وزارة السعادة... ضرورة يفرضها ظرفا الزمان والمكان وواقع الحال

الثلاثاء، 18 يوليو 2017 01:46 ص
وزارة السعادة... ضرورة يفرضها ظرفا الزمان والمكان وواقع الحال
د.أحمد عبدالصبور الدلجاوي يكتب

أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة في 8 فبراير 2016م وزارة السعادة، ويسمى الوزير وزير دولة للسعادة مهمته الأساسية مواءمة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع، وتم تكليف "عهود الرومي" لتولي منصب أول وزير سعادة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك لما تتمتع به من خبرات واسعة في مجالات الاقتصاد، والتطوير الحكومي، والإدارة، والمجالات السياسية، والاستراتيجية، والابتكار الحكومي، وقيادة المبادرات والمشاريع الحكومية والاستراتيجية.
 
وتعد مملكة "بوتان" Kingdom of Bhutan التي تقع في جنوب آسيا عند الطرف الشرقي لجبال الهيمالايا، والمعروفة ببلاد التنين والرعد، هي أول دولة في العالم تستحدث وزارة للسعادة، حتى أصبحت تُعرف بالدولة التي لا يعرف شعبها الحزن، وذلك بسبب سياستها الحكومية التي تعتمد على قياس مكونات السعادة القومية من خلال مستوى الصحة، والتعليم، وحيوية المجتمع، والمحميات الطبيعية.
 
كما تعد مملكة "بوتان" أول دولة في العالم تعتمد مؤشر السعادة الوطنية لقياس الناتج القومي الإجمالي، وكان أول من صاغ  مصطلح "السعادة القومية الإجمالية" هو الملك الرابع لمملكة "بوتان"  Jigme Singye Wangchuck في عام 1971م، وهو الذي شدد على أن السعادة القومية الإجمالية أهم بكثير من الناتج المحلي الإجمالي، بمعنى أن قياس التنمية المستدامة يجب ألا يقتصر فقط على المؤشرات الاقتصادية للرفاهية كمقياس للتقدم، ومنذ ذلك الحين أضحى مفهوم السعادة القومية الإجمالية مكونا أساسيا في سياسات "بوتان" الاقتصادية والاجتماعية.
 
ولا يخفى على أحد الأهمية القصوى للسعادة في حياة كل شخص، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن السعادة لها تأثير إيجابي على الصحة الجسدية ذلك أنّها تُحسّن الحالة المزاجية للإنسان وتمنحه طاقة إيجابية كبيرة قادرة على التخلص من التوتر والقلق والاكتئاب، وقد أكدّت الدراسات أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر قدرة على العمل بشكل ابداعي، وكل ذلك ينعكس بشكل إيجابي على إنتاج الفرد في العمل والسعادة تجعل الإنسان أكثر تسامحا كما تجعله مامون الجانب لدى من يتعاملون معه.
 
والناظر المتامل في الحقبة الزمنية التي تعيشها مصر في السنوات الأخيرة، وواقع حال المصريين خلال هذه الفترة سيجد أن مصر والمصريين بحاجة ماسة لاستحداث وزارة للسعادة تعمل على تضمين آليات تحقيق السعادة في مضمون السياسات والاستراتيجيات الحكومية، وأن يكون لها ممثل في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، وبعد نجاح التجربة يتم إلزام مؤسسات القطاع الخاص بذات النهج.
 
ومطلوب من هذه الوزارة أن تعمل هذه الوزارة على بث المزيد من الطاقة الإيجابية في نفوس المصريين، من خلال التركيز على الإيجابيات، ونشر روح التفاؤل بين المواطنين، والبحث عن طرق غير تقليدية لمواجهة التحديات الراهنة دون التخلي عن ثقافة السعادة حتى في وقت التعامل مع تلك التحديات، فالجهود المبذولة خلال المرحلة الراهنة لإنجاز عدة مراحل من برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في مصر خلال فترة وجيزة تحتاج إلى تسويق جيد يبعث التفاؤل في نفوس المصريين، وتمدهم بالطاقة التي تمكنهم من تحمل تبعة هذا الإصلاح التي تمثلت في ارتفاع الأسعار، وتكالب قوى الشر على مصر لينالوا من أمنها واستقرارها، ووحدة نسيجها الوطني الذي يمثل أهم مظاهر الوحدة الوطنية المصرية.
 
ومن المتوقع أن تقابل فكرة استحداث وزراة للسعادة في الحكومة المصرية بمعارضة شديدة لمبررات تتعلق بالظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية في مصر، أو بالقول إن الشعب المصري ساخر بطبعه، ويحب المرح والنكته، والتي يرسلها في أحرج المواقف لينفس عما بداخله حماية لها من اليأس، أو أن الشعب المصري شعب مؤمن بطبعه، وأن هذا الإيمان يساعده على تخطي أصعب الأزمات.. إلخ هذه المبررات.
 
ومن وجهة نظري فإن كل المبررات التي قد تقال لتبرير معارضة استحداث وزارة للسعادة في مصر مردود عليها بأن هناك علاقة طردية بين السعادة القومية الإجمالية والناتج المحلي الإجمالي، فكلما زادت السعادة يزيد الإنتاج، كما أن للسعادة مرتكزات سياسية ونفسية واجتماعية وثقافية وإيمانية وبيئية وتعليمية، وأغلب هذه المرتكزات متوفرة في المجتمع المصري، وبالتالي ستكون سببا من أسباب نجاح هذه الوزارة.
 
وستعكس وزارة السعادة في مصر اهتمام الحكومة بالإنسان الذي هو محور نشاطها، لأنها ستهتم بسعادته من خلال العمل الممنهج وفق برامج واستراتيجيات محددة لتشبع حاجاته وتعالج مشاكله لتمنحه قوة نفسية، ولتفجر طاقاته الإبداعية.
 
وحتى تكون وزارة السعادة بعيدة عن الشعارات، وحتى لا تكون مجرد مسمى بلا مضمون حقيقي، فإنه يجب التعامل مع هذه الوزارة بطريقة مختلفة، بداية من اختيار الأفراد الذين سينتسبون إليها، ومرورا بطريقة عملها، وانتهاء بإسلوب تعاملها مع الأفراد، وأن تتاح الفرصة للشباب والنساء، خاصة من تتوافر فيهم المؤهلات والميزات التي تمكنهم من إسعاد المصريين، لأن فاقد الشيء لايعطيه.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة