حياة الشيمى تكتب عن: قصيدة درويش المنسية

الإثنين، 21 أغسطس 2017 12:06 م
حياة الشيمى تكتب عن: قصيدة درويش المنسية
شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش

فى الذكرى التاسعة على رحيل شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش تنفرد جريدة «صوت الأمة» بنشر قصيدته «ذاهبون إلى القصيدة، إلى بابلو نيرودا».

ولد الشاعر الكبير فى 13 مارس عام 1941 فى قرية البروة وهى قرية فلسطينية كانت تقع قبل تدميرها فى الجليل ورحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2008. 
 
منذ بدايات ظهور اسم درويش وقد التفت إليه النقاد من كل المدارس النقدية، لما لاحظوه من تفرده وتميزه، لم تمر سوى سنوات قليلة على ظهور اسمه حتى خصه الناقد الكبير رجاء النقاش بكتاب كامل تناول فيه شعره بالتقدير والترحيب.
 
وقد ظل درويش منذ البداية وإلى رحيله واحدا من أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، وقد أطلق عليه لقب عاشق فلسطين، ويعتبر درويش من أبرز من ساهموا فى تطوير الشعر العربى الحديث. 
 
اعتقل درويش أكثر من مرّة منذ عام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان وهناك عمل فى مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحريرالفلسطينية، وقام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينى التى تم إعلانها فى الجزائر، وكان عضوا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والتى استقال منها احتجاجا على اتفاق أوسلو.
 
وشغل عدة مناصب من بينها رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وقام بتأسيس مجلة «الكرمل»، ومجلة شئون فلسطينية، وحصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها: 
جائزة لوتس عام 1969. 
جائزة البحر المتوسط عام 1980. 
درع الثورة الفلسطينية عام 1981. 
لوحة أوروبا للشعر عام 1981. 
جائزة ابن سينا فى الاتحاد السوفيتى عام 1982.
جائزة لينين فى الاتحاد السوفيتى عام 1983. 
فى يونيو عام 1975، نشر درويش قصيدته التى كتبها فى رثاء الشاعر الشيلى بابلو نيرودا «ذاهبون إلى القصيدة – إلى بابلو نيرودا»، فى مجلة «شئون فلسطينية» التى كان يرأس تحريرها.
 
لكن ظروف الحرب حالت دون انتشار العدد، ما جعل القصيدة تبقى مجهولة أو شبه مجهولة، على رغم من أهمّيتها، وتـوالت دواويـن درويـش ولـم يحـمـل أى منـها هذه.. القصيدة التى ظلت مجهولة مع أن الشاعر كان يحبها، ورحل محمود درويش ولم تصدر القصيدة فى أى ديوان، فظلّت أسيرة ذلك العدد من «شئون فلسطينية». 
 
وكان بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين فى جميع لغات العالم. 
 
كما كان من أبرز النشطاء السياسيين، وكان عضوا بمجلس الشيوخ واللجنة المركزية للحزب الشيوعى، كما أنه كان مرشحا سابقا للرئاسة فى بلاده. 
 
ونال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل فى الآداب عام 1971، وحصل على الدكتوراة الفخرية من جامعة أكسفورد. 
 
عندما أطاح الجنرال بينوشيه بالحكومة الاشتراكية المنتخبة ديمقراطياً وقتلوا الرئيس سلفادور أليندى، هجم الجنود على بيت الشاعر، وعندما سألهم ماذا يريدون أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح فأجابهم الشاعر أن «الشعر هو سلاحى الوحيد».
توفى فى 23 من سبتمبر عام 1973 متأثرا بمرض السرطان بعد أيام من الانقلاب.
 
«ذاهبون إلى القصيدة.. إلى بابلو نيرودا»
يتسلّقُ الجيتارَ: 
ستُّ سنابل تأتى من الأسرارِ.
تنهمرُ الجهاتُ عليه – منه. وهكذا تأتى الخلاصةُ: 
إنّ خمسة أنامل تحمى المحيطَ من الجفاف.
ويغضبُ الجيتارُ: 
ستُّ زوابعٍ تأتى من الصمتِ المهدِّدِ.
هكذا تأتى الخلاصة: إنّ خمسة أصابع تحمى الصباح من التردّدِ.
إنّ نيرودا يُغنّى.
بين الفراشة واللهيب يسافرُ الشعراءُ
بين السيف والدم فوق حدّ السيف ينتظرون وردتهم
يُحبّون القصيدة حيث تفلت من هواجسهم وينتحرون فى أوجِ القصيدةْ
الموتُ يسكنهم ولا يدرون... ينفجرون مثل شقائق النعمان فى يومٍ
ربيعيى قصيرْ.
بين القصيدة والقصيدة يطردون البحرَ...
ينتقمون من زَبَدٍ يفرّ من الأصابعِ
يذهبون إلى الشوارع عاجزين ومُتعبين
كأيّ بوليس يفتّشُ عن علاقات مُحرّمة ليكتبَ أيّ
شىء ضدّ أى شىء...
يكذبون على النساء...
يزوّرون الحبرَ والقبلاتِ...
عاديّون عاديّون ما بين القصيدة والقصيدة يسأمون الشّعر والفجر
المبكّر و... الوطن.
... وكما يموت النّسرُ ينطلقونَ نيرودا!
جَمَعْتَ لنا الندى من كلّ زنبقة وجمجمةٍ
شربتَ هدير هذا البحر نخبَ يدٍ تقاومُ فى حقول الموزِ - 
والأصدافُ بين يديكَ
كان الشرقُ يغسل وجههُ فى لهجةٍ صينيّةٍ
والحربُ تجعل كلّ شىء واضحاً كالخبزِ
هل يتمهّلُ الزلزال أمسيةً لنخرجَ من قواميس اللغات إلى
ضواحى الصوت؟
فلّاحوكَ
صيّادوكَ
جلّادوكَ
يحتشدون فوق أصابع الجيتار...
أحصنةٌ تدور مع الرياح السودِ
امرأة تهاجمها بأغنيةٍ، وتسقطُ فى البنفسجِ
تستطيعُ وتستطيعُ وتستطيعْ.
دمُنا على المحراثِ
نيرودا! تُغنّى أمْ تروّض غابةً
تمشى على الإيقاع أم يتجوّل البركانُ فيكَ
وحارسُ البستان يختزن الأفاعى خلفَ صوتكَ.
إنّ جمهوريةً أخرى تُعيد قصيدة أخرى إلى أفراحها...
لكن شطآن القصيدة لا تُدجّنها البحيرةُ 
كان فيدريكو يموت على «سياجٍ يحجبُ القمر» الحبيبُ يموتُ.
أجراسٌ تدقّ وتختفى فى القلبِ...
كان الموتُ يجعلُ كلّ شىء واضحاً كالعشبِ
هل يتمهّل الزلزال أمسيةً لنجمع عن خناجرهم دمَ الأطفال
والشعراءِ؟
كان الليل أوضحَ من خطى الشهداءِ
لكنّ المياه تسيلُ من وَتَرٍ يقاومُ صخرةً صمّاء...
نيرودا! سننتصرُ
القيود لنا - سننتصرُ
النشيدُ لنا - سننتصرُ
الضروعُ مليئةٌ بالبرقِ - ننتصرُ
الضلوع منازلٌ للعشق - ننتصرُ
الجيادُ السودُ تهبط من مكانٍ ما - سننتصرُ
النهايةُ تنتهى
هذا هو الجيتارُ أرضٌ فى تمامِ الصوت تزخر بالوضوح من الوريد
إلى الوريد...
وها همُ الشعراءُ فى أوجِ القصيدةِ ذاهبون إلى القصيدةِ فى
شباكِ الصيّدِ
يولدُ فوجُ ضبّاط جديدٌ. سورةُ الموتى تزيدُ. وعاملُ التعدين
يدخل عامه السبعين. والشعراء يختارون هاجسهمْ
وينتحرونَ خلف البرلمانِ...
منذ البدايةِ: إنّ هذا المسرحَ الخالى من الجمهور والجدران
ينتظر البشارةَ فى الأغانى.
ها نحنُ نتّفقُ: الغزالةُ لا تحبّ الشعرَ
والشعراء حقلٌ أزرقٌ لم يُفتَرعْ إلا بأقدام الغزالةْ.
ها نحن نختلفُ: الجبالُ بعيدةٌ...
نتسلّقُ الجيتارَ. ستّ زنابقٍ تأتى من الفحم. الجهاتُ تعودُ
من ساحات غربتها وتأوى للنوافذِ. إنّ خمسة أصابع تحمى الفضاء
من البقاء على سطوح البرلمانِ.
وإنّ
نيرودا
يغنّى.
ها نحن نختلفُ - اتفقنا
ها نحن نتّفقُ - اختلفنا.
للجبالِ يدٌ هى المطرُ. القصيدة ملء هذا المسرح الخالى من
الجدرانِ
للأرضِ ارتعاشاتٌ هى الدمُ. حين ينهمرُ الرصاص عليكَ – منك
ومن لصوص الليلِ تصرخُ فى وضوحْ
إنّ الجروح هى الجروحْ.
لكنّ هذا البحر أزرقْ
لكنّ هذا الحقل أخضرْ
ودم المغنّى أبيضٌ فوق الشوارعِ والأصابعِ.
عاملُ التعدين يدخل عامه السبعين...
يقرأ أبجديّة قلبه المشوى فوق الفحم فحماً...
والرغيفُ غزالةٌ تعدو وتعدو فى القيودِ..
وفوج ضبّاط جديدٌ يُتقن السهر الطويلَ على حدود الخبزِ...
قد مرّوا «جماجم من رصاص» مرةً أخرى... ونيرودا يموتُ.
«خيولهم سوداء». نيرودا يموتُ على قصيدته... فتذهب فى الفضاء...
وعاملُ التعدين يقرأ صفحةً أخرى ويسقط فى البنفسجِ
يغضبُ الجيتارُ
ستُّ زاوبعٍ
تأتى من الصمت المهدِّدِ
إن خمسة أصابعٍ
تحمى 
الصباحَ
من 
التردّدِ.
كان نيرودا يغنّي
ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ بين أيدينا.
دمُ الشعراء محراثٌ
ويحتفلُ الترابْ.
ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ بين أيدينا.
لأجلك يرجعُ البطّ المخيِّمُ فى جنوب البحرِ
نيرودا! لأجلكَ نكتفى بالعمر أغنيةً وكأساً من سحاب.
مدنٌ تنام على السلالم فى انتظاركَ. آه نيرودا. شواطئ هذه
الأرض الصغيرة - عبر صوتك - قبلةٌ مفتوحةٌ للنورس الباكى وللبجع
الذى يتعلّم الرقص المميتَ
لكَ القرنفلُ. شهرُ أيارَ. البديلُ الاشتراكيُّ. المدارسُ. أبجديّةُ
عامل الميناء. تمثال الصدى والعطرِ. أوّل خطوة بعد الزنازين.
الأغانى فى حوانيت الفواكهِ
آه نيرودا! حدودُ الأرض فى ليمون صوتكَ ملعبُ الكرةِ، 
المظاهرةُ، احتفالُ الذاهبين إلى الجحيم. لك اعترافاتُ النساء العاشقاتِ.
لك النشيدُ الأزرقُ... الحريةُ الزرقاءُ... أبعدُ قريةٍ فى الأرض
لكنْ / بعد موتك
عبر موتك
قرب موتكَ
كلُّ فجرٍ كان ينتظرُ انطفاءك كى يضىءْ
وكلُّ صوت كان ينتظر اختفاءك كى يجىءْ.
ها نحن نتّفقُ: الغزالةُ لا تحبّ الشعرَ فى الزمن الردىءْ
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق