كآبة شوال

الأحد، 02 يوليو 2017 11:20 ص
كآبة شوال
حمدى عبدالرحيم يكتب:

لن يهتم أحد بى، لذا قررت الحديث بنفسى عن نفسى. أنا الشيخ «......» إمام وخطيب مسجد متواضع «أنا ومسجدى متواضعان» مسجدى نظيف وأنا كذلك، مكتبة مسجدى عامرة وكذلك قلبى، أنا ومسجدى مغموران ولكننا نبذل أقصى جهد فى تقديم أطايب ما لدينا. أعرف أننى لست وحدى الذى يعانى، مثلى كثيرون، الآن أقول: هل نعانى؟ أم أننا مجموعة من الفاشلين؟. يخنقنى الفشل، يضيق به صدرى فيعجز لسانى، ولذا رأيت الكتابة لا الخطابة.
 
قصتى- بل قصتنا- تبدأ مع إطلالة رمضان من كل عام، ننظف مساجدنا جيدًا ونشمر عن سواعد الجد، ونمنى النفس بخاتمة تليق بجهاد السنين.
 
يشاكس التليفزيون الناس بمئة مسلسل وألف إعلان ومليون أغنية، ولكن سبحان مجمع القلوب، تترك قلوب الناس كل هذه المفاتن والمباهج وتأتى إلينا.
 
أتألق أنا فى تلك الساعات، يكتظ مسجدى المتواضع بمئات من المصلين فى الفجر، رجال يحملون آمالهم، وشابات يحملن أشواقهن، وأمهات يحملن صغارهن، وشباب يرجون لحظة قبول وباب أمل.
 
أتخير آيات الرحمة فى صلاة الفجر، أطيل التلاوة فلا يمل أحدهم ويفتعل سعالًا لكى ينبهنى إلى طول الوقوف.
 
بعد الصلاة لا ينصرفون، أحدثهم حديث الأب الحانى الحنون عن فوائد التسبيح قبل شروق الشمس، نسبح معًا بصوت خافت خاشع، تكاد تتفجر دموعنا عندما نقول معًا: «سبوح قدوس ربك الملائكة والروح».
 
أشعر بالروح جبريل الأمين ينظر لنا مبتسمًا.
 
ينصرف المصلون فى هدوء ونظام، أودعهم وداع المحب لحبيبه.
 
لن أكتب عن جمال صلاة القيام ولا عن قنوت الوتر، ذلكم جمال لابد أن تعايشه بنفسك وتقبض عليه بقلبك.
 
فى رمضان من كل عام يغزونى الأمل الكاذب، أقول لنفسى: أخيرًا نجحت، لقد ترك الناس الشوارع والنوادى والمقاهى وشاشات العرض وجاءوا  إلىَّ، إلىَّ أنا لكى يسبحوا ويستغفروا معى، لكى يسمعونى وأنا أرتل مظلمة يعقوب وهو يقول لأولاده: «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ».
 
الناس تشف مع صوتى، الناس ترق مع الآيات، الناس تبكى بكاءً صادقًا لا زيف فيه ولا خداع، الناس تتراحم، الناس تتصدق، الناس تقوم الليل ولا تعود إلى بيوتها إلا لتعود مجددًا إلى مسجدى المتواضع.
 
فى الأسبوع الأخير من رمضان يبدأ الانقباض يعرف طريقه لقلبى، مشكلتى أن قلبى معلق بحنجرتى أو حنجرتى معلقة بقلبى، الانقباض يعرفه الناس من صوتى الذى يصبح خافتًا ثقيلًا وكأن ليس ذلك الصوت المتألق المجلجل.
 
بعد قليل سيأتى شوال، هل لابد أن يأتى شوال؟ ما له رمضان؟
 
لماذا لا يقيم طويلًا وكثيرًا وعاليًا وعميقًا؟
 
سيأتى شوال لأواجه نفسى، أنا فاشل، الناس جاءت لرمضان وليس إلىَّ، أنا المقيم عابر، ورمضان العابر مؤثر.
 
فى ليلة رؤية هلال العيد، تكاد غازات الهجر أن تخنقنى، بعد قليل سيهجروننى، أمضى ليلتى وأنا أصرخ فيهم بكل لين، وألين لهم بكل قوة: لا تتركونى وحدى لسجاد نظيف فارغ ولمنبر معطر شاغر، لا تتركوا الروح الأمين عودوا إلى السبوح القدوس رب الملائكة والروح.
 
يسمعوننى ثم ينصرفون فى فوضى همجية، صباح الأول من شوال تضربنى كآبة شاملة، فى صلاة الفجر ليس معى سوى رجل ضرير يقوده شاب نصف مختل.
 
أعرفكم لن تهتموا بوحدتى، لذا فأنا سأرفعها إلى مقام الروح الأمين لكى أشهده علىَّ وعليكم.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق