صعود شيرين إلى الهاوية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017 06:39 م
صعود شيرين إلى الهاوية
حسين عثمان يكتب:

حقائق لابد من طرحها قبل الدخول فى الموضوع، أهمها أننى لست من جمهور المطربة شيرين، ومع ذلك أنسبها إلى مملكة الطرب، لإنها بالفعل صاحبة صوت موهوب بملكات وإمكانيات مختلفة ومميزة، ولكنها لم تقدم حتى الآن، وطوال خمسة عشر عاماً من احتراف الغناء، ما يتناسب مع هذه القدرات، وعلى الناحية الأخرى، فإن عمرو دياب من بين أبناء جيله والأجيال اللاحقة، له مساحة شغف فى وجدانى، يشغلها بقدر اختلافه وتطوره وتميزه كمنظومة تفوق استثنائى، تجعلنى أتابع مسيرته الفنية بحرص واهتمام، خاصة وأنه من جيل الوسط المساهم بقوة فى تشكيل وجدان جيلى، والذى يتربع على قمته عندى الحبيب العزيز على القلب على الحجار.
 
ومع هذا أتعاطف بوعى مع شيرين فيما يتعلق بسلوكها الصدامى المتكرر، المثير دائماً للجدل والاستنكار، والذى تتفوق فيه أكثر من الغناء المفترض أنه أول ما تجيده وتشتهر به، وإن تناولته بقسوة، فمن منطلق الحفاظ عليها كموهبة تستحق التوجيه والرعاية، ما تفعله شيرين هو نمط أصيل يدخل ضمن نسيج تكوين الشخصية المصرية منذ الصغر، ثم يتفاوت من شخص لآخر، فيعلو أو ينخفض، ويزيد أو يقل، ويستمر أو يزول، وفقاً لقدرة الواحد منا على التفاعل معه واستيعابه وتقويمه، ويرتبط تطوره إيجاباً أو سلباً، بتراكم الخبرات والمعارف الإنسانية والمهنية داخلنا، ومدى تأثيرها على نضج وتطور شخصياتنا جميعاً، فى أى تربة ينمو هذا السلوك؟!.  
 
أراه يعود فى الأساس إلى منظومة التربية والتعليم المصرية العريقة، التى تقوم أساساً على تمكين دافع المنافسة داخلنا جميعاً منذ الطفولة، فتجد الكبار فى البيت والمدرسة لا يهتمون بإصرار إلا بضرورة دفع الصغار تجاه الأفضلية وفقط على الآخرين، فننشأ ونشب وقد نشيب على هذه الأفضلية كدافع دائم ومستمر ومتزايد، لا يرتفع معه داخلنا بالضرورة إلا الإحساس بالذات أو الأنا العليا وتعظيمها فى مواجهة الآخرين، ودون الاهتمام بالوسيلة إلى ذلك، خذ عندك أكثر من مثل لسلوك شيرين عند آخرين، وبالتزامن مع حوادثها المتعاقبة خلال السنوات القليلة الماضية، وتتفاوت إيقاعاتها حسب أصوات أصحابها، وأصدائها عند الآخرين، ويلعب حجم النجومية دوره فى الموضوع. 
 
من هذه الأمثلة تلك الألقاب الطفيلية التى يهادى بها الكرويون بعضهم البعض فى أستوديوهاتنا التحليلية المملة فى معظم الأحوال، ومنها الجنرال والفيلسوف والدولى وغيرها، مع إصرار عجيب وغريب على تأصيلها عند المشاهدين، بتكرار مزعج مقزز مع كل تعليق أو تعقيب، ومنها الأكثر مبيعاً فى الكتب، والأكثر مشاهدة فى البرامج، والهاشتاك والترند على صفحات التواصل الاجتماعى، ورمضان أحلى على فضائية، وأجمل على أخرى، وأقرب على ثالثة، وليس آخرها فعلة تامر حسنى المشينة فى المسرح الصينى بهوليوود، الجميع لا يجتهد إلا فى الهرولة بهوس ناحية الأفضلية بكل الطرق، أو أسهلها بمعنى أدق، أما العمل باجتهاد واحترام واحتراف فهو فقط لمن رحم ربى.
 
والاحترام والاحتراف ثنائية تشكل الأساس فى منظومة الحياة العملية، أو هكذا يجب أن تكون، ومع النفس قبل أن تكون فى مواجهة الآخرين، ولابد وأن تظهر فى سلوك الجميع، وفى الصدارة منا المشاهير، وفى مقدمتهم مشاهير الفن، فهم بصورة أو أخرى، يؤثرون فى تشكيل وجدان ونسيج أجيال، شيرين نتاج تمكين التنافس بدلاً من التفاعل والتعاون فى منظومة التربية والتعليم، المنافسة إحدى سمات المصريين الشهيرة، التى تجعلهم يتفوقون نجاحاً كأفراد، ويتفوقون فشلاً كفرق ومجموعات، وشيرين بعد ذلك ضحية غياب قيمتى الاحترام والاحتراف فى منظومة حياتها المهنية، والتى على طولها، لم تتراكم خلالها بداخلها أى معارف إنسانية أو مهنية تدفعها تجاه النضج والاتزان. 
 
سمعت فريد الأطرش فى الإذاعة يستأذن جمهوره فى إحدى الحفلات قبل أن يغنى واحدة من أشهر أغنياته (يا قلبى كفاية دق) حين غناها على المسرح لأول مرة، وشاهدت على الحجار على شاشة التليفزيون يجيب بكل احترام على سؤال مراوغ عن رأيه فى عمرو دياب مؤكداً أنه حافظ على مكانة مصر على قمة الغناء العربى طوال الوقت فى مواجهة ظواهر غنائية عربية عديدة ومتعاقبة مثل راغب علامة وكاظم الساهر وغيرهما، وفى احتفال إذاعة الأغانى بعيد ميلاد عفاف راضى العام الماضى تحدثت بكل احترام عن وردة حين سئلت بخبث عن غيرة وردة منها حين اكتشفها ورعاها بليغ حمدى، والأمثلة هنا عديدة ومتنوعة.
 
أين شيرين من هذا كله؟!.. تائهة مشتتة ما بين فيلم خارج ذاكرة السينما، ومسلسل على هامش الدراما التليفزيونية، وبرامج تحرقها وتأخذ من رصيدها فى قلوب جمهور يحبها ويشفق عليها فى نفس الوقت، من أهم مقومات نجاح أى نجم، أن يحترف الظهور والاختفاء، وشكل ومضمون وتوقيت كل منهما، شيرين تحتاج إلى وقفة مع النفس، انعزال لمدة عام تقرأ فيه حالها، وتستعين بمجموعة مؤتمنة من ذوى الخبرة، ثم تخطط لمستقبلها كمطربة، مطربة تعمل بجدية واجتهاد ومثابرة لتحقق إنجازات تضعها فى مصاف الكبار، وساعتها لن تحتاج لصدام هنا أو آخر هناك لتدخل دوائر أضوائهم، افعليها يا شيرين قبل الوصول إلى حافة الانتحار الفنى.                 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق