الفن والعك فى دراما رمضان: من نعى الزعيم إلى غياب النص المدهش وتوهج الشباب

الأربعاء، 05 يوليو 2017 11:20 ص
الفن والعك فى دراما رمضان: من نعى الزعيم إلى غياب النص المدهش وتوهج الشباب
محمد حسن الألفى يكتب:

لم يفهم أحد فى الكون بعد سر شغف المنتجين المصريين بحشد كل العروض الدرامية فى ثلاثين ليلة رمضانية، يجلس فيها المصريون إلى أكثر من خمسين مسلسلا، موزعة على القنوات الفضائية، محشوة بأوقات إعلانية، تزيد على الفقرات الدرامية.

 

فى كل رمضان يظن الناس أن بقية العام سيشهد تحريكا للكتلة الدرامية من الشهر إلى بقية الشهور وعددها ١١ شهرا، غير أن ذلك لا يحدث. ارتباط الإعلان بالدراما منطقى جدا، وضرورى، لكن المعلنين لا ينتبهون فى العادة إلى أن الجفاء يعقبه انصراف المتفرج، من طغيان الإعلان على المقطع الدرامى. وفى الوقت الذى نشكو فيه جميعا من غلاء فاحش علينا فى المعايش، إلا أن المنتجين المصريين أنفقوا حوالى ٢ مليار دولار على دراما سدت منافذ العقل والإمتاع على المشاهد، لمجرد أنها طوقته من كل جانب، وأمطرته بممثلين متداخلى الأدوار، فالممثل الواحد تراه لصا فى مسلسل، وتراه ضابطا فى آخر، وممثل تراه عربيدا فاجرا، أو بلطجيا، وفى مسلسل آخر تراه واعظا تقيا، وفى ثالث تراه بهلوانا.
 
فكرة تداول الممثل فى أكثر من نص واحد ترتبط بمفهوم الرزق وأكل العيش، وحيث إننا فى زمن مجاعة نفسية. وحسية، والإحساس بالأمان شاحب، فإن ممثلينا من نجوم الصف الثانى كانوا كالفواعلية فى معظم المسلسلات. أخشى أن يأتى يوم يدور المخرجون دورة الفواعلية هؤلاء!
 
والحق أن دراما رمضان هذا العام على وجه الخصوص، علمت كتاب النصوص والمخرجين درسا قاسيا جدا، وهو أن معظم الحلقات فى معظم المسلسلات انتهى اهتمام المشاهد بها عند الحلقة الخامسة عشرة أو بعدها بقليل. فالتطويل والتوهان واجترار الأحداث والرغى وإعادة تدوير الفكرة، كانت كلها ظاهرة فجة فى مسلسلات مثل «ظل الرئيس»و «وضع أمنى» و«طاقة نور» و«الحساب يجمع» و«عفاريت عدلى علام»، عادل أمام الذى خاب على آخر الزمان وبات يشاهده الناس شعورا بالعرفان ولدواعى العشرة. ليس بمقدور متذوق للدراما أن يتابع الخمسين مطحنة درامية، لكن يمكن القول بطمأنينة أن عفاريت عادل أخذت عادل معها إلى الغيبوبة، وهو أمر يأسف له الملايين، لا لعطل فى موهبة النجم الذى أسعدنا لأجيال، بل للعلاقة الدرامية منتهية الصلاحية بين معاطى وعادل إمام. الاثنان خسرا معا، ونحن أيضا ومن قبلنا الفن، خسرنا الزعيم الذى أدمن التكرار والراحة. لا يمكن بالقطع تجاهل خطوات الزمان على وجه الزعيم، لكن كان من الممكن اعتبارها تاجا لو أن ما يقدمه النجم الشيخ فنا يمت بصلة لإبهارات عادل ونصوص وحيد حامد وغيره، بل ومع معطى نفسه فى مراحل متقدمة.
 
 كانت النصوص الدرامية هذا العام متفاوتة القوة والترابط، وشهدت مباهاة بفكرة الورش الميكانيكية للدراما ولحام المشاهد وسمكرة النصوص، وقدمت شركات الإنتاج كتابا كمبتدئين، وتفاخرت بأن النص اتولد تحت يدى القابلة المعلمة الكبيرة أو الأسطى الدراماتوجى. المعتبر والمختبر. 
 
نصوص بلغت منتهاها قرب منتصف الحلقات، وبعدها هلك الهالك وطحن المطحون، كما قلت، ومعنى هذا أنه كان يمكن خفض تكاليف الإنتاج إلى النصف لو عاد الفنان المصرى وشركات الإنتاج إلى النص ذى الخمس عشرة حلقة. كنا سنستمتع ولا نضيق بقتل الوقت، فالإيقاع أسرع، والأحداث مترابطة، والنجوم فى توهج. مسلسل «ظل الرئيس» أسفر عن منح شهادة البطولة للنجم الصبور ياسر جلال، تلك هى الحسنة الوحيدة، بعدها كل الأبطال يدورون فى السراب، ويتوقعون أن يتسمر معهم المشاهد. حسنا إنه بحق يتابع فى شغف مسلسل «كلبش» لأمير كرارة، بعد التجديد فى الشكل والأداء والشخصية، ليقدم ضابط عمليات خاصة هاربا من جريمة لفقت له، وهرب معه فى الكلبش عم إبراهيم التمرجى -محمد لطفى- الطيب الذى اتهموه ظلما بسرقة الأدوية المخدرة لآلام المرضى. كان عرض شخصية الضابط متوازنا، ما بين ضرورات الخشونة المهنية ومخاطرها، وبين النسيم الإنسانى الذى يشع منها تحت الضغط الاجتماعى أو العاطفى أو وقت الدفاع عن مظلوم. النص جيد ومترابط، ويعيبه التطويل فى مشاهد مكررة لكنه أقلها رغيا. 
 
ويأتى مسلسل «لأعلى سعر» لآل العدل، نصا وإنتاجا وإخراجا، فى مركز متقدم، من ناحية أنه يغزل دراما رفيعة المستوى الشعورى، رقيقة الطرق على أبواب القلوب الموصدة على حب أو حقد، أو مكتومة بنار الغل، ويرتفع فيه أداء نيللى كريم إلى باليه سامق، ناطق بحوار بليغ الجملة والصورة مع موسيقى من لحن فهم النص. صراع زينة ونيللى لم يكن سباقا على قلب وشخص الزوج أحمد فهمى، بل فى الحقيقة كان مباراة فى التمثيل الأرقى. ينتمى النص إلى الدراما الاجتماعية، لكنه يعبر عن شخصيات فاجرة ومنقسمة عديدة حولنا، بلغة ارتقت ما وسعها الأدب، حتى لا تسف كما فعلت مسلسلات سافلة الحوارات. وفى القلب من باقة الورد الفنى هذه يبرز النجم نبيل الحلفاوى، الذى يتسلطن بجدارة فى مقعد الإبهار الفنى للعام التالى على التوالى بعد مسلسل «ونوس» مع العملاق الذى نفتقده هذا العام، يحيى الفخرانى. تألقت أيضا الفنانة سلوى محمد على فى دور الأم، ولها مسلسل آخر لا أذكر دورها فيه، على أن النعى الأكبر ينصرف إلى ابتلاء سمية الخشاب بثقل الظل بيومى فى الحلال الذى صار حراما فى الفن! الجيل الجديد من الشباب والشابات موهبة فطرية منسابة الأداء، فلا خنافة ولا حنجورية، ولا هيستيرية، وهناك مشاهد كانت فيها كلمات العين أبلغ من ألف جملة حوارية، خصوصا للفنان كريم فهمى مع يسرا فى «الحساب يجمع». وليد فواز كان بلطجيا بامتياز فى «طاقة نور» مع هانى سلامة وأشرف عبدالغفور، لكنه كان بذىء الكلمات، ومقرفا، بدعوى أنه يعبر عن شخصية منحطة. أظن أن الفنان المعصعص البارع محمود فارس المسنكل طول الوقت فى ذات المسلسل كان أشد تلقائية وسلاسة. الفن ليس فجاجة ولا هو الواقع بقاذوراته ولغته، إنما الفن تعبير بالفن عنه، لنراه كما لم نره، ونحس به كما لم نحس، ونفهمه على نحو يجعل حياتنا أقدر على الاستمرار. النطق فى المسلسلات بكلمات تنتمى إلى دورات المياه. أخلاق ممثل أكثر منها أخلاق فن. حنان مطاوع نضجت نضجا ملحوظا وتفوقت، ومن وسط أدائها تحس بثقافة كرم مطاوع وفيضان سهير المرشدى.
 
أما البيوت التى ظهرت فى معظم هذه المسلسلات فهى ليست بيوتنا، ولا نعرفها، بل بيوت منسوخة من مسلسلات التراكوة. لم أتعرض لواحة الغروب والجماعة والزيبق، لأنى لم أخترها، ولأن شهر رمضان ٢٩ يوما فقط أو٣٠ والله أعلم! هل شاهدنا مسلسلا خلت معه شوارع القاهرة كما فى الليالى الخوالى؟! 
 
الله يرحمك يا آدم الدراما المصرية أسامه أنور عكاشة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة