إلى الإنسانية المفقودة مسلمو ميانمار في المحرقة

الأحد، 10 سبتمبر 2017 08:17 م
إلى الإنسانية المفقودة مسلمو ميانمار في المحرقة
د.هدي درويش

بالرغم من عدم منهجية المقارنة بين ما هو سماوى وما هو وضعى وبشرى إلا ان أزمة ميانمار قد فرضت نفسها لاستدعاء هذه المقارنة ومواجهة العقل بالنص . فالبوذية قامت قديما على نظام أخلاقى وسلوكى عن طريق شخص بوذا ذلك الأمير الذى عاش في القصور حتى الثامنة عشر من عمره والتي تركها خلفه ليبدأ حياة الزهد والتقشف والصلاح حيث هاله المعاناة والشقاء التى تصيب الناس فتوجه بالبحث نحو سبل الخلاص بالحكمة والخير والسلام الخالد للإنسانية، مؤمنا بأن السعادة والشقاء ناتجة عن سلوك البشر، وأن المؤمن الحق لا يحتد ولا يغضب بل يبعد عن الشر قولا وفعلا . ونتيجة لمبادئه في الإصلاح فقد تبعه الكثيرون في معظم البلدان الآسيوية.  
 
والآن نقول أين هذه المبادئ لدى أتباع البوذية والتي لا نرى منها إلا النقيض فيما يفعلونه بمسلمى الروهينجا في ميانمار الذين يمثلون حوالى 10% من السكان.
 
فمنذ عام 1784م تم اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم في هذه المنطقة، ثم رزحوا تحت الاحتلال البريطاني حتى تم الاستقلال فى عام 1948م شريطة ان تمنح ميانمار كل العرقيات الموجودة حق استقلالها العقدى والدينى والمذهبى، لكن البوذيين نكثوا عهودهم ووعودهم وعمدوا إلى اخراج المسلمين من الروهينجا وفقا لمخطط مدروس ومعد من أتباع هذه الديانة، حيث استمر الاضطهاد والابادة والتحريق والتقتيل للمسلمين في المنطقة، رغما عن ادانة مسئولي الديانة البوذية بما يحدث حيث صرح الزعيم الروحي للتبت، الدالاي لاما، عن إدانته لكل ما يجرى لمسلمى الروهينجا وعبر عن حزنه العميق وأسفه الشديد بسبب ما يتعرض لهه مسلمو الروهينجا الذين يفرون من ميانمار هذه الأيام مُذّكرا، أمثاله، البوذيين، بأن بوذا يساعد اللاجئين. وأنه على يقين أن بوذا يمد يد المساعدة لأولئك المسلمين الفقراء. 
 
إن إبادة مسلمي الروهينجا إنما هو حلقة في سلسلة أحداث الإبادة للمسلمين في العقود الأخيرة بداية من أفغانستان 1979 ثم البوسنة والهرسك 1990 إلى الصومال 1996 ثم العراق 2003 مرورا بلبنان وغيرها، وهنا يجب الالتفات والانتباه إلى ضرورة تغيير آليات المواجهة بعيدا عن بيانات التنديد والشجب والادانة التي تعد مجرد تسجيل مواقف دون ان تكون هناك استراتيجية حقيقية للمواجهة. حتى ولو كانت من البوذيين أنفسهم!
 
علينا اليوم ان ندعو شعوب الإنسانية وحكومتها بكافة أديانها وأجناسها وألوانها أن تضع حدًا لأشكال التعذيب التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية والذى يجرى بثه ونقله في جميع وسائل الاعلام والاتصال في العالم ومطالبة كل المؤسسات الدينية في العالم بعقد اجتماع طارئ وعاجل لوضع قرارات سريعة ذات فاعلية لإنقاذ المسلمين في ميانمار من الإبادة الجماعية التي تمنعها شرائع وأديان العالم.
 
ونضم صوتنا لأزهرنا الشريف الذى أرسل على لسان شيخه الامام أحمد الطيب من مصر قلبِ العروبة والإسلام صيحة وصرخة إنسانية مدوية للمطالبة بتحرك فوري من صُنَّاع القرار في الدول العربية والإسلامية ومن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبخاصةٍ مجلس الأمن، بأن يبذلوا أقصى جهدهم من ضغط سياسي واقتصادي يُعيد السلطات الحاكمة في ميانمار إلى الرشد والصواب، والتوقُّف عن سياسة التمييز العنصري والديني بين المواطنين، ووقف كل جرائم الحرب المضادة للأمن والسلام العالمى.  
 
د.هدى درويش
أستاذ ورئيس قسم الأديان– جامعة الزقازيق
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق