الصين قادمة

السبت، 15 يوليو 2017 02:40 م
الصين قادمة
بقلم مني احمد

في توجه جديد للسياسات الصينية مغاير لنسقها المحافظ الذي تبنته عبر 600 سنة من تاريخها قامت بكين بارساء أول قاعدة عسكرية بحرية خارج أراضيها بمنطقة القرن الإفريقي وتحديدا جيبوتي في تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الصينية التي طالما اعتمدت استراتيجية الشراكة التنموية منهجا لها بعيدا عن التدخل والتوغل السياسي والعسكري خارج القارة الأسيوية اومياهها الإقليمية، فجاء التوجه الصيني مفاجئا ومثيرا للتساؤلات حول حدوده ومواقف القوى الكبرى التي تتقاطع مصالحها الإستراتيجية مع بكين.

استطاعت الصين خلال سنوات قليلة أن تصبح الشريك الذي يلي الولايات المتحدة وفرنسا في القارة الإفريقية بعد أن ضاعفت مساعداتها الاقتصادية لها وعكس الاستثمارالصيني الهائل توجهات السياسة الخارجية الصينية في خلق توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر البحث عن أحلاف لها لتأكيد نفوذها وهو مانجحت فيه من خلال الشراكات التنموية.

لكن ظلت قوتها الناعمة حبيسة المشاريع الاقتصادية والتنموية ووجودها العسكري غير حاضر بقوة مقارنة بدول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة واليابان وألمانيا اللاتي تملك قواعد عسكرية، فكانت جيبوتي لأسباب متعددة بعضها معلن وغيرخفي أن جيبوتي تمنح الصين وصولا سهلا لإفريقيا التي تشهد سباقاً محموماً بين الدول الكبرى للحصول على امتيازات للاستثمار في أسواقها الناشئة ولاستغلال ثرواتها الكبيرة بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي لهذه المنطقة والمعنى بخدمة مصالح الصين في السيطرة على القسم الغربي من المحيط الهندي ليعزز من قدراتها أمام الهند الغريم الأسيوي التقليدي الذي يخشي من أن تصبح هذه المنطقة جزءا آخر من عقد اللألئ الصينية التي تضم تحالفات عسكرية وعتادا يطوق الهند وبنغلادش وميانمار وسريلانكا.

فضلا عن حرص التنين الصيني على تامين وارداته النفطية وحماية تجارته العالمية بمنطقة القرن الإفريقي من أعمال القرصنة.

رغم تأكيد بكين أن قاعدة جيبوتي منشأة لوجستية لاعلاقة لها بسباق التسلح أو التوسع العسكريا، وإنما تأتي  للمساعدة في القيام بمهمات الإمداد والتامين وحفظ السلام والمساعدات الإنسانية في إفريقيا وغرب آسيا.

إلا أن الصين لاتستطيع أن تنفي سعيها من وراء القاعدة الجديدة لامتلاك مبادرات إستراتيجية في الصراع العسكري لتزيد من القوة الصلبة للصين خاصة  في مواجهة الدول الكبرى وفقا للأولويات العسكرية للحزب الشيوعي الصيني ولم يخل اختيار بكين لموقع قاعدتها العسكرية في جيبوتي من ذلك التحدي خاصة بعد توجه الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في شرق وجنوب شرق آسيا والذي اعتبرته الصين تهديدا لها  فكان لابد من تحرك مقابل مثل طاولة الشطرنج نحو الغرب حتى وإن كان رمزيا في هذه المرحلة.

إعلان القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي آثارحفيظة الأوساط الغربية واعتبروه جزء من توجهات طويلة المدى لبكين نحو تحقيق  طموحاتها القومية والعسكرية في العالم ونظرت إليه واشنطن على أنه بداية توتر في العلاقات الأمريكية الصينية لما يمكن أن يثيره الوجود العسكري الصيني في القرن الإفريقي من احتمال تعرض التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في المنطقة للمراقبة الصينية والتجسس في إطار سباق التسليح بينهما مما يضطرها لسحب تلك التقنيات من المنطقة خافضة بذلك من قدرات القوات العاملة هناك لصالح الإعصار الصينى.

التحول الاستراتيجي في السياسة الصينية يدفع بتنافس محموم بين القوى الدولية الكبرى خاصة في إفريقيا الأمر الذي من شأنه أن يجعل المنطقة مسرحا لصراعات نفوذ طويلة الأمد بين الاستراتيجيات والاستراتيجيات المضادة ويطرح سؤال هام هل تصبح إفريقيا الحلبة القادمة  لصراع الجبابرة بعد الشرق الأوسط.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة