العلاقات الأوروبية–الأمريكيّة والنديّة المرتقبة (2)

الجمعة، 21 يوليو 2017 11:40 ص
العلاقات الأوروبية–الأمريكيّة والنديّة المرتقبة  (2)
حاتم العبد

سبعة وعشرون ساعة فقط أمضاها الرئيس الأمريكي ترامب في فرنسا لتلبية دعوة نظيره الفرنسي، فارس الديمقراطية الرئيس الشاب ماكرون، لحضور الاحتفالات والعرض العسكري يوم الجمعة الماضي الموافق ١٤ يوليو، بعدها عاد أدراجه إلى بلاده ؛ ويعرف يوم ١٤ يوليو بيوم الباستيل، إذ يعدّ الشرارة الأولى لاندلاع الثورة الفرنسيّة. في ١٤ يوليو ١٧٨٩ اُقتحم سجن الباستيل بباريس، ورغم كون السجن لم يحتو في ذاك اليوم سوى على سبعة معتقلين، إلّا أن له من الدلالة الكثير والكثير، فهو رمزًا لسقوط الظلم والطغيان، ومهّد لإعلان حقوق الإنسان، باختصار أضحى ١٤ يوليو رمزًا للثورة الفرنسية.
 
 
أوضحنا في المقال السابق، أن ماكرون يتعامل ليس بكونه رئيس فرنسا فحسب بل كونه قائدًا للاتحاد الاوروبي، وزعيمًا للقارة العجوز أيضًا ؛ وهو ما يعزّز مكانته، ويعطي لسياسته بُعدًا أكثر قوة. لم يكن استحداث وضع خاص لأوروبا في الحكومة الماكرونيّة، رفاهية سياسيّة، أو محض صدفة، ولا مجرد لعب بالألفاظ لكسب أرضيّة سياسيّة، أو البحث عن سبق مزعوم، في بلد كل شيء فيها بحساب ؛ حتى ظننا أن الفرنسيين يحصون أنفاسهم نفسها. استحداث وزارة للشؤون الأوربيّة وإلحاقها بوزارة الخارجيّة، إعلان صريح ؛ وإرادة حاسمة ؛ ورغبة قاطعة في تزعّم أوروبا وتسنّم سياستها. وعلينا أن نفهم دعوة ماكرون الأوروبي لنظيره الأمريكي ترامب في هذا السياق ؛ إذ لو كان ترامب زعيمًا للقارة الأمريكية فماكرون زعيمًا للقارة الأوربيّة.
 
تستوقفنا دلالات تلك الدعوة، وتجبرنا على الإبحار في مغزاها والهدف من توقيتها بالنسبة لا نقول للجانب الفرنسي بل للجانب الأوروبي ؛ وفِي نفس الوقت قبولها من قبل ترامب.  ولنبتدأ بالجانب الفرنسي الأوروبي، إذ صرح قصر الإليزيه بعد توجيه الدعوة لترامب بأن دعوة ماكرون لنظيره ترامب إنما جاءت لكسر عزلته الدوليّة ؛ وواقع الأمر وحقيقته أن هذا التصريح فيه من حجم السخرية والامتعاض لسياسة ترامب أكثر ما فيه شرفًا وفخرًا لترامب.
 
ففرنسا الزعيمة الأوروبيّة جزمت بأن ترامب بسبب غوغائيّة سياساته أضحى منعزلًا ؛ وأنها تتعامل معه من هذا المنطلق، وأنها وبخلق الفرسان، ونبل الشرفاء تسعى حثيثًا لمساعدة لاعب دولي للنهوض من كبوته. وهنا نجحت فرنسا وبحق في الظهور بمظهر القائد الأوروبي، المبادر بمد يد العون للآخرين، وهذا يعني أننا في هذا المشهد تخطيّنا مرحلة النديّة لمرحلة الفوقيّة، إذ إن المشهد يقرأ بأنّ الأخ الأكبر يعطي درسًا لأخيه المراهق. وفِي ذلك تطورًا هامًّا، فلم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تدنّي في مستوى مسؤوليها إلى هذه الدرجة، ومن ناحية أخرى لم نشهد لفرنسا سياسة فاعلة قويّة تُشهر سيف النديّة منذ سنوات، فالمشهد بأكمله يستحق من التأمّل والتدبّر. 
 
كثيرًا ما استوقفني موضوع استقبال المسؤولين العرب لنظرائهم ولرسل نظرائهم في المطار، الأمر الذي لا نجد له تطبيقًا ولا حتى في الأحلام في الديمقراطيات الغربية ؛ والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة : أمسلك المسؤولين العرب نوع من كرم الضيافة وحرارة الاستقبال التي عهد بها أسلافهم ؟ وهل الأمر نديّة في الغرب، أم استخفاف بمراسم إعلاميّة لا طائل منها ؟ منبع السؤال هو أن ماكرون البالغ من العمر ٣٩ عامًا وقف منتظرًا نظيره الأمريكي البالغ من العمر ٧١ عامًا في مكان الاحتفالات، ولم يذهب لاستقباله في المطار ! ولم يُقم وزنًا لا إلى ترامي حدود بلاده، ولا إلى فارق السن بينهما، إذًا لا تفسير غير النديّة. 
 
فصول جديدة، مشاهد مستحدثة، على المسرح السياسي الدولي بين الماكرونيّة الفرنسيّة والتي أضحت وبحق في غضون أسابيع الماكرونيّة الأوروبيّة من جانب ؛ وبين الترامبيّة الأمريكيّة من جانب أخر. سنرقب بشغف جولات المبارزة القادمة بين القوتين العظميين في العالم ؛ وسنحلّل مسلكهما وسنحصي نقاط كل فريق.
 
نختتم المقال باللفتة الانسانية، والرقي السياسي فارس الديمقراطية الرئيس الشاب ماكرون، وهي دعوته لأهالي ضحايا العمليات الإرهابيّة، ليس فقط الفرنسيين بل والأجانب أيضًا، ومنحهم جزءًا من وقته، وقسطًا من اهتمامه، ليس هذا فحسب، بل ذهب ليلًا إلى مدينة نيس، حيث ضحايا الحادث الإرهابي هناك ؛ أي أنه جسّد ولأول مرة رمزيّة ومبادئ ١٤ يوليو. 
 
هل آن الأوان لنا نحن العرب في أن ننحو منحى مماثل لهؤلاء ؟ هل حان الوقت للحفاوة بالاتحاد العربي ؟ هل حان الوقت لتزعّم مصر من جديد للوطن العربي ؟ هل من أمل أن نحوّل مسمّى وزارة الخارجيّة إلى وزارة الشؤون العربية والخارجيّة ؟ نأمل...

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق