السوريون بالشرق الأوسط.. استثمار في مصر ومعاناة بتركيا وهروب من لبنان

الأحد، 17 سبتمبر 2017 08:22 م
السوريون بالشرق الأوسط.. استثمار في مصر ومعاناة بتركيا وهروب من لبنان
اطفال سوريون
محمود علي

في وقت اقتربت فيه الحرب السورية من الانتهاء، توقع كثيرون ارتفاع وتيرة عودة اللاجئيين السوريين من دول الجوار إلى بلادهم مرة أخرى بعد 6 أعوام من الأزمة المندلعة التي دمرت الأخضر واليابس في سوريا، في ظل تفاؤل البعض بأن تمثل هذه العودة محطة مهمة في وضع البلاد أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وفي حين نجح السوريين في التكييف مع بعض دول الشرق الأوسط كان في مقدمتهم مصر، كان  الهروب إلى دول آخرى محطة سوداء في سجل لجؤهم بالخارج.

 

وبحسب الاحصائيات ما زالت تركيا البلد الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين السوريين الفارين من النزاع وبلغ عددهم فيها حوالى ثلاثة ملايين، فيما يستقبل لبنان أكثر من مليون ونصف والأردن 657 ألفا، ويبلغ عددهم في مصر نحو نصف مليون ويتوزع الباقون في العراق ودول أخرى في شمال افريقيا.


نجاح السوريون في مصر

تمتاز مصر عن باقي الدول المستقبلة للسوريين الهاربين من الحرب، بالعديد من الإمتيازات وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئيين وعدد من التقارير التي أهتمت بالملف، ففي حين أقيمت دول المنطقة مخيمات إيواء للاجئين الفارين من سوريا في السنوات الست الماضية، تعامل هؤلاء في مصر كمواطنين مصريين لهم الحق في ممارسة حياتهم الطبيعة كأنهم في بلادهم وهو ما ساعد على اندماجهم في المجتمع بصورة طبيعية.

وتفتح للسوريين الهاربين من الأوضاع المأساوية في بلادهم إلى مصر الأسواق على مصراعيها للكسب من عرق الجبين، حيث يعيش هؤلاء في استقرار تام، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر والوضع الأمني الحساس، الذي يتطلب أقصى درجات الحذر عند استقبال أي مغترب فإن القاهرة وباقى محافظات مصر فتحت ذراعيها للسوريين بشكل واسع.

حسن عرب، سوري الجنسية، يباشر عمله في أحد مطاعم المأكولات السورية بمنطقة السادس من أكتوبر، الرجل الأربعيني يعيش هو وأسرته في القاهرة منذ 6 سنوات بعد اشتعال الحرب في بلاده، ورغم اعتزازه ببلاده يصف الرجل مصر بموطنه الأصلي بعد سوريا ويثني على حكم معاملة المصريين له.

يقول «حسن»، إنه جاء إلى مصر وهو أولاده بسبب صغر سنهم، لأن الحرب كانت تشدد أوتارها يومًا تلو الآخر، متابعا: «فور مجيئي لمصر عملت ولم أحس للحظة أني غريب في هذا البلد، حيث اشعر بسعادة غارمة وسط المصريين حيث يتعاملون معي كأني في وطني وبلدي».

 

المفوضية السامية للأمم المتحدة

 

وبحسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يقدر عدد اللاجئين السوريين المسجلين وغير المسجلين بمكتب المفوضية بنحو نصف مليون سوري، وهو الرقم المعلن أيضا من جانب الحكومة المصرية، وفق تقديرات محمد ثروت سليم، القائم بأعمال السفارة المصرية في سوريا، إلا أن حتى شهر أبريل  الماضي تم تسجيل ما يزيد على 120 ألف لاجئ سوري، بينهم قرابة 52 ألف طفل، استضافتهم مصر، وقدمت لهم الدعم اللازم.

 

 

وتوضح المفوضية أن «مصر لا تدير مخيمات للاجئين، لذا يجب على هؤلاء الأشخاص أن يعولوا أنفسهم إلى أن يتم تسجيلهم كلاجئين»، وهو أمر بالفعل قام به السوريون حيث بادر اغلبهم بتأسيس مشروعات صغيرة في مصر تدعمهم على المعيشة، والتي تعتمد على تقديم الخدمات إلى المواطنين المصريين، والحصول على الأموال للإنفاق على أسرهم، وهو الوضع الذي يصفه القائم بالأعمال المصري بأن «السوريين نجحوا جميعاً في الاندماج في المجتمع المصري».

 

«سمعنا أن مصر رخيصة وقوانينها تسمح للتعامل معنا على أننا مواطنيين عاديين»، هذه عباره قالها حسن عرب أحد السوريين المقيميين في مصر، والذي عبرت عن تطبيق مصر سياسة الباب المفتوح في التعامل مع السوريين الذين اختاروا مصر للعيش فيها، واضاف أنه فضل هو وأسرته التوجه إلى مصر عوضاً عن التوجه إلى تركيا، أو الأردن أو لبنان، وهي دول تستضيف أعداداً أكبر كثيراً من اللاجئين يقيم العديد منهم في المخيمات وأوضاعهم المعيشية أصبحت أصبحت صعبة.

 

وتتيح مصر لحسن وغيره من السوريين المقيمين في محافظات مصر، الحق في الوصول الكامل والمجاني لنفس الخدمات العامة المقدمة لمواطنيها، بالاضافة إلى تمتع السوريون بالخدمات الصحية والتعليم الأساسي والعالي، كما تسجل مصر أعلى معدلات التحاق لأطفال اللاجئين السوريين بالمدارس، حيث يبلغ عدد الطلاب المسجلين في المدارس 39.314 طالبا سوريا، ويبلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في الجامعات المصرية نحو 14 ألف طالب بالجامعات، وفق إحصائيات رسمية للخارجية المصرية.

 

كما استفاد السوريين المقيمين في مصر بشكل كبير بالاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية مع الأمم المتحدة في فبراير الماضي 2015، والتي افرزت خطة رئيسية لمساعدة السوريين، عبر الاستفادة من برامج المساعدة، والتركيز النوعي على سبل العيش، وخلق فرص اقتصادية، وهو ما أقره السوريون انفسهم بأن مصر هي الأفضل للعمل حيث تمتلك السوق الداخلية الأكبر عربيا، والموقع الجغرافي الأفضل والأقرب إلى الأسواق التصديرية في الخليج وأفريقيا وأوروبا.

 

اشتهر السوريين بفتح محلات الطعام

خلال الست سنوات الماضية، يعتبر السوري هو المستثمر الأول في مصر بحسب تقارير الأمم المتحدة، حيث يؤكد تقرير للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، صدر في مايو الماضي، نجاح السوريين في إنشاء مشروعات تجارية واستثمارات تقدر بـ800 مليون دولار في السوق المصرية منذ عام 2011 إلى الآن.

 

 وأشار التقرير، الذي حمل عنوان «توفير فرص العمل يحدث الأثر المنشود»، إلى أن السوريين استطاعوا الدخول إلى الاقتصاد المصري، والمشاركة برأس مال قدر بالملايين خلال السنوات الماضية، وإن كان من المحتمل أن يكون هذا الرقم التقديري أقل من الرقم الفعلي، لأن عددا كبيرا من المشروعات التجارية السورية لا تكون مسجلة، أو تسجل تحت اسم مصري.

الحكومة المصرية والأمم المتحدة توقع اتفاقية خاصة لمساعدة السوريين في مصر

 وذكر التقرير أن المشروعات السورية تدخل في عدد كبير من القطاعات مثل النسيج والمطاعم والأسواق المحلية، وشركات تكنولوجيا المعلومات، بجانب أن عددا كبيرا من المصريين يعمل فيها، إضافة إلى أن الشركات السورية تضخ العملة الأجنبية، وتعزز الصادرات.

ونوه التقرير أنه تبين أن مصر من بين الأماكن الأكثر استقطابا للاجئين السوريين الراغبين في إنشاء مشروعات، لعدة أسباب؛ منها رغبة المصريين في السماح لهذه الشركات بالازدهار، وكبر السوق وسلسلة الإمداد في مصر، ووجود جالية من رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر.


معاناة السوريين في تركيا
 

رغم أن اعداد اللاجئيين السوريين في تركيا يتخطوا ثلاثة الملايين، إلا أن دائما ما مروا بوضع صعب ماديًا واجتماعيًا ولم يشعروا بتحسن وضعهم الإقتصادي على الإطلاق إلا عدد قليلًا منهم وأغلبهم رجال أعمال كان لديهم القدرة على الاستثمار وجلب الفوائد للحكومة التركية، لكن الباقي فهم يعملون بطرق غير شرعية، وبأجور زهيدة لا تتناسب مع مستوى المعيشة، سيما في مدينة إسطنبول، وعلى الرغم من أن جميع هؤلاء العمال يحملون بطاقة الحماية المؤقتة التي تسمى «الكملك»، إلا أن هذه البطاقة لا تخولهم العمل، ولا يسمح لهم التنقل على الإطلاق دون الحصول على إذن مسبق.

 

مخيمات اللجوء للسوريين في تركيا

وتقدم «الكملك» الحماية المؤقتة لحامليها من السوريون حيث لها فائدة محدودة كتقديم المساعدات الإنسانية التي تعطيها بعض المنظمات للفقراء، بالإضافة إلى السماح لحاملها بدخول المشافي وتلقي العلاج الطبي بشكل مجاني، لكن دائمًا ما نادى السوريين بتغيير القوانيين التي تحد من تنقلهم حيث لم تتغير الاجراءات الروتينية التي تقيد تحركهم في البلاد أو فتح سوق العمل لهم، حيث لا يحق للسوريين حاملي «الكملك» التقدم للعمل أو التوظيف في منشآت حكومية، في حين تشغلهم المنشآت الخاصة برواتب متدنية دون تأمين صحي.

 

اقرأ أيضًا : السترة الحرام.. بيزنس بيع اللاجئات السوريات في تركيا

 

صحيفة صنداي تايمز البريطانية أكدت  أن على الرغم من أن ملايين اللاجئين السورييبن رحلوا إلى تركيا ظنا منهم إنها البلد المناسب حيث الحدود القريبة من سوريا، إلا أن هذه الملايين واجههوا العديد من التحديات حيث ليس لدي أغلبهم الحق في العمل، من أجل الحصول على الأموال والمسكن.

وفي حين يعيش غالبية السوريين في الاقاليم التركية على المساعدات الإنسانية وما يوفرونه من أجور عمل بطريقة غير قانونية يدفعونها على شكل إيجار للمنازل التي يقطنوها، ويتراوح إيجار البيت من 500 حتى 900 ليرة، والرقم الاخير يعتبر متوسط دخل العامل السوري في تركيا، تقول الصحيفة البريطانية أن لمواجهة هذه المعيشة الصعبة تحول بعض العائلات السوريات إلى وسطاء يتخصصون في تزويج بناتهم من الرجال الاتراك كبار السن كزوجات ثانية مقابل مهر لا يتعدى 1200 جنية استرليني، الأمر الذي يكشف مدى الاستغلال لأوضاع المهاجرين واللعب على ظروفهم الصعبة.

بطاقة الكملك

 

في العام الأخير زاد وضع السوريون سوءًا في تركيا، خاصة بعد انتشار العنصرية ضدهم، حيث تصدر هاشتاج في فبراير الماضي، «يا سوريون عودوا إلى بلادكم» الأكثر تداولا على تويتر في تركيا، وهو هاشتاج دعا إلى طرد اللاجئين السوريين من الأراضي التركية، وترحيلهم إلى بلدهم، وعلى الرغم من ان هذا الهاشتاج اغضب عدد من الاتراك المرحبين بالجاليات السورية على أرضهم إلا انه عكس مدى الازمة المستقبلية التي سيعيشها السوريين الراغبيين في الإقامة بتركيا.


أوضاع صعبة في الأردن
 

الأردن تعتبر من أكثر الدول التي عانت كثيرًا من تدفق اللاجئيين السوريين، فمع تزايد أعدادهم التي وصلت إلى ما يوازي ثلث سكان المملكة الهاشمية، فإن أحوالهم وفقًا لتقارير الأمم المتحدة كانت تزداد سوءاً عامًا تلو الأخر بسبب نتيجة تدني مستوى الخدمات المقدمة لهم.

يعيش غالبية اللاجئين السوريين في العديد من "مخيمات اللجوء" بمناطق متفرقة في الجانب الأردني التي اشتهر منها "مخيم الزعتري" في شمالي الأردن، و"مخيم الأزرق" شرقي البلاد، حيث يعيش -وبنسبة عالية من لاجئي المخيمات- على مساعدات مفوضية اللاجئين، وبعض الخدمات المقدمة من الحكومة الأردنية.

ويستضيف الأردن ما يتجاوز المليون ونصف المليون سوري، تم استيعاب أقل من نصفهم في عدد من مخيمات اللاجئين بمحافظات الشمال على نفقة الأمم المتحدة والدول المانحة، فيما تعيش غالبيتهم بإمكاناتهم المالية الخاصة، وبحسب تقريرٍ دولي، فإن «تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين مسجلين في الأردن هم فقراء أو من المتوقع أن يكونوا فقراء في المستقبل القريب، استناداً لمستوى المساعدة المقدمة من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»

أوضاع السوريون في الأردن

 

وأوضح التقرير الذي أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن «اللاجئين السوريين ممن تم تسجيلهم في الأردن ولبنان والذين يعدون نحو 1.7 مليوناً، نصفهم على وجه التقريب من النساء والأطفال، يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر رغم سخاء الحكومتين المضيفتين».

وفي عام 2015، وفي ظل غياب المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين من مفوضية شؤون اللاجئين، يقول التقرير: إن «هناك شواهد على أن معدلات الفقر ارتفعت في المجتمعات المحلية المضيفة في الأردن» وهو أمر واجه تحديًا واسعًا للاجئيين في الأردن.


رغم القوانين الجديدة.. لبنان سوقًا صعبة للسوريين

في لبنان كان الوضع صعبًا هو الأخر، فبرغم القوانين اللبنانية الجديدة والتي قننت وضع السوريين المقيمين في لبنان، إلا انها لن تضع حدًا للأجراءات القديمة التي أصدرتها وزارة العمل في 2014، والتي حصرت المهن التي يحق للسوريين العمل بها في لبنان، فقط في قطاعات الزراعة والنظافة والبناء، وهو أمر كان له أثر سلبي على السوريين مما أدى إلى مغادة بعضهم لبنان ليحطوا إلى بلادًا أخرى أكثر يسرًا في التعامل مع اللاجئيين.

 

وحملت الاجراءات الجديدة على المصنف ضمن فئة «القادمين بموجب تعهد مسبقبا لمسؤولية» شروطاً يجب تطبيقها، فبموجبه لا يُسمح بدخول السوري الذي لا يمكن تصنيف سبب زيارته ضمن الفئات الواردة إلا في حال وجود مواطن لبناني يضمن ويكفل دخوله وإقامته وسكنه ونشاطه، وكل سوري قادم للدخول بموجب «تعّهد بالمسؤولية» يمنح سمة دخول لمدة 8 أيام وتُجدّد مرتين لمدة ستة أشهر. وضعت هذه الاجراءات، بهدف تنظيم الوجود السوري في لبنان من الناحية الأمنية، وفصل«العامل» عن «غير العامل» بهدف ترتيب السوق العمل اللبناني.

1128_syria-refugees_542055_large-680x365_c

 

وبالنسبة لوضع السوريين في سوق العمل اللبناني، فبحسب دراسة قدمت في عام 2014 تحت عنوان «تقييم أثر اللاجئين السوريين فيل بنان وظروف تشغيلهم»، أكدت أن قرابة ثلث اللاجئين السوريين في سوق العمل اللبنانية عاطلون عن العمل، مشيرة الى أن معظم اللاجئين العاملين يعانون من تدني الأجور ومن ظروف عمل قاسية، فضلاً عن افتقارهم إلى المهارات والتحصيل العلمي، اذ ان 88% من اللاجئين السوريين يعملون في مهن متدنية أو متوسطة المهارة.

 

ووجدت الدراسة بأن العمال السوريين في لبنان يحصلون على أجور أدنى بكثيرمن نظرائهم اللبنانيين، وبحسب الدراسةفأن92 %  من اللاجئين السوريين في لبنان يعملون دون عقد عمل نظامي، و 56% من اللاجئين السوريين العاملين في لبنان يعملون في أعمال موسمية، أو أسبوعية، أو يومية،  كما اضافت الدراسة أن74 يوما: متوسط الزمن الذي يستغرقه اللاجئ السوري للعثورعلى عمل، وكشفت الدراسة بأن تدني الأجور، وارتفاع معدل البطالة، وعدم تنظيم سوق العمل تطرح تحديات خطيرة على معيشة السكان واللاجئين في المجتمعات المحلية اللبنانية المضيفة.

          

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة