الوردة المفقودة

الأحد، 13 أغسطس 2017 09:00 ص
الوردة المفقودة
وردة - أرشيفية
د. بسمة البحرى

أخيرا دخلت عليه بوجهها الصبوح وابتسامتها المشرقة التى تضىء صباحاته المعتمة كل يوم، معتذرة عن تأخرها بضع دقائق كاد فيها أن يلفظ أنفاسه قلقا من أن تكون قد هجرته كما فعل الجميع، ألقت تحيتها التى أصبحت بمثابة قبلة حياة تضخ بها الأكسجين إلى رئتيه: صباح الخير يا بابا. ليرد عليها بلهفة: صباح الورد يا وردتى.
 
جلست أمامه وعيناها تبتسمان منتظرة أوامره بخضوع تشوبه الشفقة.
 
وظل كعادته ينظر فقط إلى عينيها صامتا متأملا، مستعينا بصفائهما على دحر طوفان الحنين الهائج بداخله ومحاولا إخراس صرخات الندم التى تكاد تقتله كل يوم. ماذا لو كانت وردته الحقيقية هى مَن تجالسه الآن وتطوى معه ذل أيامه الأخيرة؟ 
 
وردته التى هجرها وهى ما زالت بذرة فى أحشاء والدتها باخلا عليها حتى بالسؤال، مندفعا وراء شهواته ونزواته مزهوا ببريق شبابه وعنفوانه، أيجرفه الحنين ويعذبه الندم الآن بعد أكثر من ربع قرن تناسى فيه تماما أنه أب؟ 
 
أيشعر بحاجته إليها بعدما ضن عليها بكل ما كانت تحتاجه منه؟ 
 
أضناه البحث عنها، وأين يجدها وهو لا يعرف عنها إلا أن اسمها (وردة)؟ 
 
وهى لا تعرف عنه إلا اسمه المقترن باسمها رغما عنها، دون اختيارها أو إرادتها.
 
بل تعرف! تعرف أنه لفظها وهرب منها وهى ما زالت نطفة، ويا ليتها لا تعرف عنه أكثر من ذلك، فلو عرفت لاشمأزت من شخصيته الماجنة وتاريخه المشين الذى قضاه فقط فى إشباع ملذاته، ولسارعت بتغيير لقبها متخلصة من عار انتسابها إليه. الآن انتهى به الحال جالسا على مقعده وأمامه جليسة فى ربيع عمرها، استأجرها بماله الكثير الموصوم - فقط - لتناديه (بابا) ويناديها (وردة)، فما الذى يضيرها أن تدعى بغير اسمها وتجالس ثريا عاجزا ووحيدا فى مقابل حفنة من المال تعينها على فقرها.
 
أما هو، فسيحيا فى انتظاره القاتل لموت لا يخاله سينهى عذاباته، ممنيا نفسه - إن كانت وردته ما زالت على قيد الحياة - أن تصلها رسالته المرفقة بوصيته مجهولة المصير كمكانها، وأن تعرف من خلالها ما عاشه من ألم وندم متلهفا على لقياها، لعلها تكون شفيعا له فى قلبها وعزاءً لها عن مذلة الأيام.
 
صيدلانية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق