أردوغان و«العدالة والتنمية».. قصة 16 عاما في طريق تأسيس الديكتاتورية

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017 04:04 م
أردوغان و«العدالة والتنمية».. قصة 16 عاما في طريق تأسيس الديكتاتورية
أردوغان
محمود علي

بينما يحتفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في هذه الأيام بمرور 16 عاما على تأسيس حزبه العدالة والتنمية الذي عاد إليه زعيما بموجب تعديلات دستورية مثيرة للجدل وأتاحت له صلاحيات رئاسية واسعة، يعيد هذا الأمر إلى الأذهان والذاكرة تاريخ الحزب من بداية نشأته على الرئيس التركي مرورًا بتحركاته وتوسعة في الداخل التركي للتوغل سياسيًا وصولًا إلى وصوله إلى الحكم وصعود زعيمه الروحي رجب طيب رئيسًا للوزراء ومن ثم رئيسًا لتركيا.

قبل تأسيس العدالة والتنمية والانشقاق عن الأحزاب الإسلامية

أول بداية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل تأسيس حزب العدالة والتنمية كان انتخابه كعمدة لبلدية مدينة إسطنبول من قبل حزب الرفاة الإسلامي الذي كان له نشاط سياسي في تسعينات القرن الماضي.

إلا أن هذا الحزب سرعان ما تم حظره من قبل الدولة التركية التي كانت في ذلك الوقت أقرب إلى العلمانية والليبرالية، وكان حظر هذا الحزب من ضمن تعليق 4 أحزاب ذات توجه إسلامي متشدد خوفًا من سيطرتهم على الحياة السياسية وتغيير وجهة تركيا الديمقراطية.

وكان أردوغان في ذلك الوقت والذي برز على الساحة السياسية منطويًا تحت تلك الأحزاب، شاهدًا على حظر 3 أحزاب إسلامية، فبداية من حظر الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين أربكان، بعد انقلاب عسكري  في 1980، مرورًا بحظر حزب الرفاة عام 1998 وصولًا إلى حظر حزب الفضيلة عام 2001 الذي لم يدم سوى 3 أعوام فقط.

 لكن رجب طيب الذي سجن 10 أشهر واتهم بالتحريض على بث الكراهية الدينية بسبب اقتباسه أبيات من الشعر في أحدى خطاباته المنددة للجيش التركي، انشق عن تلك الأحزاب الإسلامية وادعى أنه فك ارتباطه بها، للاستمرار في العمل السياسي وذلك لعدم اصطدامه بالقوى العلمانية التي كان يقف بجانبها الجيش في ذلك الوقت وكانت تتحكم وتسيطر في تلك الفترة على منافذ القوة في البلاد.

تأسيس حزب العدالة التنمية
عمل أردوغان على خداع الكل واستمر في مشواره السياسي، دون الدخول في صدام مع العلمانية التي قد تعرقله عن السير في طريقه وحلمه للتحكم في السلطة وتنفيذ مخططه بتأسيس حزب لنفسه يرفع راية الإسلام دون أن ينفذ أي من تعاليمه، مغتنما فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء ويؤسس حزب العدالة والتنمية عام 2001، الذي تعهد أردوغان أنه سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع العلمانية والقوات المسلحة التركية وقال ذاتها: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة مجتمع متحضر ومعاصر وديمقراطي».

دعم الأمريكان الواسع لحزب العدالة وأردوغان

حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يستفاد من تحركاته السابقة فقبل أن يتم حظر حزب الرفاة عمل على توسيع علاقاته بالقوى الخارجية، وذلك أملًا في أن يستفاد بها في الوقت المناسب، حيث تعرف على السفير الأمريكي في أنقرة آنذاك «مورتون إبراموفيتس»، الذي ربط أردوغان بشخصية أمريكية مهمة جدا وقريبة لإسرائيل، ألا وهو «بول ولفوفيتز».

50605-انقلاب-تركيا

ارتباط العدالة والتنمية باللوبي اليهودي الامريكي

فلم يكن خروج اردوغان الظاهري من العباءة الدينية وانشقاقه عن الأحزاب الإسلامية وتأسيس حزب العدالة والتنمية، ما هو إلا سياسة جديدة خداعية للدخول في علاقات أكثر مع القوى الغربية وبخاصة التي تسيطر على العالم وهي اللوبي اليهودي في واشنطن، لذا عندما بدأ الأمريكيون وعلى رأسهم اللوبي اليهودي في التفكير في دعم الإسلام السياسي في المنطقة، لم يكن أمامهم إلا أن يدعموا الإسلاميين في تركيا وأردوغان، ولهذا منحه المؤتمر اليهودي الأمريكي عام 2004 وسام الشجاعة، وقال المسئول عن المؤتمر اليهودي أثناء تقديم الوسام لأردوغان، إن هذا الوسام ليس فقط تقديرًا للخدمات التي قام بها أردوغان لأمريكا، بل أيضًا يعد تقديرًا للخدمات التي قام بها لدولة إسرائيل وموقفه الطيب حيال المجتمع اليهودي في العالم.

53445-مؤتمر-اليهودي-الامريكي-يسلم-أردوغان-جائزة-السلام

دخول العدالة والتنمية في الانتخابات التركية
دخل أردوغان المعترك الانتخابي في عام 2002، بعد  أن خاض الانتخابات بحزبه الجديد العدالة والتنمية، الذي حقق بالفعل بصورته المنشقة عن الحركات الإسلامية فوزا في الثالث من نوفمبر 2002 في الانتخابات التشريعية، وفي 11 مارس 2003 عين أردوغان رئيسا للوزراء، في أكتوبر 2005 بدأت السلطات عملية التفاوض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبين عامي 2002 و2004 تبني حزب العدالة والتنمية سلسلة من التدابير السياسية والاقتصادية التي تظهر شكلًا ليبراليا قريبًا من أتاتورك، وصوت الحزب لصالح إلغاء عقوبة الإعدام وأجازت استخدام اللغة الكردية في التلفزيون العام.

انتهاك تعهداته ورجوعه للإسلام السياسي

لكن هذه السياسات انتهكها الحزب نفسه بعد سنوات قليلة، حيث توقف الحزب ذاته في أغسطس 2007، عن اللغة المتزنة التي كان يحاول أن يختبئ ورائها،  ليساعد أردوغان وحزبه في البرلمان التركي انتخاب وزير الخارجية عبد الله جول رئيسا لتركيا، والذي يعتبر أول مسئول ينتمي إلى التيار الإسلامي يصل إلى مثل هذا المنصب في تركيا العلمانية الحديثة التي أسسها أتاتورك، واعتبر انتخابه فوزا لحزب العدالة والتنمية على مؤيدي العلمانية.

58050-ديكتاتور-العصر

تدخلات الحزب  في الشرق الأوسط

بعد اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي، انتهز حزب العدالة والتنمية  الفرصة وحاول أن يحصل على مكاسب سياسية نظير صعود التيارات الإسلامية المتشددة في الشرق الأوسط، فاستغل وصول جماعة الإخوان الإرهابية للسلطة لتكون مصر محطته الأولى للسيطرة وتوسيع النفوذ في المنطقة.

 كما سعى في نفس الوقت إلى استغلال، أحداث الفوضى في تونس وليبيا واليمن لنفس الغرض، حيث وسع علاقاته بالتنظيمات المتشددة في تلك الدول لتحقيق مأربه وتحقيق حلم زعيمه باسترجاع الخلافة العثمانية، في حين كان له دورا واسعا في تأييد الاحتجاجات السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد ليقف بجانب الجماعات المعارضة المسلحة.

 كما كشفت تقرير أنه فتح الحدود للمتطرفين الأجانب القادمين من كل دول العالم ليدخلوا سوريا ليكون هو سببًا رئيسًا في إحداث فوضى عارمة في سوريا كان لها تأثيرًا واسعًا على منطقة الشرق الأوسط بأكملها حتى الآن.

103171-أردوغان-أثناء-محاكمته

 أردوغان والإخوان الإرهاب

تدخلات حزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط تمددت في عام 2013، حيث تخلى تمامًا عن الاهتمام بالداخل وبالأزمات الاقتصادية والسياسية التي بدأت تشهدها البلاد، والتي تكللت في عدة مظاهرات في ساحة تقسيم حيث طردت قوات الأمن بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع حينها الآلاف الأشخاص الذين كانوا رفضوا هدم حديقة جيزي في إطار مشروع للتخطيط المدني، كما تزامن ذلك مع اشتداد المعارضة ضد الحزب وأردوغان على خلفية اكتشاف اكبر قضية فساد تورط فيها أبناء وزراء ومسئولين من بينهم نجل أردوغان،  ولثلاثة أسابيع تظاهر 2.5 مليون شخص للمطالبة باستقالة أردوغان المتهم بالتسلط والسعي إلى الخلافة المزعومة، لكن في ذلك حاول أن يقيد عمل المعارضة الداخلية وفي أغسطس 2014 انتخب أردوغان رئيسا في الدورة الأولى التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر، وسط كثير من الانتقادات والاتهامات بحدوث تزوير في هذه الانتخابات.

واستمرارا لتسلط حزب العدالة والتنمية، فعندما حرم للمرة الأولى من غالبيته المطلقة في البرلمان بسبب النتائج الممتازة التي حققها حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد الذي يتزعمه صلاح الدين دميرتاش، رفض أردوغان ودعا على أثره إلى انتخابات مبكرة حقق فيها حزب العدالة والتنمية فوزا على أثر شيطنه الأكراد وشن حملة عسكرية ضدهم.

مسرحية الانقلاب الفاشلة

وفي يوليو 2016 وقعت محاولة انقلاب فاشلة هزت الوضع السياسي في البلاد وعلاقاتها الخارجية، وبينما تؤكد المعارضة التركية بأنها مسرحية من تأليف أردوغان، نسب الأخير الانقلاب إلى الداعية الإسلامي فتح الله جولن المقيم في الولايات المتحدة، ونفذت السلطات منذ ذلك حملة تطهير غير مسبوقة مع اعتقال أكثر من 47 ألف شخص وإقالة اأكثر من 100 ألف موظف عام.

ديكتاتور العصر

في مارس الماضي، بدأت معركة الحزب وزعيمه أردوغان تتسع وتشدد مع عدد من الدول الأوروبية وذلك لحشد وتأييد أنصاره للتصويت بـ «نعم» في الاستفتاء التركي في محاولة لوصف مشروعه بأنه مناهض للمشروع الأوروبي النازي، فبعد أن ألغت عدة دول أوروبية، خصوصا ألمانيا وهولندا، تجمعات أو منعت وزراء أتراك من المجيء لتنظيم حملة لصالح التصويت بـ «نعم» في الاستفتاء، وصف إردوغان هذه القرارات بأنها «ممارسات نازية» منتقدا ما أسماه «نزعة فاشية منتشرة» في أوروبا.

 وبعد 16 عامًا من تعهداته السابقة بعدم تخليه عن مبادئ أتاتورك والحفاظ على دولة ديمقراطية، كشف الاستفتاء الأخير الذي دعا له العدالة والتنمية ، والمشكوك فيه من المعارضة، هدف أردوغان الحقيقي طيلة هذه الأعوام وانتهاكه لتعهداته، حيث حقق حلمه بالفوز بالحد الأدنى في الاستفتاء والذي منحة صلاحيات واسعة له ولحزبه لم يكن يحلم بالوصول إليها أي رئيس منذ تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية التركية، حيث أدى هذا التعديل الدستوري إلى إلغاء منصب رئيس الوزراء لمصلحة رئيس يتمتع بسلطات واسعة وستسمح له نظريا بالبقاء على رأس الدولة حتى 2029.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق