الجناح العلماني للمؤامرة

السبت، 19 أغسطس 2017 02:13 م
الجناح العلماني للمؤامرة
إيهاب عمر يكتب:

لم يترنح حكم حزب نداء تونس على وقع الأزمة الاقتصادية وتوقعات المراقبون بعجز الدولة التونسية عن سداد رواتب الموظفين فحسب، ولكن البداية كانت في مارس 2016 حينما انشق عن الحزب كتلة برلمانية ضخمة أسست حزب مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق، هكذا خسر نداء تونس سيطرته الفعلية على البرلمان المنتخب عام 2014، وإن ظلت موازين القوى في البرلمان بين الإسلاميين والعلمانيين كما هى نظراً لتفهم قادة مشروع تونس أن التلاعب بهذا التوازن دون اللجوء إلى صناديق الاقتراع عام 2019 حينما تنتهي ولاية البرلمان التونسي الحالي لا تعني إلا صعود كتلة حزب النهضة الإخواني.
 
على وقع الأزمة الاقتصادية، والأزمة السياسية بانقسام حزب نداء تونس، واستمرار وجود شبح عودة الإسلاميين للسلطة، واتهامات بالسعي لتوريث السلطة على إثر وجود حافظ ابن الرئيس في منصب نائب رئيس الحزب، وجد الرئيس الباجي قايد السبسي إنه يجب تعضيد الظهير الشعبي للحزب، ولا يمكن أن يأتي ذلك بالبحث عن شعبية في أوساط المحافظين، فهذه الكتلة الشعبية في جيب الإسلاميين من المحيط للخليج، هكذا لجأ إلى الكروت العلمانية، والقى بعدد منها في الساحة التونسية، لعلها تجلب له ظهيراً شعبياً يسانده، فالانتخابات البرلمانية والرئاسة سوف تجري بعد أقل من 24 شهراً.
 
ويجب الإشارة هنا إلى أن تونس خاضت عام 2014 انتخابات برلمانية ورئاسية أسفرت عن فوز حزب نداء تونس العلماني وتشكيله الوزارة، وبالتالي فقط ثوار 2011 سواء الجناح العلماني أو الإسلامي السيطرة على البرلمان والرئاسة، ويسيطر على حزب نداء تونس بقايا تيار العلمانية البورقيبية، وهم من رجالات ومؤيدين أيديولوجيين للتجربة العلمانية التي قام بها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وبالتالي هم لا يفتعلون او يتظاهرون بالفكر العلماني بقدر ما هي أفكارهم بالفعل.
 
كما أن النظام التونسي الحالي هو حليف مهم للغاية للدولة المصرية وليس في موقع صدام معها، وحال سقوط النظام التونسي في انتخابات 2019 أو قبلها لحساب الإسلاميين فأن الجهود المصرية في الملف الليبي معرضة لانتكاسة خطيرة.
 
وبالتالي ما ظنه البعض تحرك حقوقي ما هو إلا مناورة سياسية لنظام متصدع، وتصدعه بكل أسف سوف يكون في صالح الذئب الإخواني المتحفز للقفز على السلطة حال انهيار النظام الحاكم في تونس سواء على وقع الأزمة الاقتصادية أو عبر تصدع التيار العلماني أو تقسيم الأصوات في برلمان 2019.
 
وتجربة قايد السبسي لن تسفر عن تحول حقيقي في المجتمع التونسي، لان العلمانية – وكتبت هذا الكلام في يناير 2010 عبر كتاب الجمهورية المظلومة – لا تفرض عبر السلطة، وكافة محاولات فرضها من اعلى عبر السلطة كانت محاولات فاشلة تماماً، فالعلمانية بدأت في أوروبا كفرز فكري واجتماعي وحركة مجتمعية تحركت داخل جميع طبقات المجتمعات ثم تصادمت مع الكتلة الشعبية المحافظة ولما انحازت السلطة المحافظة والكنيسة للفكر الديني جرت ثورات بل وحروب في بعض الأحيان.
 
أما محاولات فرض العلمانية عبر السلطة فحصدت فشلاً ذريعاً، مؤسس الجمهورية التركية مصطفي كمال أتاتورك فرض نظاماً علمانياً على بقايا الدولة العثمانية، ماذا جرى عقب وفاته وحتى اليوم؟ الشعب التركي ينتخب الإسلاميين منذ الخمسينات ينتخب الإسلاميين، وكل بضعة أعوام يتدخل الجيش، ويعيد التوازن لفترة ثم يعود الإسلاميين ثانية، واليوم تركيا الإسلامية رأس حربة الإسلام السياسي في المنطقة وراعية مشاريع أمريكا بالتعاون مع إرهاب الإسلام السياسي بطول وعرض دول الربيع العربي.
 
وفي تونس ماذا بعد وفاة بورقيبة؟ ما إن حدثت سيولة سياسية بثورة ديسمبر 2010 حتى كانت تونس تنتخب برلماناً اسلامياً عام 2011.
 
ونفهم من تجارب أتاتورك وبورقيبة وغيرهم أن العلمانية حركة مجتمعية يجب ان تبدأ بتحرك على الأرض من أنصارها، وهنا مربط الفرس لأن هذا هو عيب الحركات العلمانية أو المدنية في ما يسمي الدول الإسلامية من إندونيسيا إلى الجزائر، التيارات المدنية في بلادنا لا تريد أن تتحرك أو تعمل، تريد أن تظل في مقاعد المثقفين المعارضين ولا يعجبهم أي شيء ، العلماني دائما شخص ضد السلطة ، يعوي بكلمة عسكر في كل كبيرة وصغيرة، ذو خطاب تصادمي متعالي مع المجتمع ويظن انه في ظل الجهل المقدس الوسطي الجميل الذى يسود هذه البقعة من العالم أن أسلوب الصدمة سوف يسفر عن علمانية قابلة للبقاء.
 
إن أكبر أخطاء العلمانيين العرب ليست انهم يريدون للسلطة ان تتحرك نيابة عنهم فحسب، او الاستعلاء الدائم عن القواعد الجماهيرية والعمل الشعبي، أو عدم تفهمهم لحقيقة تاريخ العلمانية باعتباره حركة ثورية وفكرية ومجتمعية وليس فعلاً سلطوياً يمكن أن يلغى بجرة قلم طالما ليست له القواعد الجماهيرية، وليست اكبر أخطاء العلمانية هو تقوقع المثقف النخباوي المنفصل عن المجتمع والجاهل بكل شيء باستثناء أنه جاهلاً بكل شيء، أو الظن أنه يستحيل على المثقف أو العلماني أن يكون مؤيداً للسلطة ما خلف إشكالية تاريخية استغلها التيارات الدينية المحافظة فحسب ولكن أكبر أخطاء العلمانيين العرب هي التماهي مع المشروع الأمريكي للمنطقة، فأصبح هنالك حزمة أفكار ومطالب يجب على كل حقوقي أن يطالب بها حتى لو كانت في غير مجال تخصصه الحقوقي أو السياسي، وأدى ذلك إلى أن تفقد كافة تلك القضايا زخمها وأن يصبح رموز كافة تلك القضايا شخصيات مشبوهة.
 
وقد أدى كل ذلك إلى أن يصبح النشطاء الحقوقيين والنسويات وحقوق المرأة والحرية الجنسية هم أكبر طعنة في ظهر تلك القضايا بل وأكبر طعنة في ظهر العلمانية عموماً.
 
والتاريخ يثبت أن نظام عبد الناصر الاشتراكي على سبيل المثال كان علمانياً وداعماً لحرية المرأة وحتى حزمة الحريات مقارنة بنظام السادات (يمين القومية المصرية) ومبارك (ليبرالية اقتصادية ثم نيوليبرالية)، أو أن العديد من الساسة القادمون من المؤسسات الأمنية كانوا أكثر علمانية من الساسة القادمون من المؤسسات المدنية.
 
هكذا أصبحت الحركات العلمانية مجرد جناح علماني في المشروع الأمريكي او الاستعمار الغربي للمنطقة، فالمؤامرة مثلما لها جناح إسلامي فأن لها جناح علماني، والجناح العلماني يخدم ويمهد للجناح الإسلامي لأنه المفضل للاستعمار الغربي، ولا اخفيكم سراً انى اشتم رائحة خبيثة في كافة الاشكال التي خرجت رافعة لواء العلمانية في مصر وغيرها في حقبة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، و ان الاجندة الحقيقية لهذه الحركات العلمانية سواء بمعرفة أعضائها ام مجرد قطع شطرنج في ايدي الاستعمار هو إعادة ترميم شعبية الحركات الإسلامية على ضوء انهيار هذه الشعبية عقب ثورة يونيو المصرية وما تلاها من خساراتهم للانتخابات في تونس وليبيا.
 
إن لعبة "أنهم يسبون دين أبائكم" هي أكبر لعبة يمكن أن ترمم شعبية الإسلام السياسي بين الشعوب، فالتطرف المصري مثلاً ابن البيئة المحافظة وليس ابن تعاليم ابن تيمية بل وليس ابن تعاليم أي رجل دين معين لأن المرجعية المحافظة للتطرف المصري منتشرة بين أبناء الدين المسيحي وحاول أن تفرق بين المحافظ المسلم والمسيحي في المجتمع المصري فلن تعرف قط خصوصاً في الصعيد.
 
ولكن من صرخ يوماً ضد ابن تيمية كأنه يقصد توجيه إهانة مباشرة لجمهور السلفية والإخوان، حتى يسهل على مشايخ هذه التيارات حشدهم من جديد، بينما عامة الشعب لا تعرف ابن تيمية ولا يهمها أصلاً أن يعلو أو يسقط فوق منابر المثقفين.
 
الإسلام السياسي حتى يستمر وحتى يظل يجند غلمانه وجواريه من شعوب ما يسمي العالم الإسلامي، يجب أن يظل في حالة انتهاك ومظلومية، لذا تارة يتأوهون من أجل بورما وتارة من أجل الصومال، وفي طفولتنا كانت أحدث صيحة في عالم موضة المظلومية الإسلامية هي البوسنة، ولا يوجد اليوم أفضل من العلمانية وأسلوب العلمانيين العرب التصادمي في توحيد الجهلة والمتطرفين خلف اول شيخ يطلق اول صيحة من اجل الجهاد في سبيل السلطة سواء عبر صناديق الاقتراع او عبر حمل السلاح.
 
ويجب ملاحظة أن أغلب رموز العلمانية اليوم كانوا إسلاميين سابقين أو قادمين من أسر ذات مرجعية محافظة وسوف تجد دائما لديهم أقارب قياديين في تيار إرهاب الإسلام السياسي، نحن أمام لعبة توزيع أدوار فحسب، ومن فلت من لعبة توزيع الأدوار سوف تجده من نشطاء السبوبة بامتياز والدعوة للعلمانية بالنسبة له ما هي إلا منح تفرغ ومؤتمرات دولية مجانية حول العالم وفرص عمل في مؤسسات صحفية وأدبية وإعلامية لشركات اجنبين راعية للمؤامرة بالإضافة إلى حرملك كامل من النسويات والعلمانيات.
 
جعل المعركة بدلا ً من انها معركة بين الدولة الوطنية والارهاب هي معركة بين تيار علماني وتيار إسلامي هو أكبر مجدد لشعبية الإسلام السياسي في المنطقة، والظهير العلماني للمؤامرة يقوم اليوم بهذا الدور على أكمل وجه.
 
وأخيراً يبقى السؤال.. ما دور الدولة المصرية في كل ما يجري؟
 
الدولة بدورها يجب أن تطهر جهازها الإداري والقطاع العام والقطاعات الحيوية من الإرهابيين أنصار الإسلام السياسي، وأن تنفذ الدولة مخطط لتجفيف منابع المؤامرة عبر نظام تعليمي ينسف المظلومة الاجتماعية والحواضن الشعبية للمرجعية المحافظة، فهي الحواضن الشعبية للإرهاب، وذلك ليس خدمة للعلمانية بل للحفاظ على الدولة والمجتمع من سقوط في شباك المؤامرة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق