خدوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن

الثلاثاء، 04 يوليو 2017 01:51 ص
خدوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن
هشام السروجي يكتب:

«لن أكون في يوم منكم يشهد الله والزمن، أنا حلمي بس كلمة، أن يظل عندي وطن، لا حروب ولا خراب لا مصايب لا محن، خدو المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن» قالها لطفي بوشناق وتركني أغرق في حسابات منطقية، بعيدًا عن الجدلية الديكارتية التي قتلت حياتنا.
 
 
كم يساوي الوطن لو قبضت روحك غرقًا وأنت تبحث عن أربعة جدران في أقصى الارض، بعد أن تهدم بيتك وفارقك احبابك، كم يساوي وكل منزل في مدينتك سار طلل حبيس صورة معلقة على جدران تكسوها الكآبة وأشرطة سوداء بعدد أحباب غيبهم الموت، كم يساوي وأنت تأكل وتلبس وتنام وتأمن في غربة روح وسكن ويتم وغياب كل غال.
 
 
يدفع الشرق الأوسط فاتورة موجة إرهاب عاتية، لم تبق على أخضر ويابس، إرهاب ترعرع ونمى في أحضان قوى إقليمية ودولية، خططت ومولت ودعمت ووفرت غطاء سياسي وإعلامي، تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
 
 
سوريا لم تغلق فاتورة الحساب الذي دفعت فيها أرواح مئات الآلاف من أبنائها دفاعًا عن أرضها، وما زال الحساب جاري، مدن تاريخية طمست أثارها ولم يبقى منها سوى الذكريات، سبع سنوات عجاف أنهك فيها الجيش ومؤسسات الدولة السورية في حرب عصابات وقفت وراءها دول يسعى كل منها لتحقيق أهدافه الخاصة، حتى من ادعى الدفاع عن سوريا مثل إيران وروسيا، حققوا مصالحهم في تلك المعركة، فازداد النفوذ الإيراني التوسعي في المنطقة وسيطر على مجريات الأحداث، وأصبح يملك قاعدة انطلاق عسكرية في عمق الوطن العربي، واستغلت روسيا الفوضى الضاربة لكل شبر على الأراضي السورية ككروت ضغط سياسية تستخدمها في التفاوض بما يحقق مصالحها مثل قضية القرم وغيرها.
 
 
الحال في العراق لا يختلف كثيرا، فنفس القوى المذكورة كانت رقما أساسيا في المعادلة العراقية المحاربة للإرهاب، فبرغم النجاحات التي حققتها القوى العسكرية المختلفة في العراق، إلا أن المشهد الأفقي يوضح لنا أن الفرحة التي عمت أرجائه بعد تحرير الموصل، هي فرحة تحرير أطلال دولة من براثن شيطان داعش، الموصل حالها حال عشرات المدن المحررة من داعش في ليبيا وسوريا والعراق، لم يبق منها إلا اسمها، وفاتورة التحرير وحرب الإرهاب كانت باهظة، ستسدد على مدار ثلاثة أو أربعة أجيال قادمة، كي تعيش في أرض تسمى أوطان، والسؤال ماذا سددت الدولة المصرية من فواتير لتحقق ما حققته من استقرار مقارنة بتلك الدول؟
 
 
مصر قد تكون هي الأقل كلفة من غيرها، حسابات الخسارة والمكسب تخضع للأرقام والمنطق، ويحضرني أحد دروس مادة المنطق فترة دراستي الثانوية، حينما درست أن من أسباب الخطأ في إصدار الأحكام هو اتباع المشاعر والأهواء.
 
 
مسبقًا ومنعًا للمزايدات الرخيصة لست من دعاة نظرية «شخلل عشان تعدي» أو «أحسن ما نكون زي سوريا والعراق»، التي يروج لها الكثيرون بسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يلقون التهم جزافًا ضد أي وجهة نظر مخالفة لهم، وأكرر الفاتورة التي يدفعها المصريون لتحقيق أقل الخسائر هي الأقل كلفة عن جيرانها.
 
مصر تمر بأزمة اقتصادية قد تكون هي الأعنف في تاريخها الحديث حسبما وصفها أحد الثقات من الاقتصاديين الذين أعرفهم شخصيا، مقابل دول أخرى لم يبقي منها سوى أسماء وتحتاج تريليونات الدولارات كي تعود وطن صالح للحياة، دول مات أبنائها تحت القصف أو في غيابات البحر.
 
 
لا أجمل وجه بمساحيق مؤقتة، لكني أبحث عن حقيقة وسط جبال من وهم الكآبه، ما من دولة دخلتها الفوضى التي ضربت المنطقة إلا وجعلت عاليها سافلها، ولا قرية إلا وجعلوا اعزة أهلها أذلة.
 
 
أزمة مصر ستمر، عامين أو يزيدون وتمر، فلا تصوروها «شدة مستنصرية» لكن بعض من الإنصاف وانتم تنظرون حولكم، بعض من الواقعية بعيدًا عن انتمائتكم السياسية، حسابات الأوطان لا تحتمل المزايدات و منهجية الهجوم والشخصنة، لا تضعوا رهانات خاسرة وتبنوا عليها ناطحات من أوهام لن تتحقق، فلو خسرتم أوطانكم لن يبقى لكم من الحياة من شئ.
 
 
أنا حلمي بس كلمة، أن يظل عندي وطن، لا حروب ولا خراب لا مصايب لا محن، خدو المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن.                       

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق