الرئيس فى رواندا

الإثنين، 21 أغسطس 2017 12:10 م
الرئيس فى رواندا

الأمم قد تمر بصعوبات شديدة، لكن صلابتها تفتح الآفاق لفرص جديدة، تعالوا نبدأ من رواندا، حيث كانت هناك مجازر تراوح عدد قتلاها بين 800 ألف ومليون مواطن، أغلبيتهم الكاسحة من قبيلة التوتسى التى تمثل الأقلية، استمرت المجازر شهورا كان خلالها يذيع الراديو معلومات للمواطنين من قبيلة الهوتو (الأغلبية) عن الأماكن التى كان يختبئ فيها المواطنون من التوتسى، كان القتلى من كل الأعمار بلا تفرقة، وعادة ما يكون القتل مصحوبا باغتصاب وتعذيب وسرقة ونهب، بل إن بعض المعتدلين من الهوتو كانوا يُقتلون من قِبَل متطرفى الهوتو لأنهم كانوا يعارضون ما يفعله المتطرفون، ووفقا لشهادة أحدهم: «كنا خونة من وجهة نظر بنى قبيلتنا لأننا كنا نحضهم على العيش المشترك والسلام الاجتماعى».
 
المذابح توقفت، ولكن الآلام والذكريات التعيسة لم تتوقف عن إثارة الأحزان والآلام.
 
للحظات سيظن بعضنا أن هذا مجتمع انهار وانتهى، الحقيقة أن العكس هو الصحيح، ولو سمعت أو قرأت بعضا من تفاصيل ما حدث ويحدث فى رواندا لقلت: «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون روانديا»، المسألة احتاجت وثيقة للمصالحة الوطنية وتشكيل نظام قضائى للحقيقة والمصارحة (أحد مكونات العدالة الانتقالية)، ورئيسين، ودستورا جديدا، وخطة تنمية متوازنة، وشعبا متجها- بشدة- نحو العمل والبناء للمستقبل، وليس الشتيمة والسب فى أى وكل حد وأى وكل حاجة.
 
بعد ما توقفت المعارك كان لا بد من نظام للمحاكمات يضمن ألا ينفصل الحق عن العدالة كما يحدث فى مصر؛ حيث قد نعرف من ارتكب الجريمة، ولكن لا نعرف أن نثبت ارتكابه لها بسبب مشكلات فى الإجراءات.
 
وهنا عاد الروانديون إلى جذورهم ليتبنوا نظام «Gacaca courts» وتنطق محاكمات جاتشا تشا، والتى تكوّن منها نحو 10 آلاف محكمة على درجات متفاوتة لتحاكم حوالى 120 ألف متهم بالتطهير العرقى أو القتل الفردى أو السرقة أو الاغتصاب، وهى فى الأصل شكل من أشكال القضاء المحلى القروى، وقد تبنت الدولة هذه الفكرة ونظمتها فى صورة محاكم على ثلاث درجات، وتتكون كل محكمة من تسعة قضاة يكون واحد من أعضائها أحد القضاة المحترفين أما البقية فهم أشخاص منتخبون من أهل كل قرية أو مدينة، ويميل هؤلاء دائما إلى العفو وتخفيف العقوبة إذا وجدوا أمامهم أن المتهم اعترف بخطئه وطلب- مخلصا- أن يسامحه من أخطأ فى حقهم.
 
وقد قامت هذه المحاكم بتصنيف الجرائم إلى أربعة أنواع، وتتدرج معها العقوبات: فمن سرق ورد ما سرق وطلب العفو يُعفى عنه، وترتفع حدة العقوبة ومدتها مع ارتفاع الجريمة، فمثلا تم إعدام 22 شخصا فى العلن لأنهم لم يكونوا يقتلون فقط، لكنهم كانوا يحرضون الآخرين- بعنصرية شديدة- على القتل الجماعى.
الرئيس الحالى فى رواندا اسمه «بول كاجمى»، يُنتخب لسبع سنوات، البرلمان الرواندى يكاد يكون الوحيد فى العالم الذى أغلبيته من النساء، مؤشرات النمو فى رواندا تعد من الأعلى أفريقيًا، الناس بدأت تنظر إلى الأمام، لأنها اكتشفت أن النظر إلى الماضى طويلا ليس مجديا، بل إنه معطل، إجراءات المصارحة والمحاكمة والمصالحة نجحت فى وضع رواندا على الطريق الصحيح، كلما قرأت عن رواندا تفاءلت، وكلما شاهدت أو قرأت أو سمعت ما نقوله فى حق بعضنا بعضًا قلّ تفاؤلى، نحن الجناة فى حق أنفسنا إن فشلنا.
 
أقترح على التليفزيونات المصرية أن تعرض فيلم As We Forgive كى نعرف نعمة الله التى أنعم بها علينا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق