"الحب" حاضر بقوة في ثقافة عام يستعد للرحيل !

الإثنين، 14 ديسمبر 2015 07:12 ص
"الحب" حاضر بقوة في ثقافة عام يستعد للرحيل !
ندا عصام

سواء في مصر او أمريكا او في اي مكان بين أربعة أركان المعمورة يبقى الحب مثار جدل واهتمام سواء على مستوى رجل الشارع او المثقف المنتمي للنخبة ، ولعل ذلك ماتكشف عنه القائمة التي اختارتها جريدة " نيويورك تايمز" لأفضل عشرة كتب في عام 1015 كما يكشف عنه جدل تجدد في مصر بمناسبة مرور 50 عاما على رحيل الكاتب والشاعر الكبير كامل الشناوي.

فقد تصدرت قصة "الباب" قائمة " نيويورك تايمز" لأفضل عشرة كتب خلال عام 2015 فيما كان الحب بمعناه الرحب والسامي حاضرا بقوة في هذه القصة للمؤلفة المجرية الأصل ماجدا سزابو تماما كما هو الحال في كتاب "دليل لسيدات النظافة" الذي احتل المركز الثاني وهو بمثابة مختارات قصصية قصيرة للكاتبة الأمريكية لويزا بيرلين التي شكل "الحب" تيمة أصيلة في أعمالها الابداعية.

وكذلك ستجد الحب في الكتاب الذي احتل المركز الثالث في تلك القائمة المرموقة لأفضل عشرة كتب صدرت خلال عام يستعد للرحيل ، وهو عمل ابداعي روائي صدر بعنوان "موجز" للكاتبة راشيل كوسك التي تتناول في هذا العمل مشاعر امرأة مطلقة تقوم بجولة في اليونان وتلتقي بأشخاص تستوعب تجاربهم ومشاعرهم في الحكايات الموزعة مابين الحب والفقد والخداع والكبرياء والحمق والخيانة.

وغياب الحب قد يفضي لجرائم مروعة كما يشرح الكتاب الذي احتل المركز الأخير في قائمة نيويورك تايمز لأفضل عشرة كتب خلال عام 1015 ، وهو الكتاب الصادر بعنوان "واحد منا: قصة اندرس بريفيك ومذبحة النرويج".

وفي هذا الكتاب الذي كان في جوهره بمثابة تحقيق صحفي استقصائي ومستفيض ، تكشف المؤلفة اسني سايرستاد أن السفاح النرويجي اندرس بريفيك الذي ارتكب مذبحة في بلاده يوم الثاني والعشرين من يوليو عام 2011 أودت بأرواح عدد كبير من الأبرياء عانى في الواقع من الاستلاب وغياب الحب في حياته منذ ايام الصبا وكان من اشد المعادين لحقوق المرأة.

وقصص الحب والخيانة مازالت تحظى باهتمام كبير من القراء في الغرب كما حدث مؤخرا عندما نشرت صحيفة " نيويورك تايمز " رسالة لشخص يشعر بحيرة بالغة حيال علاقته بصديق وزوجته وهي صديقة له ايضا بل انها صديقته حتى قبل يعرف زوجها.

فصداقته معها ترجع لسنوات بعيدة واكتسبت قوة بحكم العمل في مجال واحد..وبعد ان تزوجت اصبح زوجها صديق عزيز له وتجمعهما اهتمامات وهوايات مشتركة اما المشكلة التي حظت بنسبة عالية حقا من القراءة والتعليقات فتتمثل في أن هذا الشخص كان يعرف ان لصديقته علاقة غرامية مع شخص اخر قبل زواجها وان هذه العلاقة قديمة.

والحقيقة انها هي التي حكت له عن قصتها مع هذا الشخص ويقول :اعتبرت ذلك حينئذ دليل ثقتها بي واكبارها للصداقة بيننا..قالت لي ايضا إن تلك العلاقة كانت اهم سبب لطلاقها من زوج سابق فهي تعتبر حبيبها توأم روحها وفارس أحلامها !.

صديقته لم تبح لزوجها ابدا بأي شيء عن علاقتها الغرامية التي دمرت زيجتها الأولى ويضيف صاحب المشكلة : الحقيقة انني اتفقت معها في الرأي حول عدم وجود سبب يدفعها للحديث مع زوجها الحالي عن تلك العلاقة خاصة وان الحبيب القديم يعمل في بلد أخر وقد تزوج بدوره واصبح أبا لعدة أطفال ولايعود من مقر عمله خارج البلاد الا مرة او مرتين على الأكثر كل عام.. كنت أتصور أن العلاقة بهذا الشكل مجرد علاقة رومانسية مشحونة بذكريات حميمة من ماض ولى ولن يعود أبدا وبعيدة كل البعد عن خيانة الروح والجسد.

ويواصل قائلا : غير أنني عرفت بكل الأسف أن صديقتي العزيزة تلتقي بحبيبها القديم كلما عاد للبلاد وانها تختلق ذرائع شتى لزوجها غالبا ماتتعلق بعملها وتكذب عليه لتقضي يوما مع حبيبها القديم تحت سقف غرفة واحدة بفندق!.

ويتابع : أعرف انه ليس من حقي التدخل في حياة اي شخص أخر او تحديد خياراته في الحياة كما انني بالمناسبة لست بالشخص المتزمت لكنني بالتأكيد اكره الخيانة ولا أحب الكذب..مايزيد من أسفي والمي انني بحكم وجودي في مكان عمل واحد مع صديقتي وجدت نفسي ذات عشاء معها ومع زوجها الذي هو صديقي ايضا مضطرا للكذب عليه بشأن رحلة عمل مزعومة لزوجته وتورطت لأغطي على لقاء ترتبه مع حبيبها القديم وليلة تجمعهما تحت سقف غرفة واحدة !.

ويخلص صاحب المشكلة قائلا : كانت لحظات مريرة لن انساها ، وأنا أجد نفسي متواطئا مع زوجة تخون زوجها وكلاهما في نظري صديق ، لكنني اعرف ما ارتكبته في حق صديقي كما انني اعرف أن صديقتي بما تفعله تجعلني أقوم بدور لا أرضاه لنفسي تحت لافتة الصداقة بيننا !..لا أعرف حقا كيف اتصرف؟!..لو قلت لزوجها الحقيقة سيطلقها فورا وبذلك تتحطم زيجتها الثانية واكون انا السبب المباشر في الحاق الأذى بانسانة مخطئة بالتأكيد ، لكنها ايضا صديقة العمر بالنسبة لي ؟!...فعلا لا أعرف ماذا افعل ؟!.

وفي موقف خياني شهير تعرض له كاتب وأديب وشاعر كبير في مصر عمد الموسيقار محمد عبد الوهاب للتعليق الساخر على هذا الموقف عندما قال :"اني ضبطكما معا" !!..لكنها ايضا لحظة الذروة المأساوية في حياة احد كبار الظرفاء والمبدعين المصريين على مر الأجيال ..انه كامل الشناوي!.

فكامل الشناوي الذي مرت مؤخرا الذكرى ال50 لوفاته كان وسيبقى الشاعر الذي حول خيانة الحبيبة لكلمات خالدة يستدعيها كل من تعرض للخيانة..الحقيقة أن هذا الشاعر الذي ولد عام 1908 بقرية نوسا البحر في محافظة الدقهلية وقضى في الثلاثين من نوفمبر عام 1965 كانت اختياراته غريبة ولافتة في العشق والهوى ، ولم تكن بطلة قصيدته الشهيرة "لاتكذبي" أول حبيبة خائنة.

وقبل ذلك كان قد ترك الأزهر وخلع الزي الأزهري من اجل فتاة كانت تقطن حي المعادي ومن هنا عرفت "بفتاة المعادي" التي غيرت مسار كامل الشناوي في الحياة فاذا به يودع طائفة المعممين او الشيوخ وينضم لجماعة المطربشين او الأفندية ويبدأ مسيرته الصحفية كمصحح لغوي في جريدة "كوكب الشرق".

وكانت مواهبه المتعددة كفيلة بأن تجعله بعد ذلك احد سادة القلم في الصحافة المصرية والعربية وان يجتمع على حبه الفرقاء والأضداد في عالم الصحافة مثل مصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وموسى صبري ناهيك عن انيس منصور واحمد رجب ومحمود السعدني ويوسف الشريف او عمالقة الفكر كطه حسين وعباس محمود العقاد واحمد لطفي السيد وامير الشعراء احمد شوقي وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

هذا الصحفي الكبير الواسع الثقافة وكبير الظرفاء في عصره والشاعر المبدع وصديق رؤساء الحكومات في العهد الملكي وصاحب الأفضال والأيادي البيضاء على أجيال من الصحفيين والفنانين والمبدعين في مجالات متعددة ابكته خيانة الحبيبة والمطربة التي فتح لها أبواب الشهرة وضبطها متلبسة بالعشق مع كاتب موهوب ليكتب :"لاتكذبي إني رأيتكما معا..ودعي البكاء فقد كرهت الأدمع"!.

نظم كامل الشناوي قصيدته وهو يبكي في شقة الصحفي العملاق مصطفى أمين بالزمالك ولم يخف مصطفى أمين كراهيته علانية لهذه المطربة التي منحها كامل الشناوي المجد والشهرة والشعر فمنحته العذاب ليكون حقا الشاعر الذي يشتري الحب بالعذاب.

أما موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فقد اطلق بخفة دم مصرية على قصيدة لاتكذبي :"اني ضبطكما معا"!..لكن من الواضح أن الكثيرين لم يهتموا بمعرفة رأي الطرف الأخر في هذه القصة التي باتت علما على الخيانة في دنيا الهوى!.

المطربة او الطرف الآخر في القصة الشهيرة مع كامل الشناوي قالتها اكثر من مرة وبأكثر من صيغة :"أنا لم احبه..هو الذي كان يحبني..طلب أن يتزوجني فرفضت لأننا نختلف في كل شيء..أنا رقيقة وهو ضخم..أنا صغيرة وهو عجوز"!.

وجهة نظر على اي حال..ولن يكون من قبيل الدفاع عن الخيانة القول بأنها وجهة نظر قد تتطلب نوعا من الفهم والعدالة اللتين طالب بهما كامل الشناوي في سياق أخر مختلف تماما وهو يتحدث عن الحاجة لمؤرخ يعيد كتابة تاريخ استاذ الأجيال احمد لطفي السيد "بفهم وعدالة" !.

هل كان الرجل الكبير وساحر البيان وعاشق الليل يتوهم أن هذه المطربة الرقيقة تحبه وهو صاحب الجسد البدين والتركيبة الغريبة في عالم الهوى..هل صنعها وصنع حبها من هواه وزيف أحلامه وغدر مشاعره كقيد حرص العمر الا يكسره وذنب سأل الله الا يغفره كما قال في قصيدته الشهيرة "لاتكذبي" ام أن الأمر كما يقول مصطفى أمين:"احبها فخدعته ، اخلص لها فخانته ، جعلها ملكة فجعلته أضحوكة" ؟!!.

صعب..وصعب جدا وضع معايير صارمة في مسائل الحب والهوى وكامل الشناوي ذاته هو الذي رأى وكتب عن الدكتور مصطفى عبد الرازق الأستاذ الأكبر والفيلسوف الشامخ وشيخ الأزهر فيما بعد وهو يمسح دموعه بمنديله بعد محاضرة القتها الأديبة الفلسطينية - اللبنانية مي زيادة في قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية في القاهرة قبيل سفرها للبنان.

وفي كتابه "الذين احبوا مي" يرصد كامل الشناوي قائمة المحبين والعشاق لجميلة الروح والوجه القادمة من لبنان فاذا بالقائمة تضم أعلام الفكر والثقافة والصحافة والفن والشعر في مصر الثلاثينيات والأربعينيات : مصطفى عبد الرازق وعبد العزيز فهمي وولي الدين يكن ومصطفى صادق الرافعي وخليل مطران وانطون الجميل واسماعيل صبري والعقاد الذي قال بحسرة بعد موتها :"كل هذا في التراب..آه من هذا التراب"!!.

انه العقاد الذي تألم من قبل عندما أدرك أن مي لاتحب حقا سوى الكاتب والشاعر اللبناني الكبير جبران خليل جبران المقيم حينئذ في نيويورك ..لكن المه كان يختلف بالتأكيد عن الألم القاتل لكامل الشناوي عندما رأى خيانة من احبها ليقول "اني رأيتكما.اني سمعتكما.عيناك في عينيه.في شفتيه.في كفيه.في قدميه.ويداك ضارعتان ترتعشان من لهف عليه . تتحديان الشوق بالقبلات تلذعني بسوط من لهيب . بالهمس بالآهات بالنظرات باللفتات . بالصمت الرهيب"..يالها من صورة شاعرية رهيبة لشاعر في اللحظة الرهيبة.. لحظة بدا فيها الحب مهزوما مكسورا لكنه ابدا لن يموت !.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة