حين يصبح العمر بالفعل لحظة

الإثنين، 10 يوليو 2017 12:49 م
حين يصبح العمر بالفعل لحظة
حسين عثمان يكتب:

حين أتوقف عند مثل مشهد استشهاد العقيد أركان حرب أحمد المنسي وزملائه من رجال الجيش المصري، أتخيل نفسي مكان الواحد منهم، قائداً كان أو جندياً مقاتلاً، فلا فرق في لحظة الاستشهاد، لحظة مواجهة الذات قبل العدو، لحظة الاختيار بين ما تردد دائماً أنك مؤمن به، وبين أن تؤكد قولك بفعل في لحظة مصيرية، فيكتبه لك التاريخ حتى وإن لم تفعل في حياتك سواه، أضع نفسي هناك، وسط أجواء معركة شرسة متواصلة، في مواجهة مرتزق جبان، يعادي نفسه أول ما يعادي، فأجدها لحظة إنسانية حرجة بكل المقاييس، حين يصبح العمر بالفعل لحظة، مثلما أرخ ببراعة فارس الرومانسية الراحل يوسف السباعي لمعركة العبور في أكتوبر 73، وحين تكون اللحظة بالفعل حرجة، مثلما جاءت في تشريح الطبيب الأديب الراحل يوسف إدريس في واحدة من أروع مسرحياته "اللحظة الحرجة". 
 
أحمد المنسي وزملاءه، عاشوا مثالاً للإنسانية، لا تطابق أقوالهم إلا أفعالهم، وذهبوا شهداء إنسانيتهم، شهداء ما آمنوا به، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، هؤلاء عاشوا اللحظة الحرجة مرة ومرات، واختاروا وجه الله والوطن في كل مرة دون تردد، حتى  قضوا نحبهم، ليواصل بعدهم من ينتظر من رفاق العهد والوعد، وجميعهم يلقى ربه هناك، ويتركنا هنا في مواجهة لحظتنا نحن الحرجة، لحظة الاختيار بين انتماء وطني حقيقي، يأخذك إلى فعل الدعم، والوقوف بكل قوة خلف الجيش المصري، ومهما كانت قسوة رؤاك وتحفظاتك، وبين طنطنة وهذيان ورحرحة لا تمثل في مجموعها إلا فعل الخيانة، حتى وإن جملت وجهها القبيح لنفسك بحق المعارضة.
حين يضحي أحدهم بحياته، لا يستوقفني إلا جلال الفعل، فلا أملك إلا التقدير والاحترام والدعم، حتى وإن كان معنوياً، وليكن بعدها لكل حادث حديث، ولكل مقام مقال، أرفض فكرة الانشغال بصحة تسجيل صوتي من عدمه، وهذا وذاك لا يؤثر بأي حال من الأحوال على بطولة صاحبه أو من ينسب إليه، لا أستوعب مفهوم الاجتهاد في الاختلاف حول عدد مهاجمينا من جانب العدو الغادر، وإن كانوا قلة أو كثرة لا ينفي جسارة من تصدى لهم من رجال الجيش المصري، من يهتم بكل هذا وغيره بينما لا يجول بخاطره تضحية إنسان بحياته راضياً في لحظة أو فقدان أسرة لعائلها أو أم لسندها؟!.
 
البطولة ملحمة واضحة وضوح الشمس، والوطنية الآن لابد وأن تكون واضحة هي الأخرى وضوح الشمس، وإن كانت خسائر الرجال تدمي القلوب، فلابد وأن توقظ العقول من غفلتها، وتطهر الأرواح من شوائبها، الجيش جيش مصر، جيشي وجيشك، كنا بالأمس هناك، وأبناءنا وأشقاءنا وأقاربنا وأصدقاءنا ومعارفنا اليوم هناك، وغداً يذهب منا من يأتي بعدنا، لا يمر يوم في وحداته، إلا ويعلو صوت الجميع مجدداً القسم بالولاء، الله الوطن الشعب، فقط لا غير، فهو لم يكن يوماً إلا جيش عقيدة، فلتقل خيراً إذاً أو لتصمت صمت الفضيلة، من أجل بلدك وناسك، ناسك ممن صدع مرتزقة الإرهاب حيواتهم، مثلما أزهقت معركة الشرف أرواح ذويهم.              
         
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة