عبد الرحمن.. الباحث عن الفردوس الأعلى تحت أجساد الكاسيات العاريات!
الثلاثاء، 25 يوليو 2017 09:00 ص
الكاسيات العاريات
السعيد حامد
قال وهو يفترش الأرض بجوار والده: «أبى سأذهب إلى الغردقة لعلى أجد عملا». رفع والده -المزارع البسيط- عينيه إليه وفتح فمه وهم بالرد عليه مومئا برأسه ومتمتما بكلمات لم يسمعها ابنه، لكن الابن عاجله بقوله: «أبى أريد أن أتزوج.. سئمت من السباكة والفلاحة».. لم يجد والده حينها مفرا سوى الموافقة على طلب ابنه عبدالرحمن، متمنيا له أن يجد ضالته ومبتغاه فى سفره البعيد، راجيا إياه أن يتحلى بالصبر والعزيمة.
عاد عبدالرحمن، خريج كلية التجارة جامعة الأزهر، بصحبة والده إلى منزلهما البسيط بقرية «المنشأة الكبرى» التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ ليجد أمه قد أعدت لهما الطعام، فراحا ينظران إلى بعضهما البعض، كل منهما ينتظر الآخر أن يبدأ الحديث، ليخبرا تلك السيدة أن ابنها قرر السفر إلى مدينة الغردقة بحثا عن الرزق وهربا من العمل الشاق بالأرض الزراعية، علها تبارك تلك الخطوة.
قطع الأب «شعبان أبوقورة» الصمت الذى عم أرجاء المكان، لأول مرة، حين طلب من زوجته أن تأتيه بالماء، قبل أن ينظر إلى ابنه ويقول: «سأخبرها يا عبدالرحمن أنك قررت الرحيل، لكن قبل أن أخبرها؛ فلتعدنى أنك ستكون بخير ولن تفعل شيئا يغضب الله».. ليهز عبدالرحمن رأسه فى جدية وتحد: «بالتأكيد يا أبى لن أفعل ما يغضب الله».
أنهى عبد الرحمن طعامه وذهب إلى غرفته ليعد ملابسه وراودته الأفكار عن المدينة الساحرة، وشواطئ العراة والبارات التى لطالما سمع عنها دون أن يراها، قبل أن يرتجف وتتجمد أطرافه وتسير القشعريرة فى جسده، وينظر فى المرآة محدثا نفسه: «كيف نسمح لهؤلاء السياح الكفرة أن يفعلوا تلك المنكرات فى بلادنا الإسلامية؟ لماذا لا يوقف أحد تلك الفواحش.. والله لأغير هذا المنكر بيدى».
وفى صباح يوم خميس ودع عبدالرحمن والديه، مؤكدا لهما أنه سيخبرهما حين يصل إلى هدفه، تاركا وراء ظهره أرضه وأحلامه القديمة، وعقله مشغول بما ينتظره من أجساد ممشوقة عارية على الشواطئ، متحاشيا النظر إلى عين والدته حتى لا تسأله عن تلك الحيرة التى فى عينيه، وحتى لا تشعر بتلك الرجفة التى تنتابه وتؤرق مضجعه منذ أن عزم على الرحيل إلى بلاد الفرنجة -كما كان يحب أن يطلق عليها.
استقل عبد الرحمن أول سيارة متجهة إلى مدينة القاهرة الصاخبة المزدحمة، وظل عبدالرحمن طوال الطريق، فى معزل عن الركاب، لا يتكلم، وصورة البطل الذى يدافع عن الإسلام وينهى عن المنكر لا تفارقه أبدا، متخيلا نفسه وهو يخطب فى الناس وينهاهم عن المنكر ويدعوهم إلى العودة للإسلام الصحيح الذى يعتقده ويؤمن به ويصدقه، إلا أن الأفكار الأخرى التى اقتحمت عيله عقله أزعجته وجعلته يتحدث للمرة الأولى ويسأل من بجواره: أين نحن؟.. ليرد الأخير: أوشكنا على الوصول إلى موقف عبود.
عندما أتت محطة النزول، تأهب عبد الرحمن للنزول، لكنه شعر بذلك الصوت العميق والملح الذى اقتحم عليه اجتماعه وخطبته فى الناس، حاول أن يتحاشاه وينهره عله يذهب بعيدا، لكن الصوت كان مصرا ولحوحا لدرجة جعلته- أى عبد الرحمن- يستسلم وأن ينصت لما يقوله الصوت: ولمَ لا تتعرف على أجنبية وتذهب معها إلى الغرب وحينها ستتمكن من مساعدة والديك وبناء منزلك وشراء سيارة؟
نزل عبدالرحمن من السيارة حاملا معه أفكاره المتشددة والكارهة الحاقدة على المجتمع الذى يراه غارقا فى الشهوات والملذات.. يتذكر وجه والدته الجميل والبرىء، يتذكر الفتاة التى أحبها لكنه لم يستطع أن يتزوجها، يتذكر نسمات الهواء وسماء قريته الصافية، يتذكر والده ذلك الرجل العجوز الذى تشققت يداه فى سبيل رعايته، لكنه سرعان ما عاد إلى قراءة القرآن قبل أن يغلبه النعاس.
فى أحلامه يرى عبدالرحمن نفسه واقفا بين الصحابة الأجلاء يستمع وينصت لحديثهم، يرى نفسه وهو يصلى ويتعبد لله.. يرى نفسه وهو يحارب مع خالد بن الوليد سيف الله المسلول.. لكن ظلت المطبات الصناعية تأبى أن يستكمل أحلامه وأمانيه.
حين وصل عبد الرحمن للغردقة أخرج هاتفه وتفحص سجل المكالمات وأخرج رقم والده، وبصوت خافت رقيق أخبر والده أنه وصل لتوه وأنه بخير وسيبحث عن عمل فى عدد من الأماكن، ثم يعاود الاتصال به مجددا.
فكر عبدالرحمن كثيرا وهو يجلس على أحد المقاهى يتناول كوبا من الشاى، ماذا يفعل الآن؟ ولماذا حضر من القاهرة؟ ومن أى نقطة يبدأ؟ لتتجلى وتختمر الفكرة فى ذهنه: سأكون حديث الصحافة اليوم.. سيتحدثون عن بطولاتى ودفاعى عن الإسلام وشرع الله.. أمى ستكون فخورة بى.. سأتقرب إلى الله بدماء هؤلاء الكفار.. ظلت الأفكار والأحاديث تعصف به حتى قرر أن ينهى هذا الجدل ويذهب لشراء سكين ليقيم بها ما يعتقد أنه شرع الله.
وقع صوت أذان الجمعة الذى انطلق من المساجد المترامية فى مدينة الغردقة، على مسامع عبدالرحمن فأذهله وسأل نفسه: ما هذه الأصوات ومن أين تنطلق؟ كل هذه المساجد؟ أين أنا؟.. بدأت الشكوك تساوره وتحيط به.. حتى عندما قرر الذهاب لأداء الصلاة.. أدهشته أعداد المصلين وخشوعهم.. وظل يدعى فى صلاته أن يتقبل الله عمله الصالح وأن يغفر له ذنوبه ويتجاوز عن سيئاته وأن يوفقه فيما سيفعل بعد قليل.
اختار عبدالرحمن أحد الشواطئ التى يرتادها المصريون ذهب إلى بوابة الشاطئ وطلب تذكرة للدخول، وبين طياته يسكن شيطان الأنس حاملا سكين التضحية والقربان.. تسلل لشاطئ أحد الفنادق السياحية عبر السباحة حتى وصل إلى مبتغاه فأخرج من بين طياته السكين وانهال على السائحات الكاسيات العاريات.. والفرح ينتابه حين يصيب واحدة تلو الأخرى.
أنهى عبد الرحمن ما جاهد من أجله حتى أنهكته مطاردة أمن الفندق له واستسلم لمثواه الأخير، أدار عينيه يمنيا ويسارا فلم يجد الحوريات ولا أنهار الخمر واللبن، حينها أصابه الذعر.. فبينما كان ينتظر الفردوس الأعلى ستكون خاتمته فى زنزانة صغيرة.. ليتذكر وصية والده قبل يومين: فلتعدنى أنك ستكون بخير ولن تفعل شيئا يغضب الله.