من أغنى: قيصر أم أنت؟

السبت، 15 يوليو 2017 05:27 م
من أغنى: قيصر أم أنت؟
معتز بالله عبدالفتاح يكتب:

بعض الأوقات تستدعى النظر من بعيد، وبعض الأزمات تقتضى الخروج خارج الأزمة والنظر إليها برؤية أخرى.. ما هذا الصراع الذى يتوقف على مُتع الحياة لدرجة أن الناس يدمرون الحياة. 
 
الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله، أجاب عن السؤال السابق قائلًا:
لا تصدقنى إذا قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخًا من حياة كسرى.. وإنك أكثر ترفًا من إمبراطور فارس وقيصر الرومان، وفرعون مصر.. ولكنها الحقيقة!
 
إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان.. وأنت عندك عربة خاصة، وتستطيع أن تركب قطارًا، وتحجز مقعدًا فى طائرة! وإمبراطور فارس كان يضىء قصره بالشموع وقناديل الزيت.. وأنت تضىء بيتك بالكهرباء!
 
وقيصر الرومان كان يشرب من السقّا.. ويُحمل إليه الماء فى القِربة، وأنت تشرب مياهًا مرشحة من حنفيات، ويجرى إليك الماء فى أنابيب! والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز.
 
وأنت عندك تليفزيون يُسليك بمليون أراجوز، ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسى.. وأنت تحت بيتك مطعم فرنسى، ومطعم صينى، ومطعم ألمانى، ومطعم يابانى، ومحل محشى، ومحل كشرى، ومسمط، ومصنع مخللات، ومعلبات، ومربات، وحلويات!
 
ومراوح ريش النعام التى كان يُروّح بها العبيد على وجه الخليفة فى قيظ الصيف ولهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحوّل بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائى!! أنت إمبراطور، وكل هؤلاء الأباطرة جرابيع وهلافيت بالنسبة لك.
 
ولكن يبدو أننا أباطرة غَلَبَ علينا الطّمع.. ولهذا فنحن تعساء رغم النِّعم التى نمرح فيها، فمن عنده سيارة لا يستمتع بها، وإنما ينظر فى حسد لمن عنده سيارتان، ومَن عنده سيارتان يبكى على حاله، لأن جاره يمتلك بيتًا.. ومَن عنده بيت يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن فلانًا لديه عقارات.. ومَن عنده زوجة جميلة يتركها، وينظر إلى زوجة جاره.. وفى النهاية يسرق بعضنا بعضًا، ويقتل بعضنا بعضًا، حقدًا وحسدًا، ثم نلقى بقنبلة ذرية على كل هذا الرَّخاء.. ونشعل النابالم فى بيوتنا.. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.
 
ويُحطم الطلبة الجامعات.. ويُحطم العمال المصانع.. والحقد - وليس العدالة - هو الدافع الحقيقى وراء كل الحروب، ومهما تحقق الرَّخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضًا، لأن كل واحد لا ينظر إلى ما فى يده، وإنما إلى ما فى يد غيره، ولن يتساوى الناس أبدًا، فإذا ارتفع راتبك ضعفين، فسوف تنظر إلى مَن ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، وسوف تثور وتحتج، لقد أصبحنا أباطرة.. تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة.. ارتقى الإنسان فى معيشته.. وتخلّف فى محبته.. أنت إمبراطور.. هذا صحيح.. ولكنك أتعس إمبراطور، إلا من رحمه الله بالرضا، وعزّ مَن قال: «وقليل من عبادى الشكور».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق