«أبو الغيط»: ننظرُ لليابان بوصفها شريكا مهما في قيادة العالم (النص الكامل)

الإثنين، 11 سبتمبر 2017 09:00 م
«أبو الغيط»: ننظرُ لليابان بوصفها شريكا مهما في قيادة العالم (النص الكامل)
الاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي الياباني
هناء قنديل

قال أحمد أبو الغيط، الأمين العـام لجامعـة الـدول العربيـة في نص كلمته بالجلسة الافتتاحية، للــدورة الأولى للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي الياباني: "يأتي انعقاد هذه الدورة، الأولى من نوعها، في ظل تحديات هامة وخطيرة تشهدها المنطقة العربية ومنطقة شرق آسيا، وإننا لم نكن في أي وقت أحوج إلى الحوار السياسي بيننا مما نحن اليوم".
 
تابع أبوالغيط: "إننا ننظرُ لليابان بوصفها شريكاً مهماً في قيادة المنظومة الدولية.. ونستمع بإصغاء واهتمام لصوتها في القضايا الدولية.. وننظر إلى المواقف اليابانية باعتبارها عامل اتزان في الشئون الدولية، ومُعبراً صادقاً عن معاني الإنسانية،لا يخفى عليكم أننا في العالم العربي لا ننظر لليابان فقط بوصفها قُطباً دولياً ذا وزن ومكانة، ولا حتى كعملاق اقتصادي وعلمي.. وإنما نرى فيها تجربة مُلهِمة وقصة نجاحٍ فريدة طالما ألهبت حماس الأجيال الأولى من المُصلحين العرب الذين كانوا يبحثون عن وصفة للتقدم تمزج بين التجديد والتقليد، بين الأصالة والمعاصرة.. وقد وجدوا ضالتهم في نهضة اليابان الحديثة التي سلكت سبيلاً نادراً من المزاوجة بين الثقافة الوطنية والأخذ بأسباب الحداثة في تنظيم المُجتمع، حتى صارت مثالاً يُحتذى، ونموذجاً يجتهد الجميع لتكراره".
 
وأشار أبو الغيط إلى مكانة اليابان عند العرب قائلا: "لا زالت اليابان تُقدم للمنطقة العربية هذا الإلهام، ولا زالت صورة اليابان في الذهنية العربية تقترن بإنجاز المُعجزات العلمية والاقتصادية.. ولعل أبرز هذه المعجزات وأكثرها إثارة للإعجاب والاحترام هو ما سطرته اليابان من نجاح باهر في الاعتماد على الإنسان كمحور لعملية التنمية وتوليد الثروة، وكغاية لهذه العملية في الوقت ذاته.. الثروة الحقيقية لا تكمن في الموارد، مهما كثرت، ولا في الأرصدة البنكية مهما تزايدت، وإنما في البشر؛ تعليماً واعداداً وتربيةً وثقافة".
 
واستطرد الأمين العام لجامعة الدول العربية"لا شك أن الأمن الإقليمي في شرق آسيا هو صمام أمان للنظام الدولي كله، بشقيه السياسي والاقتصادي، وهو ملف ندرك جيداً مدى خطورته على الأمن العالمي وندعو مُختلف الأطراف إلى التعامل معه بالمسئولية الواجبة، وبروح الحفاظ على السلام العالمي وتطبيق مبادئ القانون الدولي وحسن الجوار والتعايش السلمي، والعمل على اتخاذ خطوات ملموسة وجدية نحو نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، ومن جانبه، يمر العالم العربي بظرف استثنائي، إذ تواجه دوله حزمة مُركبة من التهديدات الخطيرة والمُشكلات المزمنة.. ولا زال الإرهاب أخطرَ هذه التهديدات جميعاً، لأنه يضرب الأمن والنمو والمستقبل والتماسك المجتمعي في آن معاً.. وقد رأينا كيف اتخذت الهجماتُ الإرهابية طابعاً عشوائيا وفردياً خطيراً، يوشك أن يجعل من العالم على اتساعه ميداناً لعملياته الدنيئة المُجردة من الإنسانية.. إن الحقيقة الساطعة تُشير إلى أن المسلمين هم أول ضحايا الإرهاب، والمجتمعات المُسلمة لم تعد تخفض صوتها في التبرؤ ممن يقومون بمثل هذه الأعمال، وفي استنكار ورفض أي صلة تنسب هؤلاء القتلة للدين الإسلامي بقيمه الحضارية المعروفة.
 
وثمة بشائر جيدة، فها هم العراقيون ينجحون في دحر تنظيم داعش الإجرامي وإخراجه من كبرى المدن العراقية.. وهناك جهود مشتركة تجري اليوم لدحر التنظيم في سوريا وليبيا وغيرهما من البقاع التي اتخذ منها نقاط انطلاق لممارسته الوحشية.. إن حالة الفوضى والانهيار الأمني التي شهدتها الكثير من ربوع الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية قد خلفت دماراً فاق الحصر، وخراباً غير مسبوق في مداه.. فهناك دول عربية قليلة السُكان محدودة الموارد تستضيف اليوم ملايين اللاجئين السوريين.. وفاتورة إعادة الإعمار في العراق وسوريا تتجاوز مئات المليارات من الدولارات.. ولا شك أن المنطقة العربية لا قِبل لها بالتعامل مع هذه التحديات الضاغطة بمفردها.. إننا نُقدر كل مساعدة ودعم يتقدم بهما المجتمع الدولي.. ونُثمن على وجه الخصوص إسهامات اليابان في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في سوريا، والتي بلغت نحو 1.9 مليار دولار منذ 2012 وإلى اليوم.. والمأمول هو الاستمرار في توجيه مثل هذا الدعم، خاصة للدول التي تستضيف اللاجئين والنازحين، وعلى رأسها لبنان والأردن.. ذلك أن الهزيمة الحقيقية لداعش لن تكون سوى بإغلاق الثغرات التي أدت إلى ظهوره من الأصل، وذلك بدعم الدول وتمكينها من فرض سيادتها على كامل ترابها الوطني، وكذا انتشال اللاجئين والنازحين من دوامة الفقر والحرمان والاغتراب عن الوطن الأم.
 
وقال أبو الغيط:"ما زالت القضية العادلة لشعب فلسطين سبباً رئيسياً للتوتر وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط.. وبرغم ما يسعى إليه البعض من التذرع بإلحاح المُشكلات الأخرى بهدف ترحيل المسألة الفلسطينية إلى ذيل الأولويات، فإن هذه القضية تظل محل إجماع عربي كامل وصلب، وهي تتربع على قمة أجندة النظام العربي.. إن التوترات التي شهدتها مدينة القدس الشرقية في شهر يوليو الماضي - بسبب استفزازات الاحتلال الإسرائيلي في الأساس- تذكرنا جميعاً بخطورة إهمال هذا النزاع التاريخي من دون تدخل دولي ناجز من أجل حله.. وللأسف فإن إسرائيل تُمعن في الاستهانة بالإرادة الدولية الرافضة للإقرار بشرعية الاحتلال أو بقانونية المستوطنات.. وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي يُصرح منذ أيام بأنه لن يسمح باقتلاع مستوطنة واحدة من الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.. إن الحكومة القائمة في إسرائيل اليوم لا تعترف بحل الدولتين الذي يُمثل الأساس الوحيد المقبول من المجتمع الدولي لحل النزاع، وتقوم بتنفيذ أجندة جماعات الاستيطان وتكتلات اليمين التي تزداد تطرفاً يوماً بعد يوم.. ومما يُثير الدهشة والاستنكار، أن تسعى الحكومة الإسرائيلية –التي تتبنى مثل هذه الأجندة المتطرفة- إلى تطبيع وضعيتها الدولية من خلال العمل الحثيث على الفوز بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن عن الفترة 2019-2020.. والأغرب أن تجد من يناصرها في مسعاها هذا ويغض الطرف عن انتهاكاتها واصرارها على إدامة احتلالها للأراضي الفلسطينية.. وأقول إن هذا المسعى يُعد سبباً للدهشة والاستنكار لأن إسرائيل نفسها لا تفوّت فرصة إلا وتنال من مصداقية المنظمة الأممية وحيادها ونزاهتها.. بل ووصل الأمر إلى حد المطالبة بتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تلعب دوراً حيوياً لا غنى عنه في دعم واسناد نحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني.
 
وبهذه المناسبة، فإننا نطالب اليابان بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما نغتنم هذه الفرصة لكي نعرب عن تقديرنا للدعم الياباني السخي للأونروا، وندعوها للاستمرار في هذا النهج المسئول، خاصة في ظل التحديات المالية المُحدقة بالأونروا والتي تؤثر على أدائها لمهمتها السامية.
 
وشدد أبو الغيط على "إن إيجاد حل للأزمات العربية يحتاج انخراطاً متواصلاً من جانب المجتمع الدولي، خاصة وأن أغلب هذه الأزمات صارت له أبعاد عالمية وتبعات على السلم الدولي بمعناه الشامل.. وفيما يتعلق بسوريا فإننا نرى فرصة يتعين اغتنامها في مناطق خفض التصعيد التي جرى إنشاؤها عبر مسار الآستانة برعاية روسية.. ونتطلع لأن يفضي استقرار هذه الاتفاقات المحلية إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا على أساس القرار 2254، بما يلبي تطلعات الشعب السوري، ويضمن وحدة هذا البلد واستقلاله وتكامل ترابه الوطني.
 
أما فيما يتعلق بليبيا، فإن المأمول هو تكثيف الجهود الدولية في المرحلة المقبلة من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية وتشجيعها على التوصل إلى التفاهمات المطلوبة لاستكمال المرحلة الانتقالية التي ما زالت تعيشها ليبيا للأسف منذ 2012 وإلى اليوم.. إن الحفاظ على وحدة هذا البلد، وتجنيبه مخاطر الانزلاق إلى صراع أهلي مفتوح، هي أهداف قابلة للتحقق.. وهناك في التطورات الجارية ما يُبشر بإمكانية تجاوز الأزمة السياسية والأمنية الكبرى التي يعيشها الشعب الليبي.
 
وأشارأبو الغيط:"إلى أن آفاق التعاون بين العالم العربي واليابان واسعة وتنطوي على فرص كبيرة للجانبين، وقد امتدت أوجه التعاون مؤخراً لتشمل مجالات تلمس المواطن العربي بصورة مباشرة مثل التعليم.. وبعد أيام من المنتظر أن تبدأ الدراسة في عدد من المدارس المصرية التي تعمل بالطريقة والاسلوب الياباني.. لقد وصل عدد هذه المدارس إلى 28 والمأمول هو زيادتها خلال فترة قصيرة... ويراقب المصريون هذه التجربة الفريدة بتقدير كبير للخبرة اليابانية المشهود لها في مجال التعليم، وبرغبة أكيدة في الاستفادة من هذه الخبرة ونقلها للبيئة المصرية.. ويقيني أن التجربة قابلة للتعميم في مختلف أنحاء العالم العربي.
والحقيقة أن آفاق التعاون العربي-الياباني لا ينبغي أن تقِف عند حدود الاقتصاد أو التجارة، أو حتى الثقافة والسياحة، بل يتعين أن تُترجم العلاقات التجارية والثقافية إلى تنسيق سياسي جاد ومستمر، آمل أن يكون هذه الاجتماع مُقدمة لتفعيله وتوسعة نطاقه ليشمل كافة القضايا التي تهم الجانبين.. فالعرب واليابانيون يحتاجون لأن يسمعوا العالم صوتهما المُشترك في قضايا كثيرة تكاد تتطابق فيها رؤيتهم، وتتحد إزاءها مواقفهم.
 
 
يذكرأن اليوم انطلقت أعمال الدورة الأولى للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي - الياباني بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، برئاسة عبد القادر مساهل وزير الشؤون الخارجية بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وتارو كونو وزير خارجية اليابان، بمشاركة وزراء الخارجية ورؤساء وفود الدول العربية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق