الانتخابات الألمانية

السبت، 09 سبتمبر 2017 04:36 م
الانتخابات الألمانية
إيهاب عمر يكتب:

شكلت أوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية عقب الحرب العالمية الثانية الكتلة الغربية، ورغم انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي وكتلة الشرقية، إلا أن الغرب ظل متماسكاً كفريق واحد، صحيح جرت خلافات داخلية، سواء عدم الرضا الأمريكي من صعود الاتحاد الأوروبي كقطب إقليمي، أو مناوئة فرنسا الديجولية للزعامة الامريكية للغرب، واحتفاظ بريطانيا بتفردها داخل الاسرة الأوروبية، ومحاولات إيطاليا اثبات انها قوة عظمي رغم الفساد والاقتصاد المتصدع، وألمانيا التي حولت حلم الوحدة الأوروبية الى حلم الزعامة الألمانية لأوروبا، و رغم الصراعات العتيدة عبر صناديق الاقتراع.
 
ولكن رغم كافة تلك الخلافات، كانت تحت سقف البيت الواحد، ولكن في سنوات بوش الابن بدأ التصدع بين المعسكر الأوروبي، وظهور تحالفات جديدة، مثل رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني جيرهارد شرويدر للمخطط الأمريكي حيال غزو العراق، وانضمامهم المباغت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا المضمار عامي 2002 و2003، ثم انتجت الازمة الاقتصادية العالمية عام 2008 والربيع العربي عام 2011 قوى سياسية جديدة في العالم اجمع، وهكذا أصبح لدينا فريقين في الغرب وليس فريقاً واحداً.
 
الفريق الأول هو القوى السياسية التقليدية التي تقود شبكات المصالح الغربية، المحافظين والديموقراطيين في أمريكا، الديجوليين والاشتراكيين في فرنسا، وغيرهم، والفريق الثاني أحزاب جديدة تنتمي الى اليمين القومي واليسار المتشدد بالإضافة الى الانفصاليين القوميين والحركات الشبابية التي خرجت من رحم الانتفاضات الشعبية على ضوء الازمة الاقتصادية.
 
حقق اليسار المتشدد الجديد نجاحات مهمة في انتخابات اليونان والبرتغال واسبانيا، وشكل حزب سيريزا الوزارة اليونانية مرتين، وحقق اليمين اللاتيني الجديد انتصارات مهمة في البرازيل والأرجنتين، وصعد الانفصالين الكرد في صناديق الاقتراع التركية، وانفصاليو كتالونيا في صناديق الاقتراع الاسبانية، الى جانب بعض الأحزاب الشبابية في باكستان وإسرائيل، وفى إيطاليا حققت حركة النجوم الخمس نتائج هامة في الانتخابات البرلمانية ثم البلدية وانتخابات حكام الأقاليم، وننتظر الانتخابات البرلمانية المبكرة للحكم على هذه التجربة.
 
وداخل الأحزاب القديمة ظهر رجالات من التيارات الجديدة، بوريس جونسون في حزب المحافظين البريطاني حيث تزعم تيار اليمين القومي مقابل اليمين المحافظ التقليدي، وايد ميلباد في حزب العمال ثم جيرمي كوربين وكلاهما ذهب بالحزب البريطاني الى اليسار المتشدد بعد سنوات من يسار الوسط على يد توني بلير و جوردان براون، ودونالد ترامب في الحزب الجمهوري الأمريكي متزعماً تيار اليمين القومي مقابل المحافظيين الجدد، و بيرني ساندرز احد زعماء حركات احتلوا وول ستريت من داخل الحزب الديموقراطي الأمريكي في نكهة يسارية مقابل الوسط النيوليبرالي الذى ميز الحزب لسنوات على يد آل كلنتون وباراك أوباما وجون كيري.
 
وقلل الكثير من الخبراء والمفكرين بحق هذا الصعود، لذا أتت المفاجأة في الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوروبي من عدمه، حيث حقق اليمين القومي البريطاني الجديد واليسار المتشدد ضربة هائلة بدعم خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي المتصدع الذي أصبح بيت الطاعة الألماني الذي لا يمكن لاحد ان يخالف رؤية برلين بسبب قوة الخزينة الألمانية امام اقتصاديات أوروبا المتعثرة.
 
الضربة الثانية كانت صعود اليمين القومي الأمريكي الى البيت الأبيض عبر دونالد ترامب في نوفمبر 2016، هنا فحسب بدأ العالم ينتبه الى ما يجرى ليس ضرباً من الحظ بل متغير سياسي طالما رصدته في عدداً من المقالات منذ عام 2012 على الأقل.
 
هذا التغير اليوم كبل بريطانيا على سبيل المثال، فالنخب السياسية البريطانية لم يكن لديها مشكلة في تولى حزب العمال السلطة بديلاً عن حزب المحافظين في محاولة لجنب صعود التيار القومي داخل الحزب للسلطة، ولكن وجود كوربين على رأس حزب العمال جعل المحافظين يتمسون بالسلطة حتى لا تذهب بريطانيا الى هذا العجوز الماركسي، والنتيجة وزارة متصدعة بقيادة تريزا ماى.
 
وفى عام 2017 توجهت الأنظار الى فرنسا، والمفاجئ ان كافة الأحزاب الفرنسية كانت جزءاً من الظاهرة، حزب الجمهوريين الديجولى رشح فرنسوا فيون من اقصى اليمين القومي مرشحاً، و الحزب الاشتراكي رشح بنوا آمون من اليسار المتشدد، ومثل يمين القومية الفرنسية مارين لوبان، بينما سارعت شبكات المصالح الغربية الى الدفع بوجه جديد على سبيل التماهي مع رغبات التغيير فكانت حركة الى الامام ورئيسها ايمانويل ماكرون الذى استطاع الظفر بالرئاسة الفرنسية، في اعلان صريح لتمسك القوى السياسية القديمة بالسلطة وبدء الدفع بوجوه وأحزاب جديدة.
 
وفى 24 سبتمبر 2017 تخوض المانيا الانتخابات البرلمانية، وكان المفاجئ ان انجيلا ميركل المستشارة الألمانية تخوض الانتخابات على امل الظفر بولاية رابعة في الحكم على رأس حزبها الاتحاد المسيحي الديموقراطي، وهو ائتلاف دائم ما بين حزب المسيحي الديمقراطي ( برئاسة ميركل ) والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري برئاسة هورست زيهوفر، والأخير رفض سياسات ميركل في احتضان اللاجئين من الشرق الأوسط ودمجهم غير المدروس بالمجتمع الألماني، وابدى تأييداً ضمنياً لسياسات الرئيس ترامب و لا عجب في ذلك فأن اليمين المحافظ الألماني هو ابن ذات الأفكار التي يؤمن بها ترامب.
 
وفى مواجهة ميركل عاشقة اللاجئين، تخوفت شبكات المصالح الغربية من خسارتها، لذا تم تصعيد مارتن شولتز عبر الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وهو عاشق الاتحاد الأوروبي الأول ويرفض بشدة فكرة الخروج الألماني من هذا الاتحاد القاري، وترأس البرلمان الأوروبي خمس سنوات.
 
ويحظى شولتز بدعم الاشتراكي العتيد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي فشل في الظفر بمنصب المستشارية امام ميركل عام 2009، وهو وزير خارجية مرتين ومستشار شرويدر للسياسة الخارجية، مهندس مقاطعة المانيا لحرب العراق.
 
ومن ضمن الابتلاء الذى نعاني منه ان الصحف العربي دأبت على وصف فوز اتحاد ميركل المسيحي بالانتخابات أعوام 2005 و 2009 و 2013 بانه اكتساح عتيد، رغم انه في المرات الثلاث لم تظفر ميركل بالأغلبية الكافية لتشكيل الوزارة منفردة، ودخلت مع الاشتراكيين ائتلاف وزاري عامي 2005 و 2013، ومع الحزب الديموقراطي الحر عام 2009، و في الانتخابات الأخيرة عام 2013 كان البرلمان الألماني يسارياً بامتياز باستثناء كتلة ائتلاف ميركل اليميني.
 
يمكن القول ان هذا التحرك كان بارعاً بحق من شبكات المصالح الغربية، سواء ميركل او شولتز لا مشكلة فالنهج الأوروبي واحد، ولكن الأنظار سوف تتوجه الأحزاب الألمانية الجديدة سواء اليمين او اليسار، خاصة حزب البديل من أجل ألمانيا بقيادة اليمينية فراوكه بيتري، والحزب القومي الديمقراطي حيث يطلق عليه البعض الحزب النازي الجديد، بالإضافة الى الحزب الشعبي من اجل الحرية والديموقراطية المباشرة الذراع الحزبي لحركة بيجيدا.
 
الأحزاب الجديدة هي من سوف يحسم الانتخابات دون ان يكون له نصيب في الحكم، اذ ان تلك الكيانات الجديدة في صعودها سوف تختصم من ارصدة الحزبين الكبيرين، وبالتالي مهما صدعت الصحف لاحقاً هو انجاز للمحافظين او الاشتراكيين في المانيا، فأن الفضل الأول لهزيمة هذا او ذاك سوف يكون لصعود أيا من تلك الأحزاب الجديدة في الانتخابات، يضاف إليهم الأحزاب الصغيرة التقليدية حزب اليسار وحزب الخضر والحزب الديموقراطي الحر.
 
اذن ان السؤال الأهم هنا ليس فوز ميركل او شولتز بقدر ما هو هل يقدر حزب البديل الألماني ان يحقق كتلة برلمانية تترجم نتائجه الجيدة في انتخابات الأقاليم ام يعرقل النظام الانتخابي الفيدرالي هذا الصعود مثلما فعل النظام الانتخابي البريطاني مع حزب الاستقلال البريطاني؟
 
ما يعني أن المانيا على موعد جديد مع صعود قوى سياسية جديدة، يشكل برلمان 2017 مرحلة انتقالية لها، على ان يكون الاختبار الحقيقي في برلمان 2021.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة