العبثيـَّة الترامبيــَّة واندلاع الثورة الأمريكيَّة (5)

الأحد، 13 أغسطس 2017 05:34 م
العبثيـَّة الترامبيــَّة واندلاع الثورة الأمريكيَّة (5)
حاتم العبد يكتب:

في جمهوريَّة ترامب !!

طالعت بشغف الصحف الأمريكيَّة وبعض من الصحف المصرية بعدما أُرغم ترامب صاغرًا وعلى غير رغبة منه، بل وعلى مضض، على التوقيع على القانون الذي وافق عليه الكونجرس بغرفتيه، ذلك القانون الذي يفرض عقوبات على روسيا، والذي توعده ترامب في السابق، بل وهدد بعدم التصديق عليه !

تحضرني وبشدة حادثة القيصر الروسي فلاديمير بوتين حينما اجتمع بمجموعة من كبار رجال الأعمال الروس عقب قيامهم بإغلاق أحد المصانع، وأرغم أحدهم على التوقيع على غير رغبته، بعدما قال له أنه لا يرى توقيعه، تعلل هذا الملياردير المسكين أنه لا يملك قلمًا ! فما كان من قيصر الكرملين إِلَّا أن ألقى له- إن لم يكن في وجهه- بقلم وأُجبره على التوقيع، بل وطالبه بإعادة القلم الذي صفعه به. ذلك أنه في حالة المساس بأمن وأمان المواطنين فلا تهاون ؛ فما بالنا إذا ما تعلّق الأمر بالأمن القومي !

نفس المشهد وإن اختلفت مفردات السيناريو ولفظياته، حدث لترامب الأسبوع الماضي ! لكن الأدوار اختلفت، فكان من المنطقي ومن المتوقع في الظروف الطبيعية، أن يلقي ترامب بالقلم للكونجرس ليوقع على ما يريده، سيّما وأن له الأغلبية فيه، لكن ما حدث هو العكس من ذلك، فقد ألقى الكونجرس بالقلم في وجه ترامب للتوقيع ! فوقّع الأخير صاغرًا ! تلك الصفعة التي تلقاها ترامب، تعد خصمًا من رصيد ما تبقى له في البيت الأبيض. 

كل ذلك يدعونا إلى التساؤل عن جمهوريـَّة ترامب، الصحف الأمريكيـَّة والعالمية وأيضًا المصرية، تقول أن ترامب ينتمي إلى الحزب الجمهوري، وكان آخر ما قرأته في هذا الشأن هو مقال السفير علاء الحديدي في جريدة الشروق والمعنون بـ " مأزق ترامب مع الكونجرس الأمريكي" يوم الاثنين الماضي، جميع ما قرأته من مقالات تزعم بانتماء ترامب للحزب الجمهورب، وهذا أمر مردود عليه، ويفتقر إلى الفهم السياسي الصحيح للأحزاب ؛ وواقع الأمر أننا يجب وأن نفْرق بين العضويـَّة في الحزب السياسي والانتماء لهذا الحزب. 

من وجهة نظرنا أن ترامب لا ينتمي إلى الحزب الجمهوري، وإذ بِنَا نعتقد في ذلك، فلا نقصد البتّة عضويـَّة الحزب، فالعضويـَّة متاحة إلى كل مواطن أمريكي يرغب في ذلك ؛ فعضويـَّة الأحزاب في الدول الغربية، كعضوية الأندية الرياضية والاجتماعيـَّة في مصر ؛ أمّا الانتماء للحزب، واعتناق فكره، والتعبّد بفلسفته فهذا شيء آخر. أي أن من يحكم ينبغي أن يكون منتميًا للحزب وليس فقط عضوًا !

الأحزاب السياسية ليست أحزاب اجتماعيـَّة، ليست لتقضيـَّة وقت الفراغ ؛ أو لاحتساء القهوة، لكنها مدارس ومعاهد علمية، على من يريد الانتماء إليها، أن يعدّ نفسه جيّـدًا عبر سنوات من الممارسة الفعلية على أرضيـَّة الواقع، كما أنها تراكم من الخبرات المكتسبة ؛ فالساسة في اجتماعهم الحزبي لا يناقشون أسرار المطبخ ووصفات الأكلات وخصومات المحلات !

لقد أعطى الكونجرس درسًا قاسيًا لترامب في الاستدانة من دون حاجة، وفِي الاستعارة الجبريـَّة رغم طول ذات اليد، وهو ما يذكرنا بالسندوتشات التي تعدها الأمهات المصريـَّة لأولادهن، ولا مناقشة في حتمية تناولها !

لعلَّ هذا الموقف هو أقوى رسالة حتى الآن من الكونجرس الرازخ تحت النير الجمهوري لترامب المراهق والذي هو عضو غير منتمي لجمهوريـَّة الكونجرس، نرى بوادر حلول الكونجرس محل البيت الأبيض ووضع ترامب تحت الوصاية لحالّة الضرورة ووشيكيّة الخطر ؛ وهو ما سنتناوله مع التطور النوعي لعلاقة الكونجرس بالرئيس في المقال القادم...

يُتبع...

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة