يونس..صاحب الدعوة التى لا ترد

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
يونس..صاحب الدعوة التى لا ترد
صورة
محمد المسلمى

أرسل الله تعالى إلى العالمين أنبياءً لدعوة الناس إلى طريق الحق والهداية، ومن بين أولئك الأنبياء سلام الله عليهم سيدنا يونس، الذى أرسله الله تعالى بعد سيدنا سليمان وقبل المسيح عيسى بن مريم، وقد وردت سورة بأكملها فى القرآن الكريم تحمل اسمه وقصّته.
 
هو يونس بن متّى، ويتّصل نسبه إلى ِبنيامين بن يعقوب، شقيق سيدنا يوسف عليهما السلام، يقول الله تبارك وتعالى: «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ».
 
ولد نبى الله يونس عليه السلام، فى بلاد الشام، وتحديدا فى بلدة كفرا الجنوبية الواقعة فى منطقة بنت جبيل اللبنانية، فى القرن الثامن قبل الميلاد، ثم انتقل للعيش والإقامة فى نينوى الواقعة على نهر دجلة بالقرب من مدينة الموصل العراقية.
 
 وُلد عليه السلام، فى كنف أسرة فقيرة، حيث امتهن والده الاحتطاب وكان مصدر رزقه، يذهب صباح كل يوم إلى الغابة، فيقطع الأخشاب من الشجر، ثم يحمله إلى السوق، ويبيعه للناس، ورغم كونه رجلاً زاهداً فقير الحال، إلا أنه كان غنيا بالإيمان بالله عز وجل.
 
لُقّب نبى الله يونس بـ«ذى النون»، أى صاحب الحوت، الذى ابتلعه، 
جاءت قصة نبى الله يونس عليه السلام أربع مرات فى القرآن الكريم، وقد أرسله الله تعالى نبياً إلى قومه فى مدينة نينوى فى العراق، داعياً إياهم أن يتركوا عبادة الأصنام ويعبدوا الله الخالق الصانع الكامل العلى المتعال، الواحد الأحد.
حاول نبى الله أن يبين لقومه، أن عبادة الأوثان لن تدفع عنهم ضراً ولن تجلب لهم نفعاً، ولن ترزقهم حين يجوعون، أو تسقيهم حين يعطشون، ولن تشفيهم حين يمرضون.
استمرت دعوة يونس، فترة قليلة من الزمن، كانت دعوة بالمعروف ونهى عن المنكر، وبغض فى الظلم، وحب فى العدل وتسليم بوحدانية الله، وحث على فك أسر الأسير، وإطعام الجائع، ونصرة المظلوم.
 
لكن قوم يونس لم يستجيبوا لدعوته، وقالوا له: ما أنت إلا بشر مثلنا، فأنذرهم بأن العذاب قادم لا محالة، وأنه سيحل بهم، إلا أنهم لم يأبهوا بذلك ولم يخشوا وعيده، قالوا له: هات ما عندك، «ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ». 
يئس يونس مبكرا من إجابة دعوته، وضاق بقومه ذرعاً، فرحل عنهم غاضباً، يائساً من إيمانهم، وخرج من نينوى، متجها إلى البحر، «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ».
 
لم يدرك نبى الله أن علامات العذاب وأماراته، بدأت فى الظهور على قومه، بمجرد أن غادرهم، وهو يظن أنهم قوم لا جدوى من دعوتهم، ولا أمل فى إيمانهم، فأظلمت السماء، ورجت الأرض، فساور قومه القلق والخوف وعلموا أن العذاب واقع بهم لا محالة، كما وقع بالأمم التى سبقتهم من ثمود وعاد، فخروا لله خاشعين متوسلين متضرعين، فتقبل الله منهم توبتهم نظراً لإخلاصهم وصدق إيمانهم، ورفع تعالى عنهم العذاب وعادوا إلى مساكنهم من الجبال والصحارى التى استغاثوا فيها، وظلوا فى انتظار نبى الله يأتيهم من جديد.
 
لكن يونس عليه السلام ركب أول سفينة وجدها، وما إن ابتعد عن الشاطئ، حتى هاجت الأمواج، وعصفت بها الأعاصير، فأدرك الركاب أن سوءا كهذا، سببه ثقل الحمولة على السفينة، دون أن يعلموا من أمر يونس شيئا، فاقترعوا على إلقاء واحد منهم فى البحر، فكانت القرعة من نصيب يونس، فهموا بإجراء قرعة ثانية ثم ثالثة، وفى كل مرة كان يونس صاحب النصيب فى الموت غرقا.
وأمام القرعة، لم يجد البحارة بداً من إلقاء يونس فى البحر، وما أن ألقوه حتى خرج حوت عظيم، فالتقم نبى الله وابتلعه، «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ».
 
علم يونس أنه أخطأ إذ ترك قومه قبل أن يستخير ربه فى الخروج ويأذن له فى الهجرة، فنادى ربه فى أعماق ظلمات البحر والليل وبطن الحوت، وقد قال تعالى فى كتابه العزيز واصفاً ذلك «فَنَادَىٰ فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
وفى الأثر عن سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، عن النبّى عليه الصّلاة والسّلام قال: «دعوة ذى النّون إذ هو فى بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إنّى كنت من الظّالمين)، لم يدعُ بها مسلم ربّه فى شىءٍ قطّ إلا استجاب له»، وقال صلّى الله عليه وسلم: «إنّى لأعلمُ كلمةً لا يقولها مكروبٌ إلا فرّج الله عنه، كلمة أخى يونس صلّى الله عليه وسلم «فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
وهذه الجملة العظيمة فيها اعترافان كبيران، الأوّل وهو الأعظم: الاعتراف بألوهيّة الله تعالى ووحدانيّته، والثّاني: الاعتراف بالذّنب، والتّقصير، والخطأ، فالأوّل يدلّ على تمام العبودية لله ربّ العالمين، والثّانى يدلّ على قوة الإيمان والرّغبة فى تطبيق العبودية تطبيقاً صحيحاً بالتّنازل عن الغرور، والتوقف عن التّمادى فى العصيان، والرغبة بل العزم فى الطّاعة، والإخلاص، والاستقامة لله تعالى. 
 
إنّ البدء بتوحيد الله تعالى فى الدّعاء وتنزيهه فيه اعترافٌ بذلك، وفيه ردعٌ للنّفس العاصية أو الطّاغية،وتذكيرٌ لها أنّها مهما تمادت وتعجرفت فإنّ هناك من خلقها، ومن سُيحاسبها، ومن هو قادرٌ عليها، فيجعلها ذلك تتراجع، وتخاف، وتتأدّب، وتمتنع عن الحرام، ثمّ يكون الاعتراف بالخطأ نتيجةً حتميّةً للشعور بعظمة الله تعالى، وقدرته، واليقين بذلك.
 
استجاب الله لدعاء نبيه عليه السلام، وحفظه فى بطن الحوت من الهشم أو الهضم، «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ  وَكَذَٰلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ»، فأوحى الله الخالق العظيم إلى الحوت، بأن يلقى يونس فى العراء، فألقاه الحوت على الشاطئ هزيلاً سقيماً، فكان من رحمة ربه به، أن أنبت عليه شجرة من يقطين «وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ» يستظل بورقها ويطعم من شجرها إلى أن عوفى وقوى.
 
ثم أمره الله بعد ذلك أن يعود إلى بلده وموطن عشيرته نظراً لكونهم قد آمنوا بالله ونبذوا الأوثان والأصنام وترقبوا مجيئه إليهم، وقد وصف الله ذلك فى الآيات الكريمة التالية من سورة الأنبياء قال تعالى «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ *فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ».
عاد مرة أخرى، إلى قومه ليدعوهم إلى الله، فكانت المفاجأة، فقد وجدهم على دين الحق، بل إن عددهم أخذ فى الازدياد، حتى صاروا أكثر بكثير مما تركهم، وبلغوا زيادة على مائة ألف شخص.
 
توفى نبى الله يونس عليه السلام فى البلدة التى ولد فيها، وله مقام كبير فى تلك البلدة ما زال قائماً حتى عصرنا الحالى، وهو محاط بالأعمدة والحجارة المنقوش عليها الرموز التاريخية.
 
لكن جهلة العصر، وخوارج هذا الزمن، قاموا بتفجير المقام، الذى شيد منذ 1300 سنة، والذى كان يعد من أعظم الآثار الإسلامية فى مدينة الموصل، التى حررها الله من هذا التنظيم الوحشى الجاهل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق