«صابرة».. اسم وصفة صعيدية تعمل «عجلاتية»: «عاوزة أجوز بناتى»
الإثنين، 18 سبتمبر 2017 10:00 ص
صابرة
هاجر السبيرى - خلود رفعت
ترمق مكانها من بعيد، لا تستطيع أن ترى سوى «كاوتش عجلات» و«أسطوانات» غاز صغيرة الحجم، تقترب أكثر؛ لترى بينهما يدين متشققتين من العمل يزين إحداها «مفتاح 10»، أكثر فأكثر لتجد امرأة لا يظهر منها سوى عيناها ويداها ونقاب وعباءة.
امرأة منتقبة، كسرت قاعدتين؛ الأولى عملها مهنة شاقة يعمل بها سوى الرجال وهى «العجلاتى» وملء أسطوانات الغاز الصغيرة المستخدمة فى البيوت، والثانية أنها تعيش فى محافظة صعيدية تحافظ على العادات والتقاليد ومن الصعب عمل المرأة فيها.
«صابرة».. اسمها وقد يكون - إذا نظرت إلى عينيها المرهقتين - وصفها على حالها.. ظروف المعيشة جعلتها تلجأ لمهنة قاسية من أجل «لُقمة العيش»، تساعد فى توفير مصاريف أبنائها وزوجها المريض. «مش شغالة بس فى تصليح العَجَلْ أو ملء أنابيب الغاز.. أنا ساعات بخرج أنا وبناتى الاتنين بالأجرة فى الزراعة».. تنطق بهذه الكلمات «صابرة» فى نبرة خانقة.. وتضيف: «ساعات نكون بنروى الأرض أو بنجمع محصول عشان نوفر أكلنا وشربنا».
وإذا تمعنت النظر، تجد عينين ذابلتين من شدة الإرهاق، سواء الجسدى أو الفكرى، مستطردة: «شغلانة تصليح العجل ما بقتش جايبة همها.. وأنا مضطرة إنى أتصرف عشان خاطر عندى بنتين على وش جواز».. تنظر إلى الأرض وينطق لسانها بحسرة «يعنى محتاجة فلوس عشان اليوم يعدي.. وفلوس أعينها عشان جهاز البنتين». تحاول أن تتحكم فى نفسها المرأة الخمسينية أكثر من ذلك بانشغالها فى تصليح «العجلة» ناطقة فى هلوسة «فين مفتاح عشرة».. وبعد أن تمتلكه فى يديها محكمة السيطرة عليه كالفقر الذى أراد عُمر أن يقتله، يقع من يديها محدثًا صوت ارتطامه بالأرض الأسمنتية دويا، وتبدأ العينان الذابلتان فى الانفتاح بكاءً «كل العرسان اللى بييجوا لبناتى لما يعرفوا إننا فقراء بيروحوا وما يرجعوش تانى». تتمالك نفسها مرة ثانية وتبدأ: «مش عارفة ألاحق على فلوس تجهيزهم ولا فلوس الجامعة.. ما اهو ما قدرش أقول لواحدة فيهم اقعدى فى البيت وما تكمليش دراستك». وتهمس - فى كبرياء رجال الصعيد - «صابرة»: «كل اللى الواحد محتاجه تروسيكل جوزى وابنى يشتغلوا عليه عشان كلنا نساعد فى سُترة البنتين ونحاول نجوز الابن اللى حيلتنا»، مختتمة حديثها: «نفسى حد يساعدنا.. إحنا علينا ديون 10 آلاف جنيه، وعاوزة أعالج زوجى من التليف الكبدى، ونستر البنتين».. وتتركنا «صابرة» لتستكمل تصليح «العجلة» مرددة كلمة أخيرة «ربنا هو اللى بيستر».