أم جاحظية

الأحد، 06 أغسطس 2017 09:00 ص
أم جاحظية
صورة أرشيفية
د. نجاح أحمد عبداللطيف

عندما كانت تتحدث عن أمها كانت ترتبك وتتلعثم ويبدو عليها الخوف الشديد، امرأة تجاوزت الخمسين وتخشى أمها، كأنها طفلة صغيرة
تحكى عنها، تشكو دون أن تصرح بشكواها، وكأن أمها - التى تبعد عنها آلاف الكيلومترات - تجلس فى الغرفة المجاورة وستسمعها وتعاقبها.
 
وعلى الرغم من أنها ابنة وحيدة لأشقاء لم أعرف عددهم بالضبط، لكن ذلك لم يشفع لها عند أمها لتنعم بشىء من التدليل.
 
قسوة الأم ترجع لبخلها الشديد رغم ثرائها، كانت تعمل وتدخر لتشترى بيتا ثم تؤجره وتدخر لتشترى بيتا آخر، كثرت البيوت واشتد الحرمان ولا أمل فى انفراجة، لو عاصرها الجاحظ لأفرد لها كتابا بأكمله عن البخل. 
 
قصص البخل التى سمعتها من المرأة/ الطفلة كثيرة، قصة بعينها تلح علىَّ بين الحين والحين.
 
حدثت القصة عندما كان الأولاد صغارا، لا مصروف ولا حلوى، فقط حرمان، والأطفال ينظرون لأقرانهم ويتحسرون.
 
فى خزانة الأم تقبع الحلوى، تخرج بقدر فى المناسبات، وهناك أيضا النقود، الأطفال الصغار ينظرون للخزانة ويفكرون؛ كيف يمكن لهم أن يفتحوا الخزانة ويأخذوا بعضا من النقود ليشتروا بها ما يشتهون.
 
والخزانة عليها قفل ضخم وجنازير ثقيلة لا سبيل لكسرها.
الأطفال ينظرون وأختهم ترقبهم فى خوف، جبنها الشديد يحول بينها وبين مشاركتهم أحلامهم.
تفتق ذهن الأطفال عن فكرة جهنمية، صحيح أنهم لن يقدروا على كسر الجنازير أو القفل الضخم، لكن بإمكانهم فك المفصلات وإعادة تركيبها من جديد، فعلوها، وامتدت أيديهم للنقود مزهوين بانتصارهم. هى لم تدر ماذا تفعل؟ لم تشاركهم النقود ولكنها عاشت فى رعب من افتضاح الأمر وعقاب أمها الشديد، كرر الصغار الفعلة وقررت هى أن تشى بهم لتؤمن نفسها، وكانت «علقة موت» من الأم التى انهالت عليهم بالضرب المبرح وهى تصيح: «وأنا من ظننت أن جنا يسكن البيت ويسرق خزانتى».
من جانبى أنا، وددت لو أن الأخت تركتهم يفعلون ما يفعلون، وتركت الأم تحسب أن الجن يسرقها، لعلها تعيد حساباتها فتقرر أن تمنح النقود لصغارها بدلا من أن يأخذها ذلك الجنى الغريب.
مدرسة بكلية الألسن جامعة عين شمس

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة