «أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة! إنما مثلكم مثل التى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم، ألا ساء ما تزرون».
 
وتابعت عقيلة بنى هاشم: «فابكوا كثيرًا واضحكوا قليلًا، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها بغسل أبدًا.. وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم ومنار محاجتكم، وهو سيد شباب أهل الجنة؟ لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء!».
 
وأضافت السيدة زينب: «أتعجبون لو أمطرت دمًا؟ ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون، أتدرون أى كبد فريتم، وأى دم سفكتم، وأى كريمة أبرزتم؟»، لقد جئتم شيئًا إدًا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا».
 
كما وقفت السيدة زينب أمام يزيد بن معاوية وهو يعبث بقضيب فى يده برأس الإمام الحسين أمامه، فأسمعته كلامًا فيه من البلاغة وقوة الحجة والشجاعة ما شق عليه، وسارع بإرسالها ومن معها إلى المدينة المنورة.
 
ومما قالته ليزيد بن معاوية وحفظته كتب المؤرخين وكتب السير: «أيزيد والله ما فريت إلا فى جلدك، ولا حرزت إلا فى لحمك! وسترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله فى حظيرة القدس، ويوم يجمع الله شملهم من الشعث»، وتلت له قوله تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون»، «وستعلم أنت ومن بوأك ومكنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم ربنا والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك أينا شر مكانًا وأضعف جندًا، فلئن اتخذتنا فى هذه الحياة مغنمًا، لتجدنا عليك مغرمًا، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، عبيد الله بن زياد، ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد تزودت به قتل ذرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم».
 
عُرف عن السيدة زينب تحليها بالعلم والتقوى، والشجاعة والإقدام، والبلاغة وقوة البرهان، حتى لقد وقفت أمام جبار البصرة عبيدالله بن عباد تسفه كلامه وتتوعده بعذاب الله، غير عابئة بالموت الذى قد يأتيها فى أى لحظة من قاتل أخيها، وقاتل عترة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتضنت ابن أخيها على زين العابدين حين أراد عبيدالله أن يضرب عنقه، وقالت: «والله لا أفارقه، إن قتلته فاقتلنى»، فخلّى عبيدالله سبيل الغلام وتركه يرحل مع النساء إلى دمشق.
 
اختارت السيدة زينب، رضى الله تعالى عنها، مصر لتسكنها لما عرفت من حب أهلها وواليها لأهل البيت، فدخلتها فى أوائل شعبان سنة 61 هجرية، ومعها فاطمة النبوية وسكينة وعلى، أبناء شقيقها الإمام الحسين رضى الله تعالى عنهم جميعًا، واستقبلها أهل مصر فى بلبيس، واحتملها والى مصر، مسلمة بن مخلد الأنصارى، إلى داره بالحمراء القصوى عند بساتين الزهرى «حى السيدة الآن».
 
كانت هذه المنطقة تسمى «قنطرة السباع» نسبة إلى القنطرة التى كانت على الخليج المصرى وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام، عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة وشرائف المعرفة والبركات والإمدادات.
 
وكانت دارها مأوى لكل ضعيف ومحتاج، فلقبت بـ«أم العواجز»، ولما جاءت إلى مصر بعد محنة كربلاء القاسية كان الوالى ورجاله يعقدون جلساتهم بدارها، وتحت رئاستها، فسميت بـ«رئيسة الديوان»، وتُنادى بـ «عقيلة بنى هاشم»، ومعنى عقيلة: السيدة الكريمة العزيزة فى بيتها، والكريمة فى قومها.
 
وكان انتقالها إلى الرفيق الأعلى مساء الأحد، الخامس عشر من رجب، سنة 62 للهجرة المباركة، حيث دفنت بمخدعها وحجرتها من دار مسلمة التى أهداها إليها، وتلك الدار أصبحت بها قبتها بمسجدها المعروف بحى السيدة زينب بالقاهرة.
 
ثم كان بجوارها فى هذا المقام العامر بعد ذلك مقامان لاثنين من العارفين، الأول: هو الشيخ عتريس، المدفون بجوار المسجد الزينبى فى الطرف الشمالى الغربى، ونسبه: محمد بن أبى المجد عبدالعزيز بن قريش، شقيق سيدى إبراهيم الدسوقى، المتوفى فى النصف الثانى من القرن السابع، وقد أوصى بأن يدفن فى هذا المكان، حيث كان يقيم مجالس العبادة والدعوة فى كنف الحرم الزينبى أكثر حياته، «والعتريس هو القوى الشديد»، والثانى: الشيخ العيد روس، المدفون بجوار العتريس، ونسبه: الشيخ وجيه الدين، المكنى بأبى المراحم عبدالرحمن الحسينى من حضرموت، وقد استقر بمصر بعد حياة طويلة مشحونة بالكفاح والدعوة والسياحة، وجعل مجلس عبادته وإرشاداته فى جوار ضريح الشيخ عتريس، وعندما حضرته الوفاة سنة 1192 أوصى بأن يدفن حيث هو الآن بجوار العتريس، وفى رحاب السيدة زينب الطاهرة، رضى الله تعالى عنها.
 
من كرامات السيدة زينب، رضى الله عنه، وأمدنا الله بمدد منها ما رواه الإمام الشعراوى عليه رحمة الله فى كتاب «الشعراوى.. أنا من سلالة آل البيت»، قائلًا: «ذات ليلة بعد حديث طويل عن الصوفية وأولياء الله سألنى الشيخ الشعراوى: هل قلت لك حكايتى مع السيده زينب؟.. مع ستنا زينب؟.. قلت: لم أسمعها يا مولانا، فقال الشيخ: أنا جاورت ستنا زينب سبع سنوات من سنة 1936 إلى سنة 1942، كنت أسكن فى شارع البرنس عزيز عند قلعة الكبش، فى حى السيدة زينب، وكنت وقتها طالبًا، وحدث وأنا أستعد لدخول الامتحان فى الشهادة العالية أننى مرضت واشتد بى المرض ولم أدخل الامتحان، وفاتنى الامتحان فى الدور الأول وفاتنى فى الدور الثانى أيضًا، وحزنت لأننى كنت مجتهدًا، وقلت للسيدة زينب: إحنا ساكنين جنبك وبنصلى عندك وفاتنا الامتحان فى الدور الأول والدور الثانى، وضاعت السنة، وخاصمتها، ولم أعد أصلى فى مسجدها، وكنت أصلى فى زاوية اسمها زاوية الحبيبة»، وقال الشيخ: «وفى تلك الأيام كان لى صديق من العارفين بالله اسمه الشيخ محمد عبدالفتاح، كان أستاذًا فى كليه الشريعة، وفوجئت به يحضر لزيارتى فى ليلة المولد، مولد ستنا زينب، وكانت الليلة هى الليلة الكبيرة، وقال لى وكأنه يأمرنى: قوم يا ولد قوم البس هدومك، فسألته: ليه؟.. وعلى فين حنروح؟، فقال: قلت لك قوم ألبس هدومك، فقلت: خير حنروحوا فين؟، قال: حاروح أصالحك على الست، على ستنا زينب، واندهشت، كيف عرف أننى زعلان من الست؟! كيف عرف أننى خاصمتها؟! وفعلًا أخذنى وروحنا للست.. روحنا للسيدة زينب.. دخلنا المسجد وصلينا ركعتين، وزرنا الست، وسلمنا عليها وقعدنا وصلينا العشاء، وقضينا الليل فى المسجد، وعند الفجر عدنا للبيت لكى ننام ونستريح شوية فى البيت، نام الشيخ عبدالفتاح على السرير ونمت أنا على الكنبة فى الصالة، ولم يمض وقت طويل حتى سمعت طرقات على الباب أيقظتنى من رؤيا جميلة.. من يكون هذا الذى يجىء فى هذا الوقت؟.. وقمت وفتحت الباب، فوجدت والدى جاء من البلد ومعه الزوادة بتاعتنا، وقلت له وأنا أرحب به وأحمل عنه القفة، وأفسح له الطريق: إنت صحتنى من رؤيا حلوة، كنت فعلًا فى رؤيا جميلة عندما أيقظتنى خبطات والدى على الباب، فسألنى والدى باهتمام: رؤية إيه يا وله؟، فقلت: رؤية الست.. ستنا.. فسألنى باهتمام أكبر ويده على كتفى تهزنى: إنت شفتها يا وله؟ وكان وجهها عريان ولا متغطى بطرحه؟
 
فقلت له: إيه عريان؟ وإيه متغطى؟.. قال وهو يعيد السؤال: كان وجهها عريان، ولا متغطى؟ قلت: كان عريانًا، فاحتضننى وقبلنى، سألته: معناها إيه إن وجهها عريان يابويا؟ قال: معناها إن إحنا من أهلها، من محارمها يا وله.. من أهلها!، وسألنى: وقالت لك إيه يا وله؟ قلت وأنا أمسك بيده: تعال نتكلم فى الأوضة التانية، فسألنى: مين اللى عندك هنا، قلت: الشيخ عبدالفتاح، وهو نائم فى السرير ولا نريد أن نوقظه بكلامنا، ودخلنا فى الأوضة التانية، وقبل أن نتكلم فوجئت بالشيخ عبدالفتاح وقد استيقظ من نومه وأخذ ينادينى، ولم يكن قد عرف أن والدى قد جاء، وسمعته يسألنى وهو فى السرير: قالت لك إيه يا وله؟، تعال هنا وقوللى، فقلت: قالت لى إنت زعلان مننا؟، وعاد يسألنى: وأبوك قال لك إيه؟، قلت: أبويا سألنى وشها كان عريان ولا متغطى بطرحه؟، قال: وقلت له إيه، قلت: عريان قال: وأبوك قال لك إيه: قلت: قال إحنا من محارمها.. من أهلها.. قال الشيخ عبدالفتاح: صدق.. صدق، وعاد الشيخ عبدالفتاح يسألنى: وستنا زينب قالت لك إيه يا وله؟ قلت: قالت لى إنت زعلان مننا؟ إن كانت راحت منك سنة، نعوضها لك بخمسة، فقال الشيخ عبدالفتاح: والخمسة دى تبقى إيه ومعناها إيه؟.. قلت: الله أعلم، ومضى الشيخ يقول: لم أدرك معنى عبارة السيدة زينب: هنعوضها لك بخمسة إلا بعد فترة، فقد حدث بعد ذلك أن تخرجت فى الأزهر واشتغلت موظفًا بالدرجة السادسة، وكان من المعمول به أن تتم الترقيات إلى الدرجات الخالية ليس بالأقدمية فقط، وإنما هناك نسبة 25% من الدرجات الخالية تعطى بالاختيار للموظفين المجيدين فى أعمالهم، وقد فوجئت بترقيتى من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة بالاختيار وليس بالأقدمية، ويومها تذكرت عبارة السيدة زينب «سنعوضها لك بخمسة»، ويومها أيضًا استأذنت من عملى بالزقازيق، وجئت إلى القاهرة لزيارة الست.. وقال الشيخ الشعراوى: «هناك من لا يصدقون مثل هذه الأشياء، بل ويعتبرون قائلها من المجاذيب أو المجانين، وهؤلاء معذورون لأنهم لم يروا شيئًا».
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق