التحدي الحقيقي للجماهيرية الممزقة

الأحد، 30 يوليو 2017 01:50 م
التحدي الحقيقي للجماهيرية الممزقة
مني احمد تكتب:

المشهد الثلاثي الذي جمع أبرز فرقاء الأزمة الليبية في باريس رئيس حكومة الوفاق  فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا برعاية الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لحلحلة الأزمة الليبية مشهد غلب عليه الوفاق وحمل طابع تفاؤلي لكن التصريحات التي أعقبته عكست حجم التعقيدات المركبة المحيطة بالمصالحة الوطنية وألقى بظلاله على اتفاق المبادئ العشرة التي اتفق عليها طرفي الأزمة الأقوى وجعل فرص نجاحها تتضاءل وتنتظر مصيرا مشابها لجولات الحوار السياسي التي سابقتها ولم تتوصل لحل ينهي الصراعات المتفجرة داخل حلبة الصراع الليبي  بعد أن غابت عنه الرؤية الواقعية وغاب عنه أطرافا رئيسية في المعادلة.

اتفاق النقاط العشر الذي وقعه السراج ممثل الشرعية السياسية وحفتر ممثل  الشرعية العسكرية افتقد  التفاصيل وآلية التنفيذ على أرض الواقع والأهم من ذلك أنه تم القفز فيه على حقائق الميادين الليبية وباقي الأطراف الفاعلة في الأزمة داخليا وخارجيا مما يضع الاتفاق كله في مهب الريح، فالرجلين ليس الفاعلين الوحيدين في المشهد الليبي فهذا الاتفاق تجاهل دور القبائل والعشائر والميليشيات ذات التأثير القوى في الجماهيرية السابقة الممزقة بين صراعات الفصائل المسلحة المتناحرة في البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 مدعومة بدول خارجية إقليمية ودولية.

أهم ماورد في اتفاق المبادئ العشر، السراج حفتر نزع سلاح جميع الأطراف ووقف إطلاق النار التي استثني منها عمليات مكافحة الإرهاب وإجراء انتخابات في ربيع 2018.

لكن هل يملك الطرفان السراج وحفتر سيطرة على كامل المشهد أمنيا وسياسيا الواقع يقول إن السراج الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي فشل  في بسط سلطاته على كامل البلاد  بعد أكثر من عام لانتقال حكومتة إلى طرابلس ولا يمتلك أي قوة ميدانية داخل طرابلس باستثناء بعض الكتائب التي تنظر لحفتر على أنه أمير الحرب وعلى الجانب الآخر يقف حفتر الذي يحظى بدعم برلمان طبرق المنتخب ودول الجوار الليبي ونجح بتحقيق مكاسب عسكرية بفضل المكاسب التي حققتها قواته على الفصائل إلاسلامية.

وغيرت ميزان القوى لصالحه وحتى تحدث تسوية سياسية لابد للسراج والغرب من تقديم التنازلات لحفتر صاحب القوى العسكرية المتزايدة وغير المعترِف بشرعية حكومة السراج التي ينظر إليها على إنها جماعة إرهابية حد وصفه إذنا فنحن أمام مشهد مركب لا يأمن كل طرف جانب الآخر.  

ويبقى الداخل الليبي بمكوناته المتنافرة هو من يحدد فرص نجاح مسارات المصالحة فقد باءت محاولات سابقة لإجراء مصالحات بالفشل بسبب الانقسامات في صفوف كل التحالفات الفضافضة التي تنبثق منها كتائب متناحرة يدور في رحاها صراعات محمومة لفرض نفوذ واقتناص مكتسبات  بين أطراف تدين بالولاء لمدن ومناطق أو قبائل أكثر من فكرة الدولة الليبية والأدوار تنافسية تتضاءل بجانبها فرص نجاح أي اتفاق فلا اتصور أن تضع أي جماعات مسلحة ذات هدف حقيقي أسلحتها وفق اتفاق لم تحظى فيه بمكاسب سياسية تطمح لها على الأرض وتذهب إدراج الرياح هذا بالنسبة للكتائب.

لكن ماذا عن مجلس الدولة ومجلس النواب هل يقبلا بإجراء انتخابات تنهي وجودهم الشرعي باعتبارهم أطرافا أصيلة في المشهد الليبي بمقتضي اتفاق الصخيرات.

ولم يتبقى في هذا المشهد سوى انفراد باريس برعاية اتفاق مصالحة الفرقاء للبيين والذي جاء لا يخلو من رغبة قديمة لاعادة  إحياء نفوذها كشريك أصيل ولاعب أساسي في منطقة شمال إفريقيا ومبلورا سعيا حثيثا لإدارة ماكرون لاحتكار الملف الليبي بعيدا عن باقي اللاعبين الأساسين الذين يتسابقون لحجز مقاعد المقدمة  لتأمين دورهم في مرحلة تقسيم الكعكة للسيطرة على الحقول النفطية والغازية وصفقات الإعمار والأهم من المكاسب الاقتصادية المكاسب السياسية  المتمثلة في إعادة رسم خريطة جديدة  للشمال العربي الإفريقي، هو الأمر والذي اعتبرته دول كثيرة  شركاء في مساعي الحل تجاهلا لهم وقفزا على أدوارهم.

وما بين السراج وحفتر واختلاف الرؤي والتناول والأيدلوجيات والأهداف يبقى اتفاق باريس إعلان حسن نوايا في إطار أمنيات خلخلة الأزمة الليبية ما لم تتحقق المعجزة بالتوصل لحل شامل وهو التحدي الحقيقي للجماهيرية السابقة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق