ثم خلق الله «خان» ليكشف خيانة من خان

الأربعاء، 26 يوليو 2017 08:53 م
ثم خلق الله «خان» ليكشف خيانة من خان
عبد العزيز السعدنى يكتب:

«كيف لشاب أن يترك الهندسة ويلهث وراء الفن؟».. هكذا رأوه؛ شابًا أهوج يسعى وراء أحلامٍ لن تتحقق، فأثبت العكسَ وتربع على عرش السينما الواقعية، بعد أستاذه صلاح أبو سيف.
 
«كيف لرجل يحمل الجنسية البريطانية أن يظل صامدًا منذ أواخر الملكية مرورًا بـ 4 رؤساء- مرسي لا يصلح أن يكون رقمًا- للجمهورية، منتظرًا الجنسية حتى عهد الرئيس الخامس، السيسي؟».. سؤال ثانٍ طرحه الجميع، وتبعته أسئلة كثيرة عن الماهية والكيفية والسبب وكل ذلك دون كلل..
 
ليس هناك أي إجابة أرضت شغفهم.. ولم يهدأ فضولهم مرددين «ما سر جاذبية الجنسية المصرية لرجل يملك كل شيء؟».
 
في الذكرى الأولى لوفاة المخرج محمد خان، أحد نجوم السينما الواقعية.. التناول سيكون مختلفًا؛ بدلا من الخوض في صندوق الذكريات الخشبي، حاولنا أن نسير على نهج عقلية «خان» ومبادئه وقناعاته بتناول أقرب للواقعية كما يُفضل.
 
«ماذا لو منح الله لـ(خان) إذنا ساعتين للخروج من قبره يجمع فيها النشطاء- الذين باعوا الوطن عن عمد نظير أموال لا تساوي شيئًا في وطن ليس له ثمن- في ورشة عمل «سر جاذبية الجنسية المصرية؟».
 
يخرج «خان» من بوابة القبر الحديدية على ركبتيه، يقف وينفض عنه غبار 365 يومًا، مغمض العينين من الضوء.. لم ينس يومًا ما حققه طيلة عمره الـ 71، يتجه ليشكر ربه بركعتين في المسجد الذي خرجت منه جنازته، «الكويتي» في منطقة زهراء المعادي.
 
يُنهي صلاته مُسرعًا.. ترى في وقفته منتظرًا التاكسي، شموخ الراحل أحمد زكي في فيلم «زوجة رجل مهم» عندما كان في الخدمة.. يرفع يده ليقف السائق؛ فيرفض أن ينحني ليتحدث له وجهًا لوجه ويردد  «تروح السكاكيني يا أسطى».. فيرد بنفس طريقة «خان» ويبدأ في الضغط على العداد لبداية المشوار دون أن ينظر له.. يجلس خان بجوار السائق صامتًا ومشغولاً بتملق كل شيء محاولا أن يستمتع بكل دقيقة، حتى يصل السكاكيني، وتحديدًا «قهوة عطالله».
 
تستقبل القهوة «خان» بصوت من أبعد «رُكن» فيها: «مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي.. ياليت كل مؤمن بعزها يحبها حبي لها.. بني الحمى والوطن من منكم يحبها مثلي أنا.. نحبها من روحنا ونفتديها بالعزيز الأكرم.. من عمرنا وجهدنا».. فترسم وجهه ابتسامة بدموع؛ ابتسامة لهفةً لسماع «الست أم كلثوم» مجددًا كعشق «كمال» أو فريد شوقي للطعام في فيلم «خرج ولم يعد»، ودموع عشقًا لمصر وحُرقة على من باعوها.

«الحريف» في انتظار المباراة.. يجلس خان في انتظار «نُشطاء السبوبة» وسَحَرَتْهِمْ.. تأتي إسراء عبد الفتاح، يليها وائل عباس، ثم سناء سيف، ثم كبار المنافقين محمد البرادعي وعمرو حمزاوي وأيمن نور وسليم عزوز ومعتز مطر ومحمد ناصر وهشام عبد الله، وغيرهم... فيطلب «خان» من «القهوجي» كراسي إضافية.
 
حاولوا- النشطاء وسحرتهم- الاتفاق على خان كما اتفق عبد الله محمود وعبد الله فرغلي في «الحريف» على إظهار عادل إمام بموقف العاجز، وطرحوا في نفس واحد سؤال «كيف ستقنعنا في ساعة ونصف الساعة بإعادة النظر في حبنا لمصر؟.. غيرك لم يعرف في سنوات».
 
سمع «الحريف» السؤال، وتحسس الكرة بقدمه، وبدأ.. ضحك بصوت عالٍ حتى دمعت عيناه، ولم يستطع أحد أن يوقفها سوى «الكُحة»، وقال بكل ثقة: «ليس مطالبًا مني أن أقنع نكرات مثلكم.. إذا قابلتموني وأنا على قيد الحياة كنت سأراكم سرابًا ليس أكثر.. أنتم هنا لا تسألون.. (خان) أكبر بكثير من تقييمكم لشخصه».
 
سجل خان الهدف الأول، فسألوه في دهشة: «من أين أتيت بكل هذه الثقة؟».. فأجاب: «ماذا تنتظرون من شخص قرأ إعلانًا للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، أبو الواقعية، اشترط فيه لإنتاج فيلم أن يقدم المخرج قصته في صفحة ونصف الصفحة فقط، فتحداه أن يقدمها في 15 سطرًا فقط وكانت لفيلم (ضربة شمس) وانبهر بها أستاذي».
 
وعزز موقفه بالهدف الثاني، لم يهدأوا وقالوا «رجل والده باكستاني.. ووالدته إيطالية الأصل جاء ليعلمنا الوطنية وسحر الجنسية المصرية.. كيف؟».
 
«الحريف» يكثف دفاعاته أمام مرماه.. فأخفى الضحكة وأظهر وجه المخرج العصبي من إعادة مشهد سينمائي للمرة العاشرة، مع تغيير نبرة صوته «أنا والدي رباني إن مصر بلدي مش مجرد ضيف.. أنا عمري ما كنت خواجة، كنت في مدرسة حكومية، واتربيت في شوارع حي السكاكيني، وقعدت على قهاويها وكل صحابي منها، وحضرت كل لحظة حلوة فيها وكل وجع فيها وضحكت وبكيت ورغم إن الجنسية جت متأخرة إلا إن فرحتي كانت زي العيل الصغير.. أخيرًا هاروح المطار وأطلع الباسبور المصري.. فيه هنا شوية عيال فاقدين فعلا لمعنى كلمة مصر.. أنتوا أقل بكتير من إني أحاول أقنعكم».

دقائق قبل نهاية المباراة.. والجمهور ينتظر الصافرة.. ساد الصمت وكثرت النظرات الخاطفة، والتفت رواد القهوة بعد ارتفاع نبرة صوت «خان» في الجُملة الأخيرة، وتحولت الجلسة لأشبه بحلقات الشعر في الخمسينيات، وارتفعت الهمسات في القهوة ليفصلها خان بوقوفه مرة واحدة في غضب لدرجة اهتزاز جميع المشاريب على «الترابيزة» كشباك الفريق المهزوم.. ويترك الجميع خارجًا من القهوة. 
 
يقف «الحريف» على باب القهوة.. ويلتفت برأسه داخلها ناظرًا لهم جميعًا كنظرة الجلاد لضحيته، ولنكن أكثر دقة نظرة السيد للعبد الذي ارتضى حاله، وقال: «لو ما كنتش خايف من حساب ربنا بعد ما أرجع.. كنت جريت وراكم بالمسدس زي ما جريت أنا وأحمد زكي ورا بعض لما كنا بنصور فيلم أيام السادات.. أنتوا فعلا خسارة فيكم الجنسية المصرية.. أنتوا خسارة فيكم ريحة مصر.. أنتوا خسارة تتدفنوا في ترابها».
 
تتعالى الأصوات من قبل رواد القهوة احتفالا بـ«خان».. مثلما فعلت الجماهير في فيلم «الحريف» مع عادل إمام، عندما اقتنص الفوز لفريقه قبل اعتزاله كرة القدم.
 
في ذكرى وفاة «خان» الأولى.. شكرًا لمن صبر وأحب مع سبق الإصرار والترصد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق