ألمانيا والإخوان قصة لا تنتهي

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017 08:51 م
ألمانيا والإخوان قصة لا تنتهي
عادل السنهورى يكتب:

الموقف الألمانى الرسمى من جماعة الإخوان لا يسير على خط سياسى واضح، وإنما تشوبه الازدواجية فى التعامل.. هذا هو ما يعكسه اخلاء السلطات الألمانية سبيل  الاخوانى الهارب عبد الرحمن عز  المتهم فى قضايا عنف وارهاب وفى قتل الصحفى الحسينى أبو ضيف فى احداث الاتحادية وغرفة عمليات الاعتصام المسلح فى رابعة وحصار قسم الدقى ومحكوم عليه فى قضايا تعذيب..

هناك تناقض واضح فى التعامل الالمانى مع الاخوان، فالموقف الرسمى غير واضح تمام لكن الداخل الألمانى ممثلا فى الجمعيات الحقوقية، فإنه يرى أنها «جماعة ومنظمة إرهابية» تستخدم العنف وتشجع عليه، ومع ذلك ترفض الحكومة الألمانية تجاهلهم سياسيا، بزعم أنهم «قوة سياسية فى الشارع العربى، وعلى هذا الأساس بدأ الاتصال بهم فى ألمانيا قبل ثورة يناير بسنوات، وهو ما فعلته السلطات الأمريكية وتوظيفهم كورقة سياسية للضغط على النظام فى مصر، وهى عادة سياسية ليست غريبة على الإخوان منذ نشأتها فى العشرينيات، ألمانيا ترفض تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وتظن أن خطر الإرهاب يأتى من السلفية المتشددة وليس من الإخوان!».

فى الجانب الآخر السلطات الأمنية الألمانية تتعامل معهم بحذر، وتراقب أعمالهم وأنشطتهم، وتقارير ألمانية ترى أن الإخوان هدفهم تقويض وهدم النظام الديمقراطى الألمانى، هذه الازدواجية المتبادلة أيضا يعكسها تقرير جهاز حماية الدستور فى ولاية بافاريا، الذى يؤكد أن الإخوان تبدى انفتاحا وتسامحا وحوارا وتعاونا مع المؤسسات السياسية لكسب التعاطف والتأثير فى المجتمع الألمانى، لكن الهدف -كما يشير التقرير- لدى الإخوان يبقى هو تأسيسى وإقامة نظام سياسى على أساس الشريعة الإسلامية.

الكتابات الألمانية كثيرة ومتعددة فى كشف هوية الإخوان ونواياهم فى ألمانيا وأوروبا، وتجمع على أن الإخوان «جماعة غامضة» من الصعب اختراقها، لديه فروع فى حوالى 80 دولة، وفرعها الألمانى «المركز الإسلامى» يضم 2000 عضو، علاوة على المتعاطفين والداعمين من خلال السيطرة على المساجد المنتشرة فى أنحاء ألمانيا، بعيدا عن سلطة الأزهر أو المؤسسات الإسلامية الوسطية فى العالم الإسلامى.

وتذهب كتابات أخرى إلى أن الجماعة بعد ثورة 30 يونيو بدأت فى تغيير خططها لتحسين صورتها فى أوروبا وألمانيا من خلال الصحف الكبرى والإذاعات والتليفزيونات، وتضخ أموالا طائلة مقابل ذلك، لإظهار أنها جماعة «مضهطدة ومظلومة»، ولذلك بدأت تلجأ لتنظيم الأخوات وتأهيل نساء الجماعة للعمل الإعلامى والخيرى والاجتماعى، وهى استراتيجية تعوض غياب القيادات من الرجال فى الدول العربية.

المسألة واضحة فى ازدواجية تعامل بعض الدول الغربية مع الإخوان لتحقيق أهداف سياسية، لكن تبقى القضية لماذا ألمانيا هى ملاذ الاخوان الدائم فى أوروبا؟

فى أول زيارة للرئيس السيسى لألمانيا راهن الاخوان على افشال الزيارة ، قيادات التنظيم الدولى، بدعم من أموال واستثمارات قطر الضخمة فى برلين «أكثر من 18 مليار يورو»، واستقواء بتركيا وجاليتها الكبيرة هناك، توهمت أنها قادرة على الحشد والضغط على دوائر صنع القرار الألمانى، وأن الفرصة مواتية «لإحراج الرئيس» فى أكبر أوكارهم فى أوروبا.

ألمانيا تمثل مركز الثقل للجماعة وتنظيمها الأخطبوطى منذ أكثر من نصف قرن، وهذا ما يفسر تدفق قيادات الجماعة، وهروبها إلى هناك بعد ثورة 30 يونيو، ربما تبدأ كما يؤرخ لها بعض الحقوقيين الألمان مع النازية، واستمرت مع تأسيس الجماعة لأول مركز إسلامى فى أوروبا فى ميونيخ بقيادة الإخوانى الراحل سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، ومستشاره الخاص، وأصبح المركز جسرًا لنشر المشروع الإخوانى فى باقى الدول الأوروبية.

المصلحة والاستفادة كانت متبادلة بين المخابرات الألمانية الغربية وقتها، وبالطبع المخابرات الأمريكية من جانب، والإخوان من جانب آخر. ألمانيا الغربية استغلت الإخوان لمناهضة مصر فى عهد عبدالناصر بعد اعتراف القاهرة بألمانيا الشرقية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع بون، والجماعة استفادت بالدعم المطلوب، وتسهيل سيطرتها على مسجد ومركز ميونيخ الإسلامى، والتمدد فى باقى المدن الألمانية، ومنها إلى أوروبا.

المركز كما تشير وثائقيات فيلمية ألمانية تولى الإشراف عليه من كانت لهم علاقة بالنازية قبل الحرب العالمية الثانية، أو بتنظيم القاعدة فيما بعد، فالتركى الجنسية نور الدين نمانجانى، نائب سعيد رمضان فى لجنة بناء مسجد ميونيخ، كان جنديًا فى الجيش النازى، وباقى القيادات الإخوانية شاركت فى العملية الإرهابية فى نيويورك عام 93، مثل محمود أبوحليمة، وغالب همت الذى ترأس التجمع الإسلامى فى ألمانيا منذ عام 73 حتى 2002، وساهم فى تأسيس بنك التقوى مع اليوسفين، القرضاوى وندا، واتجهت أصابع الاتهام إلى غالب، القيادى الإخوانى السورى، ويوسف ندا، والقرضاوى بتمويل تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن من خلال شبكة غسل الأموال فى بنوك وشركات الإخوان.. غالب همت أصدر الرئيس المعزول محمد مرسى عفوًا عنه من بين 8 قيادات إخوانية هاربة فى قضية التنظيم الدولى للإخوان.

لكن لماذا غضت ألمانيا الطرف عن أنشطة الإخوان فوق أراضيها؟ ومن هو «الرجل العنكبوت» الذى يدير فرع الإخوان فى ألمانيا الآن؟.

اذن هى قصة لا تنتهى ولم تتوقف ، ربما كادت أن تتأثر بأحداث سبتمبر 2001 بعد توجيه المخابرات الأمريكية الاتهام إلى القيادى الإخوانى السورى غالب همت، رئيس فرع الجماعة والتنظيم الدولى فى برلين، بدعمه للإرهاب وصنفته السلطات الأمريكية على أنه ممول الجماعات الإرهابية التى فجرت برجى التجارة.

أمام هذه الاتهامات توارى همت ليظهر بعدها بعام واحد من أخطر قيادات التنظيم فى ألمانيا، ليتولى إدارة شؤونه فى أوروبا انطلاقا من رئاسة التجمع أو المركز الإسلامى.. «الرجل العنكبوت» - كما وصفته أجهزة أمنية ألمانية - الذى شكل شبكة معقدة من الاتحادات والمراكز الإسلامية داخل ألمانيا وخارجها وكان -وما زال - الممول لها. الإخطبوط إبراهيم الزيات رجل الأعمال المصرى الألمانى، الذى يدير مجموعات شركات ألمانية وتركية، فهو متزوج بدوره من ابنة شقيقة نجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا الإخوانى الأسبق، وصدر ضده حكم غيابى فى مصر عام 2006 بالسجن 10 سنوات قبل أن يعفو عنه المعزول محمد مرسى عام 2012.

كل مكان إسلامى تذهب إليه فى ألمانيا يتردد اسم الزيات، فهو يدير أكثر من 300 مسجد ومركز تابعا لإحدى المنظمات التركية التى تعتبرها أجهزة الأمن الألمانية تشكل خطرا على الدولة ونظامها الديمقراطى، الزيات يعمل فى كل شىء من شركات استشارات وتمويل إلى عقارات وبناء المساجد ووساطات وسمسرة، ولديه شبكة علاقات اجتماعية وسياسية مهولة، وبعض الكتابات الصحفية الألمانية تشير إلى أنه وسيط عقارات لشخصيات ورجال أعمال ومستثمرين عرب فى ألمانيا، وتلمح كتابات أخرى إلى وجود علاقات «بيزنس» بين الزيات ورئيس البرلمان وهو ما يفسر موقفه الهجومى على مصر بعد 30 يونيو

لكن تظل طبيعة التعامل الألمانى مع مسألة الإخوان فى ألمانيا مثار تساؤلات كثيرة، فهناك انتقادات واضحة من جهات حقوقية ألمانية بضرورة مراجعة الموقف من الجماعة، ووصفتها الجمعية الألمانية لحقوق الإنسان بأنها جماعة معادية للديمقراطية بل جماعة إرهابية، ومع ذلك تبدو ازدواجية التعامل الألمانى واضحة.. وهى القصة التى تكشف عنها مسألة اخلاء سبيل الارهابى عبد الرحمن عز.  .

 

تعليقات (1)
رائع جدا
بواسطة: حماده المسلمي
بتاريخ: الثلاثاء، 15 أغسطس 2017 10:52 م

بالتوفيق

اضف تعليق


الأكثر قراءة