أنت بطلُ روايتك

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017 08:47 م
أنت بطلُ روايتك
رشا الشايب تكتب:

إذا دققنا في تفاصيل أمورنا الحياتية لوجدنا حقيقة هامة وهى أن حياة كلاً منا أشبه برواية درامية مطولة مكتملة العناصر تحكى قصة بها عبره، وتحكمها حبكة محكمة، أما أحداث حياتنا فمتتابعة تمتلئ بعناصر الإثارة والتشويق والتعجب، وأحياناً تُثير الشفقة والصدمة والقلق والتعاطف الذى قد يصل لحد البكاء، كما تعج حياتنا بصراعات أشبه بالصراع الدرامي، نعم صراعات تخترق نفوسنا البيضاء المسالمة البريئة، فتفرض سيطرتها وتُحكم سلطانها عليها، بل قل تحتلها في أدق التعبيرات وصفاً، فلا تلبَث إلا أن تتوغل فيها فتبدأ بشق هدوء نمطها وسرقة سلامها الوجداني ويا له من غالٍ عزيز المنال، مع إعلان الحزن المسيطر الأول على نفسٍ جريحة، المانع لأى لحظة فرح، والقاتل لكل شيء. فالصراعات والأزمات التي تظهر فجأة دون سابق إنذار هي أشبه بعاصفة ترابية تجتاح مدينة نظيفة جميلة لا تتركها إلا والتراب قد اعتلى أركانها بل وتغلغل في تركيبة طرقاتها تاركاً بصمته الأزلية فيها والتي لا تُمحى بمرور السنين.
 
وحياتنا تملأها صراعات أزلية عدة، كصراع بين خير وشر- وصراع بينك وبين أعراف مجتمعك- وصراع بين الروح والجسد - وصراع داخلي ذهني وهو من رأيي أشدهم خطورة وهو صراع يجعلك تطرح تساؤلاتك الذاتية مع خالقك مستفهماً الحكمة المخبأة وراء أحداث حياتك، فتُنشئ حوارك البائس اليائس معه، رغبةً منك في اكتشاف الحقيقة الإلهية خلف مجريات أقدارك، ولا تتذكر أبداً أو تذكر أنه قد أعلنها لك سلفاً، ولكنك لا تُطِيقُ صبراً، وهى أن البلاء الذى تراه شراً ظاهراً قد يكون خيراً لك وأنت لا ترى ذلك بمحدودية علمك وجهلك بأمور الغيب، حينها لا مفر لك إلا أن تلتمس منه رجاءً بتضرعِ وخشية أن يرحم توسلاتك وأن يجيب على تساؤلاتك قبل أن يمسّك داء الشك وما ألعنه من داء إذا أصاب النفس أو ترك فيها أذاه، والمحظوظُ فينا من يُكشَفُ له نورَ الحقيقة مبكراً، فتتجسدُ له بسلطانها المفروض، قبل فواتِ الأوان، وتعدُّدِ الحسرات، وتملُّكِ اليأس منّا وموت الروح فينا حتى لو ظل الجسد ينبض بالحياة، وقتها لا تنسى أن تسجُدَ باكياً للكاشف، وأن تشكُرَ قدرة الواهب على ما ألهمك من فيض نوره وبعض كرمه – أما صراع الروح والجسد والذى يجرى باستمرار بين نفسٍ تُحِبُ الله ومفتونَةٍ بشهواتِ دُنياه، وهذا عقدة الصراعات بل قل محور كل الصراعات، نعم صراعٌ عنيف تُختبَرُ فيه قوتكَ الإيمانية، وتُستهلَكُ فيه طاقاتك النورانية، ويظهرُ فيه بوضوح ولاءكَ لأيهما، وَيَرقُبَكَ بلهفةٍ وسكونٍ تام أهل السماء.
 
أما أبطال تلك الرواية فبالتأكيد هو نحن وهم وكلنا، نعم كلنا أبطال رواياتنا، كُتب علينا أن نأخذ دور البطولة المُطلَقة فيها، كُتب علينا أن نصنع أحداثَ حياتنا وأن نُواجه صراعاتنا وأزماتنا بمفردنا دون مددٍ منتظر أو سندٍ من أحد سوى الإمدادات الإلهية والفيوضات النورانية.
 
أُمِرنا أن نَضَعَ حياتنا على موازين القيم والأخلاق بما أُوتينا من قدرة وحكمة وإيمان، أمِرنا أن نرى الحقَّ ونتبعه، وأن نَفِّر من الباطل ونتجنبه، وفى الأخير هل سننجع في عبور هذه الصراعات أم لا؟ هذا سؤال ليس لدى عليه جواب!
 
والأمثلة على بطولتك كثيرة منها حين تُبتَلَى بمرضٍ عنيف، ولا يشعر بألمك سواك، فتُقرر الصبر والاحتساب أليست هذه بطولة!، أنت البطل حين تُختبَر بفقدِ أحد الآباء أو الأبناء أو الأحباء بالموت وكأنَّ جزءاً قد انتُزِع من روحك، أنت البطل حينما تُحاول أن تسد حاجة أولادك رغم ضِيق عيشك، أنت البطل حين ترفض تغيير مبادئك وقيمك حتى لو كنت وحيداً في عالمك فريداً من نوعك، أنت البطل حينما تُقرر التغافل والعفو حين تتعرض للإيذاء رغم ما تملكه من قوة وسلطان، أنت البطل حين لا ترد الظلم بالظلم والشر بالشر، أنت البطل حين تهب لمساعدة الناس أو تشعر بآلام الناس، أنت البطل حين ترفض الظلم الذى يقع على الآخرين وتُنصِف المظلوم بكلمة حق حتى وإن كنت بمفردك، أنت البطل حين تُعطِى كل ذي حق حقه حتى وإن كرهته أكررها حتى إن كرهته، أنت البطل في جُبرانك لخواطرهم المكسورة وآلامهم المكتومة رغم ما تقاسيه من مرارة ومعاناة، أنت البطل إن تغلبت على شهواتك وانتصرت على بشريتك الضعيفة وأعليت من قدر نفسك في مواجهة جسدك، أنت البطل إن رجعت وندمت وتُبت كلما أخطئت، وارتَبَكَت لديك الرؤية وملأها الضباب وَغَلَفَتها المتعة واغتَرَرت بطول الأمل في الدنيا وكثرة مريديها. 
 
أنت بطل قصتك الخاصة، استشعر بطولتك وقوتك في نفسك، كن فخورنا بنفسك التي خاضت الحروب وعَبَرَت صراعاً تلو صراع وشقّت الأزمات بنجاح، حتى إن لم يكن النجاح بامتياز، كن معتزاً بنفسك التي ضعفت وانكسرت ويئست بل قل ماتت في أكثر التعبيرات دقة، ثم لم تَبَت مُستسلمة ونهضت ووقفت مستعيدة كيانها الوليد القادر على قيادة زمام أمور الحياة بقوة وإرادة وُلدت من رَحِمِ الألم واليأس والظلم والغدر والشر وهى عناوين اعتدنا رؤيتها بل قل ذقنا مرارتها في قاموس حياتنا.
 
كن فخوراً بكونك البطل... بكونك أنت.... أنت الذى حاربت مستغلاً قوة نفسك، للنجاة من الغرق إلى بر الأمان... أنت البطل وكفى....

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق