الروح وأثرها في ترسيخ المشترك الديني بين المسيحية والإسلام

السبت، 08 يوليو 2017 12:30 م
الروح وأثرها في ترسيخ المشترك الديني بين المسيحية والإسلام
بقلم: ا.د/ هدى درويش

انطلاقاً من الحقيقة الكبرى التي أنزلها الله تعالى في رسالاته السماوية وحياً من عنده على أنبيائه ورسله لهداية البشر وعمارة الأرض ونشر السلام في أرجاء العالم، ووتأكيدا على أن الرسالات السماوية ما هي إلا سلسلة واحدة مترابطة حلقاتها تطورت طبقاً لتطور البشرية على الأرض، فإن الديانات بما فيها من فضائل وصفات سامية وقيم أخلاقية ومُثل عليا هي نعمة إلهية أنعم الله بها على خلقه، وهو ما يدعونا إلى التوجه بالبحث في نقاط الالتقاء والمشترك في القيم والفضائل بينها.

وقد قدمت العلاقات المسيحية الإسلامية المتصلة والممتزجة منذ زمن بعيد نموذجاً في التعايش السلمي والحضاري لما تتضمنه من قيم التسامح والمحبة التي سادتها ولا تزال حتى يومنا هذا، فالمسيحية والإسلام يلتقيان في المكونات الروحية التي تصل لأعلى درجات الصفاء والطمأنينة النفسية، وذلك من خلال المفاهيم التي تتضمنها كلتا الديانتين، كما يتوافقان في أن الروح هي من أمر الله، وأنها قوة غامضة لا يعلمها إلا الله، وهي سر الحياة للإنسان، وأنها باقية وخالدة حتى بعد الموت، حيث وردت كلمة الروح في الإنجيل أكثر من ثمانين مرة، وكذلك وردت في القرآن الكريم في ثلاث وعشرين آية .

فحول معنى الروح القدس قال الرازي في تفسيره الكبير: هو جبريل عليه السلام وذلك لمكانته وروحانيته، ولكونه المكلف بإنزال الوحي على الأنبياء، ويقول ابن مسعود: الروح القدس ملك أعظم من السموات والجبال، ويصفه ابن عباس أنه أعظم من الملائكة خلقاً.

ومن معاني الروح في المسيحية أنها بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان، ويشبهها المسيح عليه السلام برداء رائع أروع من كل ما كان يملكه سليمان، وجاء في لوقا: "أنها كائن غير مادي قد يلبس جسداً أو لا "،  وجاء في كورونثوس: الروح القدس هي مصدر حياة الجسد.

ونلحظ من الكتابات المسيحية الإخلاص في توجيه الإنسان وتحفيزه على التعامل الروحي والقلبي مع الله، وتهيئته معنوياً لدخول المعية الإلهية، ومثال على ذلك صلاة القلب التي كتب عنها كل من الأب أولفر بُرْج والأب فاضل سيداروس، فيقولان أن تحقيقها يكون بالجلوس في مكان مغلق، حيث يقوم المصلي بالنظر إلى جسده فيخترقها حتى يصل إلى أحشائه التي هي موضع القلب، وفي هذا الوضع الجسدي يردد المصلي صلاة القلب ترديداً يتجانس وإيقاع تنفسه ليصل إلى درجة القرب الإلهي.

وهناك الصلاة الروحية في المسيحية والتي هى الصلة بين المؤمن وربه، والتي ترفعه إلى الإله بقوة الروح الساكنة في المؤمن، ويقولون إن الروح تشفع في الإنسان بأنات لا يمكنه النطق بها".

وفي الإسلام الصلاة هي حضور قلب المصلي بين يدي الله تعالى، مستحضراً قربه، ساكنا قلبه، مطمئنة نفسه، ساكنة حركاته، متأدِّباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، وهذه هي روح الصلاة، والمقصود منها.

وفي روحانية الصلاة يبين السيد المسيح أن السجود بالروح هو السجود الحقيقي، فكان يركز على أهمية الاندماج والتواصل مع الله في الصلاة، ويعتزل الناس ليصلي ويتعبد في البراري والجبال للتجرد من الأفكار الدنيوية وهموم الدهر، وجاء في إنجيل متى: " إذا صليت، فادخل حجرتك، وأغلق عليك بابها ".

والسجود في الإسلام هو مقام القرب من الله تعالى، قال تعالى : ( واسجد واقترب ) وفي هذا يقول ابن عربي: التقرب منحة السجود، فالساجد كلما سجد مظهرا عبوديته التامة اقترب من الله تعالى، وكلما اقترب ارتفع قدره لقربه.

وختاما فإن المشترك الروحي بين المسيحية والإسلام هو الأساس المتين لتوحد الأهداف والتوجهات نحو خير الإنسانية ونفعها.

 

تعليقات (1)
الترابط الروحى بين المسيحية والاسلام
بواسطة: hoda darwish
بتاريخ: السبت، 08 يوليو 2017 03:01 م

يبين هذا المقال الروابط التى تجمع بين المسيحية والاسلام والتى لا ينبغى إهمالها خاصة فى الظروف التى تمر بنا حاليًا من إذكاء الفتن والعداوات داخل أبناء شعبنا .

اضف تعليق


الأكثر قراءة